معضلة السجين
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> الفلسفة
فلنتخيل أنك قمت وزميلك بعملٍ إجرامي ما، تم إلقاء القبض عليكما، وخضع كل منكما للتحقيق بشكل منفصل
عن الآخر، وعرض عليكما المحقق الصفقة التالية لتتعاونا معه:
- في حال اعترفتَ وبقي زميلك صامتاً، تخفف مدة حكمك إلى سنة واحدة في السجن ويحكم زميلك بأربع سنوات (سنة لك وأربع لزميلك).
- في حال التزم كلاكما بالصمت يحكم على كلٍ منكما بالسجن لمدة سنتين.
- في حال اعترف كليكما ستحاكمان بالجريمة ولكن ستخفف مدة حكمكما إلى ثلاث سنوات.
- في حال التزمتَ الصمت واعترف زميلك، فستنال حكم أربع سنوات سجن وسنة واحدة لزميلك.
· من وجه وجهة نظر أنانيّة، أفضل نتيجة لك هي الأولى، تليها الثانية فالثالثة فالرابعة. أما من وجهة نظر زميلك، فأفضل نتيجة له هي الرابعة، تليها الثانية فالثالثة فالأولى.
لذا -من وجهة نظر أنانية - سيكون عليك الاعتراف وتقديم المعلومات مهما كان تصرف زميلك. لماذا؟ لأنه في حال تعاون زميلك فعليك أنت أيضاً ذلك، لتتجنب أسوأ نتيجة لك (أربع لك وسنة لزميلك( في حال تعاونت ولم يفعل زميلك، ستحصل على أفضل نتيجة لك (سنة لك وأربع لزميلك(.
بالطبع من الأفضل لكليكما اختيار ذات الاختيار، فتنالان ثالث أفضل نتيجة إذا تعاونتما، وثاني أفضل نتيجة إذا لم
تتعاونا، وهي أفضل نتيجة تحصلان عليها سوية بعيداً عن النظرة الأنانية لكل منكما.
رأينا في هذا المثال أنَّ التعاون واختيار الخيار نفسه من قبل الطرفين يحقق أفضل نتيجة ممكنة، وهذا ما نلاحظه أيضاً فيما يدعى بنظرية الألعاب Game Theory حيث التعاون هو الاستراتيجية الأبرز، واختيار استراتيجية اللاعب الآخر يعطي أفضل الفرص.
في الحقيقية فإن المعضلة التي عرضناها عليكم تواً والتي تدعى بمعضلة السجين (Prisoner Dilemma )، هي من صنع المبرمجين في نظريات الألعاب Flood And Dresher حوالي سنة 1950 أثناء عملهما لشركة Rand التي صنعت من قبل قوات الطيران الأمريكية U.S. Air Force في نهاية الحرب العالمية الثانية بهدف التحقيق باحتمالات إمكانية استباق الضربات النووية بين القارات.
إن مجال تطبيق هذه المعضلة ينسحب على كل مناحي المجتمع، لنأخذ وسائط النقل على سبيل المثال. نعلم
جميعاً أنَّ شركات النقل الداخلي تحقق أرباحها من أسعار التذاكر. عند صعودك لإحدى هذه الباصات تستطيع:
أ- أن لا تدفع ثمن التذكرة، وهذا شيء جيد بالنسبة لك.
ب- أن تدفع ثمن التذكرة وهذا الخيار أسوأ من الأول.
ولكن إذا اعتمد كل الأشخاص على نفس الاستراتيجية ولم يقوموا بدفع ثمن التذاكر لن يسير الباص، وسيضطر
الجميع لأخذ سيارات الأجرة، وهذه نتيجة أسوأ مما لو دفع الجميع الرسوم. في هذا المثال، نستطيع الخروج بالمقاربة نفسها التي خرجنا بها من معضلة السجين، والتي تفيد بأن التعاون البناء هو الحل الأمثل.
الحفاظ على العقد:
بالعودة إلى قصتنا )معضلة السجين)، ماذا لو خالف أحدكما الاتفاق (بينك أنت وزميلك مع المحقق)، مثلاً
لم يلتزم المحقق بوعده، أو مثلاً وجدتما طريقة للخروج، قتل المحقق ربما؟!
يرى الفيلسوف Thomas Hobbes أنَّ الطريقة الوحيدة لتجاوز هذه المشكلة هو وجود قوّة تحافظ على العقد، أو عقوبات مثلاً تطبق على من يخالفها، أي أنَّ الحل هو الدولة التي تطبق قانونها بالقوة، فبدون وجود حكومة وقوانينها
ومحاكمها وشرطتها، سنكون في حكم الغاب "State Of Nature" )حالة ما قبل المجتمع(.
في نظر الكثيرين ممّن تأثروا بهوبز، فإن حلّ معضلة السجين هي في إنشاء دولة قوية قادرة على تطبيق المعاهدات.
ولكن هل القوة في تطبيق القوانين هي الطريقة الوحيدة للخروج من معضلة السجين؟
ماذا لو وجدنا أن الحالة الاجتماعية التي وضِعنا فيها هي مجرد تكرار لمعضلة السجين، وكما يبدو أن أغلبها هكذا؟
في هذه الحالات نرى أن من الضروري وجود حدّ أدنى من الثقة بين الأطراف في المجتمع، أي وجود حالة مجتمعية قادرة داخلية على الحفاظ على العقود...
المصدر:
هنا
مصدر الصورة:
هنا