التّجارة لأجل السّلام؛ كيف تسهم الشّركات التّجاريّة في بناء السّلام؟
الاقتصاد والعلوم الإدارية >>>> اقتصاد
كيف يمكن للأعمال التّجاريّة أن تسهم في بناء السّلام؟
يعدُّ مفهوم "الاعمال من أجل السلام" حقلًا معرفيًّا ناشئٌ (1)، لم يحظَ بالاهتمام في الأوساط الأكاديميّة والسّياسيّة إلا عندما بدأت مجموعةٌ من الباحثين في مجالات الإدارة وأخلاقيّات الاعمال النّشر عن إمكانية الشّركات تعزيز السّلام في المجتمعات التي تحتضنها (2)، ويناقش هذا المفهوم الدّور الذي قد تؤديه الشّركات في بناء السّلام. اعتمد خمسةٌ من الباحثين (3) على دراسةٍ بحثت دور العمل التّجاري في تعزيز السّلام المجتمعي المستدام (4)، واستطاعوا لأوّل مرّةٍ تحديد خمس طرائقٍ قد تسلكها الشّركات، للإسهام في تعزيز السّلام في البيئة المحيطة بها:
· تشجيع الاستثمار المحلّي لتوفير فرص العمل، وبناء الشّراكات بين القطاع الخاص والمنظّمات غير الحكوميّة لبناء قدرات أفراد المجتمع للمشاركة في التّغيير الاجتماعي وتحقيق آثارٍ تشغيليةٍ إيجابيّةٍ في البلدان النامية.
· اعتماد قواعد السّلوك الدّوليّة فيما يخص ممارسات العمل وإدارة سلسلة التّوريد والمعايير البيئية وغيرها.
· تعزيز مشاعر الانتماء للمجتمع عن طريق وضع سياساتٍ داخليّةٍ تسهم في تحقيق المساواة بين الجنسين، أو على الأقل حماية الفئات الضّعيفة في المجتمع.
· الانخراط في (دبلوماسية المسار الثاني - Track-two diplomacy) التي تعني عقد اجتماعات ولقاءات رسميّة وغير رسميّة بين الأطراف الفاعلة في النّزاع، وبين أصحاب الشّركات التّجاريّة بهدف تطوير استراتيجياتٍ للتّأثير في الرأي العام، وتنظيم الموارد البشريّة والماديّة بطرائقٍ قد تساعد على حل تلك الصّراعات. كالذي حصل عندما التقى قادة الأعمال في جنوب أفريقيا بقادة المؤتمر الوطني الأفريقي وقاموا بتغيير الثقافة السياسية.
· الانخراط في الممارسات الحسّاسة للصّراع، والتّعاون مع المنظّمات الدّوليّة لوضع أدواتٍ تمكّن الشّركات العاملة في مناطق النّزاع المحتملة من تحسين تقييم المخاطر، وتحليل التّوترات التي قد تسهم في الأعمال العدائيّة، حتى تتمكّن تلك الشّركات من إدارة تأثيرها بطريقة أفضل تخفف الصراع بدلًا من تفاقمه.
على المستوى التّطبيقي، كانت مشاريع ريادة الأعمال للمقاتلين السّابقين أحد أبرز الوسائل التي وُظفت لبناء السّلام والمصالحة والاستقرار في كولومبيا (5). وبالمثل، كان لبناء قدرات الموظّفين داخل الشّركة ولأصحاب المصلحة المباشرين، دورًا كبيرًا في تعزيز الاستقرار، ودعم عمليّات المصالحة والتّماسك الاجتماعي في العراق (6). وفي لبنان أيضًا، أفاد المشاركون جميعهم أنهم أعضاءٌ فاعلون في المجتمع، ويقدّمون مساهماتٍ اقتصاديّةٍ عن طريق عمليّاتهم التّجاريّة، ويعزّزون التّفاعلات التي يرون أنّ لها تأثيرًا إيجابيًّا في السّلام والتّعايش (1). أمّا في غرب أفريقيا، فقد اعترف أصحاب الشّركات المحلّيّة بصفتهم جهاتٍ فاعلةٍ ومهمّةٍ في بناء السّلام، ومعالجة الأسباب الجذريّة للصّراع وتعزيز الاستقرار بعد فترات العنف (7).
على الجانب الآخر، تشير دراساتٍ أُخرى إلى أنّ اقتصاديّات الحرب ليست تعبيرًا عن الفوضى، لكنّها تتبع منطقا اقتصاديًّا معيّنا (8). ويشير كتاب الوظائف الاقتصادية للعنف في الحروب الأهلية (9) إلى أنّ الحرب ليست انهياراً في نظامٍ معيّن، لكنّها طريقةُ لخلق نظامٍ بديلٍ للرّبح والقوّة والحماية، إذ ليس بالضّرورة أن يبدأ المتمرّدون صراعهم بهدف الإطاحة بالحكومة، لكن للسيطرة على الموارد المربحة والحفاظ عليها (10). ويُلاحظ أنّ العلاقة بين الموارد الطبيعيّة والصّراع العنيف ليست بالضرورة علاقةً مباشرةً أيضاً، بل تتوسّطها الآثار الضّارة لاستخدام الموارد الطّبيعيّة على التّنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة والمؤسّسات السّياسيّة (11)، فضلًا عن أنه قد تسهم الشركات عن غير قصدٍ في التّوتّرات على الأرض، عن طريق تأثير توزيع الموارد والتّوظيف في بعض المجموعات دون غيرها، أو عن طريق تأثير إضفاء الشرعيّة على اختيار العمل مع بعض قادة المجتمع المحلي على الآخرين (3).
بناءً على ذلك، من المهم أن يدرك أصحاب الأعمال التّجاريّة مسؤوليّتهم في الإسهام في بناء السّلام، عن طريق وضع سياساتٍ وممارساتٍ تدعم قيم العدالة والاستقرار، كأن تلتزم بدفع أجورٍ عادلةٍ لعمّالها، وتوفير ظروف عملٍ آمنةٍ، وحماية حقوق الإنسان. يمكنها أيضًا أن تدعم المشاريع التي تعزّز التّنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وتعزيز مشاعر الانتماء للمجتمع، واعتماد قواعد السّلوك الدوليّة، والاستفادة من بعض الأدلّة التّجريبيّة في كولومبيا والعراق ولبنان وغرب أفريقيا. ويمكن أيضاً أن يقوم قطاع الأعمال التّجاريّة بدورٍ محوريٍّ وفعّالٍ يسهم في تجنّب تفاقم النزاع عن طريق إجراء تقييمٍ شاملٍ للمخاطر في المناطق التي تعمل فيها، وتحليل العوامل التي قد تؤدّي إلى النزاع، كالفقر والظلم وشحّ الموارد الاقتصاديّة.
المصادر :
2. Katsos J, Forrer J. Business against violence: assessing how business impacts peace. Multinational Business Review [Internet]. 2022 Jun 22 [cited 2023 Nov 20];30(2):153–72. Available from: هنا
3. Oetzel J, Westermann-Behaylo M, Koerber C, Fort TL, Rivera J. Business and peace: Sketching the terrain. Journal of Business Ethics [Internet]. 2009 Jan 29 [cited 2023 Dec 22];89(SUPPL. 4):351–73. Available from: هنا
4. Fort TL, Schipani CA. The role of business in fostering peaceful societies [Internet]. Cambridge: Cambridge University Press; 2004 [cited 2024 Jan 31]. Available from: هنا
5. Gallo PJ, Sosa S, Velez-Calle A. Business for peace: How entrepreneuring contributes to Sustainable Development Goal 16. BRQ Business Research Quarterly [Internet]. 2023 Jan [cited 2024 Jan 31];26(1):62–78. Available from: هنا
6. Katsos JE, AlKafaji Y. Business in war zones: how companies promote peace in iraq. J Bus Ethics [Internet]. 2019 Mar 1 [cited 2024 Jan 31];155(1):41–56. Available from: هنا
7. Ganson B, He TL, Henisz WJ. Business and peace: the impact of firm–stakeholder relational strategies on conflict risk. AMR [Internet]. 2022 Apr [cited 2024 Jan 31];47(2):259–81. Available from: هنا
8. Rieper S. Corporate social responsibility in zones of conflict [Internet]. Papers on International Political Economy (PIPE); 2013 [cited 2024 Jan 31]. Report No.: 18/2013. Available from: هنا
9. Keen D. The Economic Functions of Violence in Civil Wars [Internet]. Oxford University Press for the International Institute for Strategic Studies; 1998 [cited 2024 Jan 22]. 1–88 p. Available from: هنا
10. Renner M. The Anatomy of Resource Wars [Internet]. Prugh T, editor. Worldwatch Institute; 2002 [cited 2024 Jan 22]. 1–91 p. Available from: هنا
11. Humphreys M. Natural resources, conflict, and conflict resolution: uncovering the mechanisms. Journal of Conflict Resolution [Internet]. 2005 Aug [cited 2024 Jan 31];49(4):508–37. Available from: هنا