مراجعةُ رواية (عائدٌ إلى حيفا): فلسطين بين الذاكرة والغد
كتاب >>>> روايات ومقالات
وعلى الرَّغم من كونها قصة قصيرة، فإنّها تختزل في عمقها تحليل الصّراع الفلسطيني الإسرائيلي.
تَعرِضُ الرّواية قصةَ امرأة ورجل اضطرا -كما مئات العائلات الفلسطينيَّة- إلى تركِ منزلهما في حيفا، ليلة هجوم عنيف على البلدة عام 1948، ليُغادرا عبر مراكب إلى يافا، تاركين ابنهما "خلدون" الذي لم يتجاوز عمره خمسة أشهر في المنزل، وعاجزين عن العودة إليه.
وبعد عشرين سنة من هذه الحادثة الّتي غيرت حياتهما، يقرران العودة لزيارة حيفا، ورؤية منزلهما، ومعرفة إن كان ابنهما ما يزال على قيد الحياة.
يدخل سعيد وزوجته البلدة؛ فيمطر عليهما وابل من الذكريات المؤلمة عن ليلة الهجوم، وكيف تركا "خلدون" في المنزل، ومنظر الدخان المتصاعد، والقنابل الّتي تدفع الناس للهروب باتجاه البحر، وشوارع حيفا الّتي لم تتغير كثيرًا، وفي الوقت نفسه لم تعد تشبه نفسها.
يصلا إلى منزلها؛ فتستقبلهما امرأة لا تتحدث العربيَّة، يدخلان المنزل الّذي غادراه قسراً قبل عشرين سنة، وينتظران قدوم "خلدون" أو "دوف" كما أسمته المرأة اليهوديَّة الّتي ربته.
يدخل "دوف" ببدلته العسكريَّة إلى المنزل، ويقابل والديه الحقيقيين، ويدور بينهما حوارٌ يحمل في رمزيته مبررات الكيان الصّهيوني في احتلاله لفلسطين، وأخطاء الفلسطينيين كما صوّرها غسان.
فيرى خلدون أنَّ خطأ والديه كان في مغادرة حيفا من الأساس؛ بل في عدم محاولتهم البحث عن ابنهم صاحب الخمسة أشهر من العمر، يقول خلدون: "كان عليكم ألا تخرجوا من حيفا، وإذا لم يكن ذلك ممكنًا، فقد كان عليكم بأي ثمن ألا تتركوا طفلًا رضيعًا في السّرير، وإذا كان هذا أيضًا مستحيلًا فقد كان عليكم ألا تكفّوا عن محاولة العودة"، فيرد عليه والده بأنَّ أخطاءهم هذه لا تبرر للصهاينة أفعالهم: "إنَّ أكبر جريمة يمكن لأي إنسان أن يرتكبها، كائنًا من كان، هي أن يعتقد أن ضعف الآخرين وأخطائهم هي التي تشكل حقه في الوجود على حسابهم، وهي التي تبرر له أخطاءه وجرائمه".
ويطرح الحوار كذلك مسألةً مهمةً في رأي الكاتب، هي أنَّ الإنسان في نهاية المطاف ليس سوى قضية، سواء أكان عربيًّا أم يهوديًّا؛ لا يهم، وما يهم أنَّه ينبغي له أن يدرك الأشياءَ على حقيقتها.
ينتهي الحوار بخيبةٍ كبيرةٍ في قلب "سعيد" وزوجته، وبسؤالٍ يحاول سعيد أن يجد جوابه، ما الوطن ؟ أهو منزلهم الذي غادروه قبل عشرين عامًا أم هو خلدون أم أوهامهم عنه؟ أم ابنهم الآخر "خالد" الّذي يريد الالتحاق بصفوق المقاومة؟؛ ليصل سعيد إلى الإجابة: "أتعرفين ما هو الوطن يا صفية؟، الوطن هو ألا يحدث هذا كله".
وقبل أن يخرج يخاطب "سعيد" المرأة الّتي سكنت منزله طوال هذه السنين، "تستطيعين البقاء مؤقتًا في بيتنا، فذلك شيء تحتاج تسويته إلى حرب"؛ ليقرر بعدها العودة إلى يافا والسماح لـ "خالد" بالالتحاق بصفوف الفدائيين.
تناول عملان سينمائيان هذه القصة في كل من عامي 1981 و1994، وهناك عمل تلفزيوني سوري يحمل عنوان الرّواية نفسه.
معلومات الكتاب:
العنوان: عائد إلى حيفا
المؤلّف: غسان كنفاني
الناشر: دار منشورات الرمال، قبرص
عدد الصفحات: ٧٩