مراجعة كتاب (موسى والتوحيد): موسى وفق ما يراه فرويد
كتاب >>>> الكتب الأدبية والفكرية
يعتبر فرويد أن هناك تشابهًا بين الظواهر الجماعية التي تقوم عليها الأديان وعملية القمع في سياق التطور الفردي وفقًا للمخطط التالي: الصدمة الطفولية، فالدفاع، فالكمون، ثم بداية المرض العصبي، ثم العودة الجزئية للمقموع، ويَعتبر فرويد أن التعامل مع شخصية موسى إسقاطٌ لشخصية الأب.
إن هذا الكتاب أيضًا انعكاس للهوية اليهودية، والسمات الشخصية التي تقوم عليها التي تضمن استمرارها، والكراهية التي تثيرها في معاداة السامية، والتي يشرحها فرويد بأنها الثمن الذي يجب دفعه مقابل إنكار قتل الأبوين ورفض هذا الاعتراف. يُدرس موسى والتوحيد بطرائق عديدة مختلفة؛ أولاً: إنها سيرة موسى الرواية التاريخية التي أراد فرويد أن يضعها ضمن قالب تاريخي.
وثانياً: رأي فرويد أن شخصية موسى لم تكن يهودية، بل مصرية ويستند هذا الادعاء على أن اسم موسى مصريٌّ.
في المقال الثاني؛ يحاول فرويد فهم الأسباب التي أودت بموسى إلى تولي قيادة الأقلية التي كان من المفترض أن يصبحوا يهودًا ويفرضون عليهم دينًا جديدً، ثم رأى أن ما أصبح ديانة نشأ في عبادة آتون التي مارسها الفرعون أمنحوتب الرابع. تبنى موسى - وهو مؤمنٍ مخلص- الدين الجديد ليصبح دينه. بعد الثورة التي أعقبت وفاة الفرعون اختار موسى المنفى وخلق شعبًا فرض معتقداته الدينية عليه، مع نقل بعض التقاليد المصرية مثل ممارسة الختان. هؤلاء هم الأشخاص الذين أخرجهم من العبودية. وحسب فرويد جلبت عبادة آتون والإيمان بموسى إلى الدين لأول مرة في التاريخ المفهومَ التوحيدي الشامل الفريد من نوعه الله. يَعتبر فرويد وفق ما قيل أن موسى اغتيل خلال ثورة اليهود ضد سلطته بسبب شخصية موسى الاستبدادية المتسلطة، ورغبته في فرض دين توحيد على جميع اليهود.
يبدي فرويد رأيه وفيه يضع الهجرة الجماعية بعد قرن أو قرنين من حكم أخناتون من خلال طرحه لفكرة أن موسى لم يستمد معتقداته الدينية مباشرة من الفرعون، بل من الكهنة الذين كانوا مخلصين لعبادة آتون في مصر. ويرد على بعض النظريات التاريخية التي ترى أن أصل الإله اليهودي يهوه من إله البركان عند الكلدانين والميديانين، ويفترض اندماج ديانتين: دين الحقيقة والعدالة لآتون الذي قمعه دين الرب مؤقتًا، وكان يركز أكثر في التوسع. في أثناء إعادة تكوين تاريخ الشعب اليهودي أعاد فرويد اكتشاف النظام الثنائي الذي كان مهمًا للغاية بالنسبة له: اندماج اثنين من موسى في شخصية واحدة، وديانتين جديدتين في دين توحيد واحد، وشعبان في أمة واحدة.
هكذا يبدو عمل فرويد تفسيرًا لتشكيل الدين التوحيدي دين موسى على أساس قتل الأبوين والقمع الجماعي لهذه الجريمة، وانتقالها في الذاكرة، مع بقائها في اللاوعي وظهورها في الظواهر الدينية. هذا الموضوع مشابه لما طرحه فرويد في كتابه (الطوطم والتابو)، فيه يعتبر فرويد أن قتل الأب أصلٌ للحضارة والدين التوحيدي. فوفقًا لفرويد ينطبق هذا التفسير على الديانة اليهودية، وفيه يرى أن الذنب هو الخطيئة الأصلية. لا يمكن أن يُكفّر عن قتل الأب إلا بتضحية أضحية تكفير. وقد استُبدلت في الدين المسيحي مشاعرُ التحرر والانعتاق من الذنب بالشخص المختار في الديانة اليهودية، من خلال تضحية الابن، أي التكفير عن الخطيئة الأصلية بوساطة الذبيحة. في نهج فرويد جُرِّد موسى من كونه مركزًا للعقيدة اليهودية، واختُزل إلى طبيعته البشرية، وأما شخصية الله تنحصر في أصل بشري بحت ناشئ عن إسقاطات في اللاوعي الفردي.
معلومات الكتاب: