قد يلتقي الجلاد والضحية خارج القضبان! مراجعة رواية العسكري الأسود
كتاب >>>> معلومة سريعة
ويبدأ الراوي في وصف زميله شوقي بوصفه شخصية مثيرة للتساؤل، فهو طالب الطب الذكي الوطني الثوري والمقدام في التعبير عن رأيه وحلمِه بوطن يمثل تطلعاته، وهو الشيء الذي يجمع بينهما حتى لو كانا ينتميان لجماعتين سياسيتين مختلفتين، ويبقى الراوي يشعر بالحيرة من التحول الكبير في شخصية شوقي بعد خروجه من المعتقل، فبينما يعامله جميع من حوله على أنه بطل، فقد كان ينكفئ على نفسه، ومجهزاً لظهور شخصية جديدة تدريجيَّاً؛ شخصية لا تحمل من الشغف والإصرار الذي كان أي بقايا، فما الذي حدث مع شوقي وأحاله إلى كائن آخر يصعب التعرف عليه؟
"يا للسخرية لقد كنا بالأمس نعمل، وأملنا مؤكد أننا سننقذ الشعب كله، فإذا كل منا اليوم غير قادر أن ينقذ نفسه"
تتحدث الرواية عن حالة من التكدّر السياسي عاشه الشعب المصري إثر إجراءات النظام الحاكم آنذاك، ودون تحديد أو تصريح من الكاتب عن تفاصيل دقيقة، سوى الإضاءة على الغرف المظلمة وما حدثً بها، ووضع إشارة استفهام كبيرة عن مصير من يُعتقل، إضافةً إلى التجارب المريرة التي يعيشونها، وكيف ينعكس ذلك واضحاً وجليًّاً على مسارهم وشخصياتهم وتصرفاتهم، حتى لو التزموا الصمت لبقية حياتهم! وأخفوا ندبهم عن أعين محيطهم.
" أنت لا تشعر بالضرب حين تكون حراً أن ترده، أنت تشعر به هناك حين يكون عليك فقط أن تتلقاه ولا حرية لك ولا حق ولا قدرة لديك على رده"
أما في حالة شوقي، فكان الصمت مرافقاً لأيامه، بمحاولةٍ منه لإخفاء الألم الذي عاشه، ومع الصمت أخذ يتحول شيئاً فشيئاً لشخصية لا تحمل القيم التي دفع من أجلها ثمناً كبيراً، بل استسلم للتيار الذي جرفه إلى مرآة تعكس الشخصيات التي انتقدها وحاربها طويلاً، إلى أن تمر السنين وترمي فوق مكتبه ملفاً طبياً لأحد الضباط القدامى، ليجدَ نفسه في مهمة طبية إدارية لتشخيص حالة المريض الملقب بالعسكري الأسود، الذي شاءت الأقدار أن تجمعهما مرة جديدة غرفة مظلمة!
فكيف سيكون اللقاء عندما تفرض الصدفة على الضحية أن يكون طبيباً لجلاده؟ وما حال الجلّاد بعد أن تنتهي مهمته؟
المصدر:
يوسف إدريس. العسكري الأسود. مؤسسة هنداوي؛ 2019. ص 44.