البعد الأخلاقي لمسألة الإجهاض
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> الفلسفة
ترجمة : محمد أبو عبّاد .
تدقيق : زاهر رفاعية .
الإجهاض كما نعلم جميعاً هو إزالة الجنين من الرّحم قبل أن يكون بمقدوره البقاء على قيد الحياة بعد الولادة، وهذا يشمل الفترة التي تمتد من لحظة إلقاح البويضة في الرّحم وحتى آخر مرحلة تسبق قدرة الجنين على الحياة خارج الرّحم.
ومسألة الإجهاض من أكثر المسائل التي تثير الجدل في أخلاقيات الطب الحيوي وتطبيقاته، ويخوض في هذه المسألة الباحثون والفلاسفة الأخلاقيون، وأيضاً عامة الناس على حد سواء منذ سنين طويلة، إضافة لما يستتبع هذه المسألة من تبعات على الصعيد القانوني الجزائي.
ويمكن اختصار الجانب الأخلاقي للمسألة بالسؤال التالي: هل الإجهاض مُبرر أخلاقياً؟ هل يحمل الجنين (في أي مرحلة من مراحل تكونه) حقوقاً أخلاقية أو قانونية؟ هل هو إنسان وتجب حمايته؟ هذه الأسئلة أوصلتنا إلى أسئلة أخرى؛ ما هي الصفات التي يجب أن يتحلى بها الكائن الحي حتى يكون "إنساناً"؟ ما هي المرحلة الفاصلة التي تعتبر بعدها البيضة الملقحة وحيدة الخلية أثناء نموها إنساناً من الناحية الأخلاقية؟
هناك ثلاثة آراء تتعلّق بمسألة الإجهاض:
الرأي الأوّل: الاتجاه المحافظ بالشكل المطلق، وتحمل رايته الكنيسة الكاثوليكية.
الرأي الثاني: المتحرر بشكل متطرف ويحمل رايتها البروفيسور "بيتر سينغر" Peter" "Singer البروفيسور وعالم أخلاقيات الطب في جامعة برينستون.
الرأي الثالث: فهي وجهة النظر المعتدلة، التي تقف موقفاً معتدلاً، في مكان ما بين وجهتي النظر السابقتين.
بالنسبة للاتجاه الأول (المحافظ بالمطلق)، فيعتبر المحافظون "مناهضو الإجهاض" أن إنسانية الإنسان تبدأ منذ تشكل البيضة الملقحة أحادية الخلية، و هكذا يصبح الإجهاض محظوراً من وجهة النظر الدينية، معللين ذلك أن الإنسان خلق على صورة الله... والإجهاض بالتعريف يعتبر قتلاً...
بينما يعتبر مؤيدو الإجهاض، وهي وجهة النظر الثانية (المتحررة)، أن الإنسانية تبدأ لحظة الولادة أو بعدها بقليل، كشهر أو أسبوع مثلاً.
أما الوسطيون (المعتدلون) فيدعمون وجود نقطة معينة أثناء التطور البيولوجي بين البويضة الملقحة والولادة تبرر الإجهاض أو عدمه... حيث يعتبرون أن البيضة الملقحة قبل وصولها لهذه النقطة ليست إنساناً بل نسلاً بشري المنشأ ذو صفة مختلفة...
ولكن ماهي النقطة الفارقة التي تتمفصل عندها إنسانية الإنسان عن مجرد كونه (شيئاً)؟
يعتمد المحافظون على تحديد "إنسانية الإنسان" منذ تلقيح البويضة، الأمر الذي لا لبس في تحديده، بالرغم من صعوبة تقبل أن تلك الخلية هي إنسان منفرد، بينما يعتمد المتحررون على تفسير مفهوم "الإنسانية" في دعم رأيهم، فاعتبار الجنين عند الولادة إنساناً أسهل وأكثر منطقية من اعتبار البويضة الملقحة أحادية الخلية إنساناً، إلّا أنه من الصعوبة تحديد الفارق بين الجنين قبل الولادة بساعة مثلاً أو بعدها بعدة دقائق.
أما وجهات النظر المعتدلة فتبدو أكثر قبولاً، بسبب الاختلافات الكبيرة بين المراحل المختلفة أثناء تشكّل الجنين إلّا أن اعتمادهم على وجود نقطة معينة بين المرحلة الإنسانية والمرحلة التي تسبقها، لا يبدو مبرَّراً علمياً حسب رأي المشدّدين على عدم وجود هكذا نقطة أثناء تشكل الجنين.
القضيّة الأساسية المشتركة:
- قتل الانسان ممنوع.
- الجنين انسان.
- قتل الجنين ممنوع.
انطلاقاً من هذه الفرضية يكون الإجهاض ممنوعاً، لأن القتل جريمة ممنوعة، غيرَ أنّه من السهولة نقاش كل من الفرضيتين، بسبب وجود حالات يُعتبر بها القتل (بمعناه الحرفي المتعارف عليه) مبرراً - كالدفاع عن النفس - كما أنه من الصعب اعتبار الجنين شخصاً مستقلاً بالرغم من كونه تحت تصنيف الانسان العاقHomo Sapiens" "، كما قد يعتبر أحدهم أن الجنين ليس شخصاً بعد، إلّا أنه يوافق أن الطفل ذو العامين هو شخص مستقل يتمتع بكافة الحقوق. رغم ذلك، فقد يبدو من الصعوبة بمكان إثبات إنسانية أي شخص حسب هذه التفاصيل، فمثلاً: لا نستطيع إثبات إنسانية الأشخاص المصابين بإعاقات عقلية خطيرة، إذا ما اعتمدنا على قدرة الشخص على المحاكمة العقلية المنطقية، إدراك الذات، أو الضمير... الخ. بحسب هذه المعايير يمكن استثناء الكثير من الأشخاص من صفة الانسانية ولكن هذا لا يسمح بأي شكل من الأشكال بإمكانية قتلهم... (على الرّغم من أن الفكر النيتشوي ومن بعده النّازية الألمانية قد نادت بقتل هؤلاء الضعفاء لأنهم يشكّلون عبئاً على التقدم البشري).
ولكن إذا ما قمنا بإجراء تعديل مصطلحي على الفرضية السابقة يمكننا القول:
- قتل أي شكل من أشكال الحياة البشرية محظور.
- الجنين شكل من أشكال الحياة البشرية.
- قتل الجنين محظور.
قد يبدو القيام بهذا التعديل أثناء القياس المنطقي باستبدال "شكل من أشكال الحياة البشرية" بدلاً من لفظة "الإنسان" أكثر تحديداً، ولكن مازال نقض الفرضية الأولى قائماً، أما دعم الفرضية الثانية فقد أوجد أسئلة جديدة؛ ما هو تعريف شكل الحياة البشرية؟ ما الذي يمكن اعتباره شكلاً من أشكال هذه الحياة؟ هل يملك هذا الشكل الحق بالحياة في المقام الأول؟ قد يكون من الممكن اعتبار الجنين إحدى أشكال الحياة البشرية، و لكن يبقى من الصعب أن نعتبره إنساناً منفرداً، فهو إن بدا سهلاً بالنسبة لحديثي الولادة، و لكنه صعب في حالة الأجنّة أثناء تشكلها، و بهذا لا تملك الحق لحماية حياتها، من هنا يبدأ هذا النقاش بالتشعب والتفرع خارج الإطار العام بسبب الحاجة الى تحديد الصفات اللازمة لمنح لفظة "الإنسانية" كالصفات البيولوجية والنفسية والعقلية الاجتماعية والقانونية.
وأنتم إلى أي اتجاه تميلون؟ وما هي حجتكم في تبنّي هذا الرأي أو ذاك؟
المصدر: www.iep.utm.edu/abortion/
مصدر الصورة: هنا.jpg