(Omnipotence paradox) مفارقة القدرة الكلية
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> الفلسفة
تعدُّ الصياغةُ السابقةُ من أشهر أمثلة هذه المفارقة، فإن لم يستطع إيجاد هذه الصخرة فهو غيرُ كلّيّ القدرة، وإن لم يستطع رفعها فهو أيضاً غيرُ كلّيِّ القدرة (1-3).
من أمثلة هذه المفارقة أيضاً إمكانية كائن كلّيّ القدرة أن يتجاوز حقائق المنطق والرياضيات، مثل أن يقوم بإيجاد مكعب دائري (1,2)!
تشير القدرة الكلية وفقاً لديكارت إلى امتلاك القدرة على القيام بأي فعلٍ حتى لو كان مستحيلاً، مثل القدرة على رسم دائرة مربَّعة، بينما يرى آخرون من فلاسفة اللاهوت الغربيين أن هذه الفكرةَ متناقضةٌ؛ لأنه من غير الممكن القيام بفعلٍ مستحيل؛ إذ لو قام به فسيكون من الممكن القيام بأمر مستحيل، وهذا تناقضٌ صارخ؛ إذ لن يكون هذا الأمر مستحيلاً إذا قِيمَ به، لذلك فإنّ الكائن كليَّ القدرة يستطيع القيام بأي فعلٍ طالما كان ممكناً، وهذا هو المبدأ الذي يقبله معظم الفلاسفة، إلا أنَّه يتناقض مع تعريف القدرة الكلية، ومن بين الفلاسفة المعاصرين يرفض إيرل كوني (Earl Conee 1950) المبدأَ السابق، ويرى أنَّ الكائن كليَّ القدرة يجب أن يستطيع القيام بأيِّ فعل مهما كان، وكذلك يرى فيلسوفٌ معاصرٌ آخرُ هو ريتشارد سوينبيرن (Richard Swinburne 1934) أنه يلزم أن يكون هذا الكائن أبديَّاً بالضرورة لكي تنطبق عليه صفة القدرة الكليَّة دائماً، وإلا فإنَّه من الممكن أن يوجِد الصَّخرة عندما يكونُ كليَّ القدرة، ثم يتوانى عن تحريكها عندما لا يكون كلي القدرة (1,2).
كتعريفٍ آخر للقدرة الكلية يمكن أن نقول إنه إذا كان الكائن كليَّ القدرة فإنَّ قوته الكاملةَ لايمكن تجاوزها من أي كائن آخر بأيِّ شكل كان، وهنا يجب أن نميز بين القوة والقدرة، فالقوة تشتمل على القدرة إضافةً إلى الإمكانية؛ قد يكون كائنٌ لديه القدرة على القيام بأمر ما إلَّا أنَّ الظروف تمنعه وعندها لن يكون كليَّ القدرة (1).
في ضوء ما سبق يمكن أن نطرح السؤال الآتي:
هل يمكن لعدة كائنات كلية القدرة أنُّ توجد مع بعضها؟!
من بين الفلاسفة المعاصرين يجيب ريتشارد سوينبيرن بأنَّ ذلك ممكنٌ، ولكن لنطرح المثال الآتي أولاً: لو كانت لدينا ريشةٌ يريد الكائن كلي القدرة (س) أن يحركها، وفي نفس الوقت يريد الكائن (ع) أن يجعلها ساكنة، عندها لن يستطيع كلاهما أن يغير من حالة الريشة وهذا سيسلبهما صفة القدرة الكلية، ومن ثمَّ فإنَّ وجود عدة كائنات كلية القدرة مع بعضها لأمر مستحيل؛ إذ يمتلك كلٌّ منها القدرة الكلية لكن تفتقر إلى الإمكانية، إلا أنَّ ما يطرحه سوينبيرن أن الكائناتِ كليةَ القدرة يجب أن تكون كاملة المعرفة والأخلاق والجمال ومن ثمَّ لن تتعارض أهدافها ولن تختلف فيما بينها وسيكون كل منها كلي القدرة بضرورة كونِه كليَّ المعرفة والأخلاق والجمال، وهذا ما يسقطه سوينبيرن في اللاهوت المسيحيِّ على الثالوث المقدس، إلا أنه من الممكن أن نفترض وجود عدة خيارات متساوية من الناحية الأخلاقية والجمالية، وعندها لن تتعارض مساعي الكائنات كلية القدرة عند اختيارها، وبذلك ستنتفي عنها صفة القدرة الكلية في حال اختلاف اختياراتها (1).
ترتبط هذه المفارقة أيضاً بمشكلة الشَّر، فإن كان الكائن كلي القدرة وكامل الأخلاق، فلن يقوم بفعل شرير، وهنا يبرز السؤال الآتي: هل يستطيع هذا الكائنُ أن يقوم بفعل شرير مثل الكذب؟
سواء في حال الإيجاب والنفي، ستتنتفي إحدى الصفتين السابقِ ذكرهما عن هذا الكائن، وانطلاقاً من ذلك يحاول اللاهوت العقلانيُّ أن يحل هذه المعضلة كونها تتناقض مع مبادئ اللاهوت الديني؛ إذ رُدَّ عليها بأن القيام بفعل شرير من قبل الكائن كلي القدرة، أو السماح به، هو لغاية التسببِ بخيرٍ أكبرَ وأعمَّ من الفعل الشرِّير، غير أنَّ كثير من فلاسفة اللاهوت قبلوا بعدم إمكانية ترافق الصفتين مع بعضهما، أو رأوا أن إحدى الصفتين يجب ألا تكون مستمرةً بل طارئةً على وصف الكائن (1,2).
ومن جهةٍ أخرى تتعلَّق هذه المفارقة أيضاً بحريَّة الإرادة، إذ يُجادَل أحياناً بأنَّ وجود كائنٍ كلي القدرة يجعل من المستحيل أن يوجد معه كائنٌ آخرُ حرٌّ غيرُ كليِّ القدرة، فلو أراد قيصر ألَّا يعبر النهر، فإنَّ قيصر وحده يجب أن يتخذ هذا القرار، وطالما هو قادرٌ على اتخاذه فهو فعل ممكن، وبالتالي يمكن لكائن كلّيّ القدرة أن يحققه (أي يجعله يمتنع عن العبور)، ولكن لو حققه فذلك سينزع صفة حريَّة الإرادة عن قيصر، وبذلك لا يمكن للكائن كلي القدرة أن يجعله يمتنع وإلا لن يكون أيُّ كائن آخرَ قادراً على اتخاذِ قرارٍ حر (2).
تعرَّض اللاهوت الدينيُّ للنقاش الدائر حول هذه المفارقة مراتٍ عديدة، وقد أفرز العديدَ من الإجابات المثيرة للجدل، منها ما تبنَّاه بعض الفلاسفة ورفضه معظمهم، وتبقى هذه المفارقة محوريَّة عند الحديث عن طبيعة الإله في مختلف الأديان.
المصادر:
2. Pearce KL. Omnipotence | Internet Encyclopedia of Philosophy [Internet]. Iep.utm.edu. [cited 16 June 2021]. Available from: هنا
3. Walton D. The Omnipotence Paradox. Canadian Journal of Philosophy. 1975;4(4):705-715. Available from: هنا