العقوبات الاقتصادية على روسيا: هل من خطرٍ على الاقتصاد؟!
الاقتصاد والعلوم الإدارية >>>> اقتصاد
إن كنتم من المتابعين للشؤون السياسية حول العالم، فمن غير الممكن أن يفوتكم الحدث الذي شغل العالم عام 2014، والذي تعلق بضمِّ روسيا لشبه جزيرة القرم، وما حصل من ردود أفعالٍ عالمية اتجهت على نحوٍ أساسي إلى فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا. ولا يمكن لما يحصل الآن أن يكون منفصلًا بأي شكلٍ عما حدث آنذاك. فمع بداية العام الحالي كان الحدثَ الأبرز ببدء الأزمة الروسية الأوكرانية والتي تعاطى معها العالم بطريقة مماثلةٍ لما حصل عام 2014،إذ استمر فرض العقوبات الاقتصادية التي اتسعت رقعتها أكثر فأكثر. ولم يكن أثرها لينحصر في حدود الاقتصاد الروسي فقط، بل امتد ليشمل الاقتصاد العالمي بأسره (1).
لنتعرف أولًا على مجمل تلك العقوبات التي فرضتها مجموعة من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي:
طالت العقوبات المالية البنك المركزي الروسي (CBR)، ومنعته من الوصول لاحتياطيات النقد الأجنبي الموجودةِ لدى المؤسسات ضمن الدول المشاركة في العقوبات، والتي تصل إلى نصف احتياطيات روسيا من النقد الأجنبي. بالإضافة إلى حظر التعامل مع صندوق الثروة الوطني الروسي ووزارة المالية الروسية. كما حُظِرَ معظم البنوك الروسية ومن بينها بنك VTB، ثاني أكبر البنوك في البلاد، من نظام المراسلات البنكيه SWIFT. بالإضافة إلى عقوباتٍ تجاريةٍ تتعلق بتقييد حركة الاستيراد والتصدير من وإلى روسيا. من بينها صادراتُ السلع والخدمات المتعلقة بشكلٍ رئيسي بقطاع الطيران والفضاء والنفط والغاز والسلع الزراعية بالإضافة إلى العديد من السلع الأخرى. علاوةً على إغلاقِ تلك الدول لمجالها الجوي أمام الرحلات الجوية الروسية، وحظرِ السفر من وإلى روسيا، وغير ذلك من العقوبات التي نتجَ عنها مغادرة أكثر من 150 شركة متعددة الجنسيات بعد إغلاق أبوابها في روسيا، في حين أوقفت 250 شركة أخرى عملياتها فيها (2).
لقد كان لتلك العقوبات أثرها على الاقتصاد الروسي، كونها تستهدف إضعافه بقطاعاته المختلفة كافة. لكن لماذا تأثر اقتصاد الكثير من البلدان بذلك؟ للإجابة على هذا التساؤل لابد من معرفة الدور الذي تلعبه روسيا في الاقتصاد العالمي.
تأتي أهمية روسيا في الاقتصاد العالمي كونها منتجٌ ومصدِّرٌ رئيسي للطاقة والحبوب، فهي إذًا مرتبطةٌ ارتباطًا وثيقًا بقطاعين حيويين هما الطاقة والغذاء. إذ تعتبر لاعبًا له ثقله في أسواق الطاقة العالمية. وتعد روسيا ثاني أكبر منتجٍ للغاز الطبيعي في العالم بعد الولايات المتحدة، ولديها أكبر احتياطيات غازٍ في العالم. كما تمتلك شبكة خطوط أنابيب واسعة النطاق لتصدير الغاز عبر بيلاروسيا وأوكرانيا، التي ترسل الغاز عبرها مباشرة إلى أوروبا. بما فيها خطوط أنابيب نورد ستريم، بلو ستريم، وترك ستريم. إذ شكل الغاز الطبيعي الروسي 45% من صادرات الغاز حول العالم، وحوالي 40% من طلب الاتحاد الأوروبي على الغاز خلال عام 2021، وذلك تبعًا لانخفاض إنتاج أوروبا من الغاز الطبيعي المحلي، إذ تعد ألمانيا وإيطاليا وتركيا أكبر مستوردي الغاز الطبيعي الروسي.
كما بلغت صادراتُ روسيا من الغاز الطبيعي المسال 40 مليار مترٍ مكعبٍ عام 2021. مما يجعلها رابع أكبر مصدِّرٍ للغاز الطبيعي المسال في العالم، أي ما يقارب 8% من إمدادات الغاز الطبيعي المسال العالمية. بالإضافة إلى ذلك، فإن روسيا واحدةٌ من أكبر ثلاثة منتجي النفط الخام في العالم، وتنافس السعودية والولايات المتحدة على الصدارة. ففي عام 2021 بلغ إنتاجها من النفط 10.5 مليون برميل يوميًا، أي ما يمثل 14% من إجمالي المعروض العالمي. وتعدُّ الصين أكبر مستورد للخام الروسي بمقدار 1.6 مليون برميل يوميًا، تليها أوروبا بمقدار 2.4 مليون برميل يوميًا (3). بالإضافة إلى النفط والغاز الطبيعي، تعتبر روسيا موردًا عالميًا رئيسيًا للعديد من المعادن (التيتانيوم والألمنيوم والنيكل)، والغازات الكيماوية المستخدمة في إنتاج الترانزيستور. لكن الأهم من ذلك كله هو الأمن الغذائي، إذ إن العقوبات تمس مباشرةً الأمن الغذائي للعالم، كون روسيا من أكبر مصدّري القمح في العالم وتستحوذ على 18% من الصادرات العالمية للقمح، بالإضافة إلى الأسمدة وتمثل صادراتها منه 14% من الصادرات العالمية. نلاحظ مما سبق أن الاقتصاد الروسي يعد واحدًا من أضخم الاقتصادات حجمًا، إذ يحتل المرتبة الحادية عشر عالميًا، إلا أن الأمر لا يتعلق فقط بالاقتصاد الروسي وخصوصيته بالنسبة للعالم، وإنما بالشركات الدولية والمصانع العالمية التي أنشأت العديد من الفروع لها في روسيا ومن المحتمل أن تتعرض لخسائر فادحة عند خروجها من السوق الروسية. وبذلك يتجلى مدى اندماج روسيا وارتباطها بالعالم كله. ومنه فإن العقوبات التي تستهدف إضعاف روسيا اقتصاديًا وعزلها عن بقية العالم، كانت سلاحًا ذو حدين وولَّدت بالمقابل صدمةً للاقتصاد العالمي لم يكن مستعدًا لها، فهو الذي كان ولا يزال يكافح للتعافي من آثار جائحة كورونا أملًا في الوصول للاستقرار الاقتصادي، فاصطدم بآثار وتبعات ما حصل والذي أدى لحدوث اضطرابات في سلاسل التوريد العالمية، وارتفاع أسعار السلع الأساسية عالميًا، خصوصًا أسعار الطاقة والسلع الزراعية. فمنذ بداية الحرب قفزت أسعار الغاز الطبيعي لأكثر من 30% والقمح بنحو 40%. وشهدت أسعار النفط تقلباتٍ شديدة. الأمر الذي ساهم في ارتفاع معدلات التضخم على مستوى العالم، وما تبعه من حدوث تباطؤ في النمو العالمي. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يتباطأ النمو الاقتصادي العالمي من 6.1% في عام 2021 إلى 3.6% في عام 2022 (4).
لا شك أنه لن يكون اقتصادٌ ضخمٌ كالاقتصاد الروسي له أهميته المحورية في العالم وحده من يواجه تلك العقوبات، وإنما اقتصادات العالم بمختلف أحوالها قويةً كانت أم ضعيفة. لكن ما يمكن أن يختلف هو مدى استجابة كل اقتصاد وفقًا لدرجة متانته؛ فالدول النامية يمكن اعتبارها المتضرر الأكبر. والمجتمعات الفقيرة هي من ستعاني أكثر من غيرها من موجات التضخم وارتفاع الأسعار الناتجة عنها.
المصادر:
2. Guénette J, Kenworthy P, Wheeler C. Implications of the War in Ukraine for the Global Economy [Internet]. World Bank Group; 2022 [cited 29 June 2022]. Available from: هنا
3. Energy fact sheet: why does Russian oil and gas matter? [Internet] IEA. 2022. [Cited 9 June 2022]. Available from: هنا
4. Russia's war on Ukraine: the economic impact of sanctions. [Internet] Congressional Research Service; 2022. [Cited 9 June 2022]. Available from: هنا