مراجعة رواية "آن في المرتفعات الخضراء": المخيّلة ملح الحياة!

كيف ستبدو الحياة لو عشناها بمخيّلة خصبة وذكية ومختلفة؟ هذا ما تخبرنا به "آن" بطلة الرواية ذات الـ 11 عام في حين تجول العالم بحقيقته المرة والقاسية وتحوله بخيالها إلى مكان أليف وساحر. ألف الرواية الكاتبة الكندية (لوسي مود مونتغمري - (1874_1942) Lucy Maud Montgomery)، وتدور أحداثها أواخر القرن التاسع عشر في جزيرة الأمير إدوارد في كندا، وتتحدث الرواية عن حياة "آن شيرلي" الفتاة اليتيمة صاحبة الشعر الأحمر والنمش المتناثر على وجهها؛ إذ تُرسل إلى عائلة مكونة من شقيقين في منتصف العمر هما "ماثيو وماريلا كتبيرت" اللذان يعيشان في مزرعة ضمن منطقة تدعى المرتفعات الخضراء.

رغبت عائلة كتبيرت في تبني صبي ليساعدهم على الأعمال الزراعية، لكن بسبب خطأ من الملجأ، أُرسلت فتاة إليهم بدلًا منها، وعلى الرغم من ذلك، قرر ماثيو الأخ الطيب أن يبقي آن معه على الرغم من معارضة أخته ماريلا الصارمة احتواء آن في بداية الأمر، وتبدأ الرواية بتتبّع حياة آن المختلفة الثرثارة التي لا تخضع للقواعد والتقاليد التي تحكم مجتمعها، الفتاة الحرّة والمرحة التي تحب الطبيعة والخيال والقصص والشِعر.. 

 "اعتاد الناس على السخرية مني لاستعمالي عبارات كبيرة في حديثي. ولكن ألا ترى أنه إذا كانت لديك أفكار كبيرة فمن المفترض أن تستعمل لها عبارات كبيرة؟"

يروي العمل مغامرات آن وتحدياتها وهي تكبر في منزل ومحيط جديدين. تقابل كثيرًا من الأصدقاء والأعداء في الريف والمدرسة، مرورًا بذكرياتها القديمة عندما كانت في الميتم، التي تواجه بعض المشكلات والصعوبات في مجتمعها الجديد والمحافظ بسبب شخصيتها المفعمة بالفضول والإصرار في مواجهة العادات والتقاليد الشاقة، ونظرة المجتمع الموروثة عن الأطفال اليتامى أو الذين يلقبون "باللقطاء".

تُصوّر الرواية علاقات آن بالأشخاص من حولها، سواء كانوا أصدقاء أم أعداء، ويبرز من بين هؤلاء شخصان مهمان في حياة آن: "ديانا باري" التي تصبح صديقتها المقربة وتوأم روحها، و"جيلبرت بلايث" منافسها الدائم في الدراسة الذي يحاول جذب انتباهها بطرائق مختلفة.

في هذه الرواية، نشهد تغييرات كبيرة في شخصيات العمل، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. نبدأ مع آن، التي كانت تكره شعرها الأحمر وبشرتها المنمشة، ورغبتها بأن تكون ذات شعر أسود وبشرة بيضاء كغيرها من الفتيات، لكن مع مرور الوقت، تتعلم آن كيف تحب ذاتها وتفتخر بما تملكه من مواهب وصفات، وهذه واحدة من الرسائل القيمة التي تحملها الرواية، التي تشجعنا على الاندماج مع الآخرين وتقبل التنوع والاختلاف واحترام الذات.

مرورًا بعائلة كتبيرت التي اعتادت العيش باسلوب مكرر، وكيف أضافت آن لحياتهما الهادئة كثيرًا من المغامرات والمواقف الطريفة، وكيف استطاعت خلق اتصال عاطفي بين الأخوين وآن حتى أصبحوا عائلةً واحدة، وتتسع لتتحدث عن الجانب الشخصي لكل شخصية في العمل وتعطيه مساحة للتعبير عن ذاته.

تخرج الرواية من الطبيعة الخضراء والأشجار والغابات بجرعة شاعرية تجعلك تشم رائحة الربيع في الأرجاء في حين تقرأ، وتمتاز بأسلوبها السلس والمشوّق، وبوصفها الجميل للمشاهد الريفية والمشاعر الإنسانية، وتطرح الرواية موضوعات مهمة كالصداقة والحب والإبداع وتصحح المفاهيم الاجتماعية المغلوطة عن اليتم والاختلاف والتغيير.

الرواية شبابية كلاسيكية ذات نفس نسوي تعبّر عن رؤية الكاتبة للحياة والإنسانية، وتنقل رسائل مهمة عن الأمل والإيمان والحب.

رواية آن في المرتفعات الخضراء تأخذك إلى عالم صغير، لكنه يتسع بفضل آن وخيالها، وتجعل كل مكان تزوره سحريًّا ومميزًا، وتسافر معها إلى هذه الأماكن، وتتعرف عليها كليَّا، بطريق لا يمكن لأحد غيرها أن يصفه.

معلومات عامة:
عنوان الكتاب: آن في المرتفعات الخضراء
الكاتب: لوسي مود مونتغمري
تاريخ النشر: 1908 ميلادي
المترجمة: حسب دور النشر
نوع الكتاب: رواية أدبية (مغامرات_ خيال)
عدد الصفحات الكتاب الأصلي: 320 صفحة