مراجعة رواية (الكونت مونت كريستو): عندما يُبنى الانتقام على أنقاض الحب والصداقة
كتاب >>>> روايات ومقالات
تبدأ أحداث الرواية عام 1815، وهي الفترة التي تلت هزيمة القائد الفرنسي الشهير نابليون بونابرت ونفيه الأول إلى جزيرة إلبا في البحر المتوسط، وتولِّي الملك لويس الثامن عشر مقاليد الحكم، ليهرب بونابرت لاحقًا من منفاه عائدًا إلى فرنسا؛ ممَّا جعل السلطة الملكية آنذاك تخشى استعادته للعرش، وتلاحق كل من تشك في أنَّه متآمر معه، وهي التهمة التي ستكون قوام روايتنا.
أما بطل الرواية فهو إدموند؛ الشاب البحار الموعود بقيادة سفينة (فرعون) بعد عودته إلى مرسيليا.
وقد كان إدموند ذا طموح عالٍ وسمعة جيدة، ويمكن القول إنَّ القالب المثالي لتطور الشخصية تحول من الحب واللطف إلى أقصى درجات البغض والانتقام.
وتبدأ الرواية مع إدموند في طريقه إلى الوطن منتظرًا لقاء محبوبته مرسيدس الحسناء والعائلة والأصدقاء حالمًا بالأيام القادمة وما تحمله من ضوء وسلام، ولكنَّ ظلمات الغيرة فرضت رأيها في الساحة ذات الأصدقاء الذين نصبوا له في حلمه الوردي كمينًا، ليجد نفسه مُتهمًا بالتآمر مع نابليون بونابرت؛ ما تسبب باعتقاله من حفل زفافه وسَجْنه في سجن قصر شاتو ديف قُبالة مارسيليا مدة أربعة عشرعامًا.
أما الأقدار فكان لها رأي آخر؛ إذ لا بدَّ لإدموند من البقاء، ولا بدَّ له أن يحيا مستبدلًا أحلامه الوردية كلها بعتمة الظلم والزنزانة، فكانت تسيطر عليه دوامات التفكير اللامتناهية باحثةً عن سبب زجِّه في السجن، ولم يجد إجابة! ومثل أي بشري آخر كانت لديه رغبة عارمة في البقاء، حاول إدموند التأقلم مع الحياة المفروضة عليه طمعًا بالنجاة، ولو بفتات أملٍ في أن ينجو.
أما عتمة السجن فقد كان لها الدور في إنارة درب إدموند بنور علاقة إنسانية؛ كوَّنها مع شخص آخر في السجن، فكان ذاك الصديق المعلمَ والداعم وصديق خطط الهروب، وهنا نرى أدب السجون جليًّا في تماسكهما ضد الظلم المطبق عليهما.
تعلَّم إدموند أمور الحياة التي تجعله مستعدًا لحياة الكونت بعد هروبه وحصوله على كنز مخبأ في الجزيرة كان قد تركه له صديق السجن العجوز، ثمَّ عاد إلى بلده بهيئة جديدة ليُعرَف بالكونت مونت كريستو حالمًا بكثيرٍ من الانتقام وقليلٍ من التسامح جاعلًا من نفسه وجبةً دسمة لأصدقائه القدامى، فهو محمَّلٌ بالذهب، وهذا ما جعلهم مجتمعين حوله كما يجتمع البعوض حول ضوء اللهب.
وكما خطط الكونت لإحراق الجميع بنيران خذلانه تمامًا، تأججت تلك النيران بعد عودته ليجد محبوبته قد أكملت حياتها مع صديقه الخائن، فأضافها إلى تلك القائمة قاتمة السواد.
وأمضى الكونت أيامًا يقترب من كل شخص كان له دورٌ في انقلاب حياته رأسًا على عقب، مُحققًا انتقامه على أكمل وجه، فهل ثمة طريقة أفضل من المال للانتقام من الجشِع، وما أفضل طريقة لإيلام من كسر القلب وهجر؟ فكان الكونت يختار انتقاماته بحذر ودقة لكي تكون أشدها.
"من حسن الحظ أنَّ عقاب الضمير يبقى، ولولا ذلك لكانت الحياة تعيسة شقية لا تطاق.. فعلى أثر كل فعل يتطلب إجهاد النفس في التبرير والتخريج يتولى الضمير وحده إنقاذنا، فهو يزودنا بألف عذر يكون قبوله في يدنا وحدنا.. على أنَّ هذه الأعذار التي تفعل فعل السحر في جَلْب النعاس إلى أجفاننا لا تكاد تجدينا نفعًا حين نمثل أمام المحكمة كي نحاكم على جريمتنا".
ولكن؛ هل الانتقام يغير الطبيعة البشرية التي خُلقت لتحب وتبني الذكريات؟ أم أنَّ الحب والقلب ينتصران؟
أيعقل أن يختلف الأمر من شخص لآخر؟ أم أنَّ الأمر يختلف تبعًا لعمق الجرح؟ أيمكن أن يتصالح الإنسان مع فكرة تسامحه وغفرانه للآخرين بحثًا عن سمو روحه وراحته؟"
رواية شملت مزيجًا من صراع الخير والشر والجشع في السلطة مع المغامرة، ولا بأس بقليلٍ من الأحاديث الفلسفية وكثيرٍ من تسليط الضوء على الاختلاف بين الطبقات المجتمعية، نتمنى لكم قراءة ممتعة.
معلومات الكتاب: