مراجعة كتاب (معذبو الأرض)، تحليل للفكر الاستعماري
كتاب >>>> الكتب الأدبية والفكرية
نقرأ تحت العنوان الأول (في العنف): أن الاحتلال أشد أنواع العنف الذي تفرضه القوى الاستعمارية على الأمم، ولا سبيل إلى مقاومة العنف إلا بعنف أشد منه وفي ذلك دعوة لشعوب العالم إلى الثورة والتحرر لإنهاء الوجود الاستعماري ماديا ومعنوياَ بمحاربة القيم التي تسعى البرجوازية الاستعمارية لترسيخها بأساليب عدة، أهمها محاورة المثقفين الثوريين. فأبرز العناوين التي يأتي بها المستعمر لمحاورة المثقفين -مثل التعايش السلمي ودمج الثقافات- ليست سوى أقوال رنانة وخرافات لا سبيل لتطبيقها في الواقع، حسب تعبير الكاتب، وذلك يعود أولًا إلى عدم إيمان المستعمر بهذه القيم. ويستشهد بذلك عندما طالبت الحكومة الفرنسية في أثناء احتلالها الجزائر وضع جنسيتين للمواطنين والمستوطنين على أراضيها.
ويتابع الكاتب مناقشة القيم التي يدعو إليها الاحتلال، واعتبر أبرزها وأخطرها الفردية؛ لما لها من دور في تخريب الفكر الثوري الذي يعتقد بضرورة الاشتراك في كل شيء لتحقيق أهداف الشعب، يقول الكاتب: "إن القيم تتسمم وتفسد على نحو لا يمكن إصلاحها متى جعلناها تحتك بالشعب المستعمر". ومن ثم كانت أهم قيمة للشعوب المحتلة في نظر الكاتب قيمة الأرض، فقد آمن بقدسية الأرض وضرورة تحريرها لتحرير فكر الشعوب المستعمَرة، يقول فانون: "بالنسبة إلى شعب محتل القيمة الأبرز والأكثر ملموسية هي الأرض يجب على الشعب أن يحرر أرضه لأنها هي التي تؤمن له الخبز والكرامة"، ثم ينتقل بعدها ليناقش موقف طبقات المجتمع من الاستعمار وتأثير ذلك في الثورة ويبين كيف يستغل الاستعمار هذه الهوة لإضعاف الوطنية.
أما في العنوان الثاني الانطلاق العفوي يتحدث الكاتب عن الهوة بين الطبقات السياسية والجماهير، وسبب ضعف الأحزاب السياسية التي توجه جل اهتمامها إلى العناصر الواعية التي يتركز معظمها في المدن. يناقش الكاتب إمكانية أن تكون هذه الطبقة نواة لدعم البرجوازية؛ لما تتمتع به من امتيازات في ظل حكم المستعمر، فعندما تحاول مواكبة الروح العصرية تنسلخ تدريجيًا عن الثقافة القومية ويصبح موقفها من سكان الريف مشابهًا لموقف البرجوازي المستعمر؛ ما يولد الريبة عند الريفيين تجاه سكان المدن والطبقة السياسية والعاملة التي يرونها في لباسها ونمط حياتها أشبه بالأوروبيين فيقول الكاتب: "إن هذه الشقوق هي السبب فيما تعانيه الاندفاعية القومية والوحدة القومية من انتكاسات مؤلمة ومؤذية".
أما في عنوان مزالق الشعور القومي يؤكد الكاتب على ضرورة وجود وعي قومي لكي تكون مقاومة الاستعمار مثمرة. ويعتبر أن الطبقة البرجوازية التي تضم أغلب الفئات العاملة والمثقفة هي المسؤولة مسؤولية أساسية عن غياب الوعي القومي. ويسترسل بعد ذلك في صفحات لشرح دور البرجوازية.
وفي عنوان في الثقافة القومية يؤكد الكاتب على محاولات الاستعمار الدائمة للقضاء على فكر القومية، ويتمثل ذلك في إقناع السكان أن قيمه قد انتشلتهم من الظلام، وفي هذا توجُّه لإحلال حضارة الشعب. ولا يخفى أن جل ما تسعى إليه الدول المستعمرة محاولة إضعاف كل ما من شأنه أن يوحد الصفوف لإنهاء وجودها، لكن الكاتب يرى أن لهذا العنف المعنوي الذي تمارسه القوى الاستعمارية دور إيجابي في نفوس المثقفين الثوريين؛ لأنه يحثهم على إنشاء حركات أدبية لمقاومة هذا الانحلال، ومن هنا ينشأ أدب الثورة. فحين يوضع أبناء الأمة في ظروف استثنائية مثل السجن أو النفي أو الاضطهاد يتولد لديهم الإحساس بواجب الدفاع عن قضيتهم التي هي أمتهم وفي هذا أهم تجليات الثقافة القومية التي تطغى على الفردية التي يريد المستعمر غرسها وفق ما أشرنا في العنوان الأول.
وتحت عنوان الأسس المشتركة بين الثقافة الوطنية وكفاح التحرر يرى الكاتب أن الوجود الوطني للأمة يعني الاشتراك بالقيم والعادات والرؤى؛ لذا يكون أهم شرط لتحقيق هذه الوطنية وجود الأمة والدولة. ونجاح هذا الكفاح يعطي الأمة صدقها وأصالتها، فإن كان وجود الأمة شرطًا محققًا فيجب أن يُحمى ويُدافع عنه بقوى تحررية تكون في هيئتها المنظمة الدولة.
وتحت عنوان الحرب الاستعمارية والاضطرابات النفسية ترتبط تحليلات فرانز فانون في هذا الفصل بعمله طبيبًا نفسيًا. ويقوم في هذا الفصل بشرح تأثير الحرب والمقاومة على الحالة النفسية للمستعمِر والشعوب المستعمَرة. فيأتي بهذا الفصل على ذكر أمثلة كثيرة لحالات قام بعلاجها وتحليلها لأشخاص عانوا من اضطرابات نفسية جراء الحروب مثل أشخاص شهدوا مجازر جماعية أو قتل واغتصاب وفقدان لأحبتهم وممتلكاتهم.
يعتبر هذا الكتاب من أهم الكتب التي تتناول قضية التحرر من الاستعمار من مختلف الزوايا وترى أن المقاومة الفكرية لا تقل أهمية عن المقاومة المسلحة في ميادين النضال.