الزواج المستقر..من وجهة نظر رياضية
الرياضيات >>>> الرياضيات
إذاً، مهما كان الرجل الذي تختاره تلك الفتاة، فإن ثلاثة من الرجال يخسرون بينما يكسب رجل واحد فرصة التكلُّم معها، ومن المحتمل أن ترفض الفتيات الأربع المتوسطات الجمال الزواج من أي من الرجال الثلاثة لأنهن يدركن أنَّ اهتمام الرجال الأربعة كان منصبًّا على فتاة واحدة.
ولتجنُّب هذه الخسارة، اقترح جون ناش أن يتجنَّب الرجال الفتاة الجميلة، لأنَّ احتمالات الخسارة معها أكبر من احتمالات الخسارة مع الفتيات المتوسطات الجمال، ويكون من الأفضل لهم أن يختاروا زوجاتهم من الفتيات متوسطات الجمال، ففرص نجاح الفتيات المتوسطات الجمال الأربع أكبر بكثير من فرصة النجاح مع الفتاة الجميلة.
فإذا أراد الرجال الوصول إلى نتيجة منطقية ومضمونة فعليهم أن يتخلوا عن أنانيتهم، لأن أفضل النتائج تأتي عندما يعمل كل فرد في المجموعة لصالحه ولصالح المجموعة، وهذه النتيجة تُعرَف بعلم الرياضيات باسم (الزواج المستقر).
الزواج المستقر:
إنَّ مسألة الزواج المستقر في الرياضيات تهتم بالعثور على مطابقة مستقرة بين مجموعتين من العناصر؛ إذ تُعطى لكل عنصر في كلا المجموعتين مجموعة من التفضيلات، ومطابقة تُربط كل عنصر من المجموعة الأولى بعنصر من المجموعة الثانية لتلائم تفضيلات العنصرين، وتكون المطابقة مستقرة عندما يكون وجود العنصر a من المجموعة الأولى المرتبط مع العنصر b من المجموعة الثانية على نحو فردي أفضل حالًا من ارتباطهما مع أي عنصر آخر من المجموعة المقابلة، ومن هذا المنطلق نشرح توازن ناش في نظرية الألعاب.
توازن ناش:
لدينا لعبة فيها عدد من اللاعبين -ضمن نظرية الألعاب- ولكل لاعب مجموعة من الاستراتجيات (أو خطط اللعب)، تصل هذه اللعبة إلى توازن ناش إن لم يستطع أي من اللاعبين أن يستفيد شيئًا بتغيير استراتيجيته التي يلعب بها منفردًا، في حين يحافظ بقية اللاعبين على استراتيجياتهم نفسها، وبكلمات أخرى، يحدث توازن ناش بين مجموعة من الاستراتيجيات كل واحدة منها هي الرد الأمثل على البقية.
أي أن كل الأطراف يحققون الفوز، دون أن يخسر أي منهم ليكسب الآخر، ويتحرك كل طرف في المعادلة من واقع القناعة بمكسب متوسط وليس الطمع في أقصى مكسب ممكن.
توازن ناش في الاقتصاد:
إن لِتوازن ناش أهمية اقتصادية، فمنذ لحظة دخولك للمحل متفحِّصًا البضاعة تكون قد بدأت اللعبة، فيريد المستهلكُ أرخصَ سعر وأعلى جودة ويريد البائع أنْ يبيع بأعلى سعر ويتخلص من البضائع رديئة الجودة، وعندما تبدأ المساومة والجدال حول السعر تكون قد وصلت اللعبة لذروتها، والرابح هو الذي يستطيع توقع حركات الآخر، فعندما يتوقع المستهلك بأنه إذا خرج من المحل دون الشراء سيجري وراءه البائع فسيكون هو الرابح إن صح توقعه وخاسرًا إن لم يصح.
فلننتقل إلى مستوى لعبة أكبر، وهو على مستوى الشركات، فأنت رئيس سوق "بيرني المركزي" المقام في مدينة نيويورك، والذي شعاره "لا أحد يبيع بسعر أقل منَّا"، ومنافسك الرئيسي هو "ماكس فيفث افينيو" الذي نشر إعلانًا يقول: "نبيع بخصم 10 بالمئة"، وبتتبع نمط الفعل ورد الفعل المضاد بالتخفيض التدريجي لكل من شركتين ردًّا على الشركة الأخرى، يمكنك أن ترى أن هذا النوع من المنافسة سينتهي بدمار كلا الطرفين، وإيصال السعر إلى الصفر! لماذا؟ لأن السعر الوحيد الذي ينسجم مع كلتا الاستراتيجيتين هو السعر صفر: و90 بالمئة من صفر تساوي صفر، وهذا ما يسمى بالاقتصاد بحرب الأسعار.
وستدرك بما أنك مدير لسوق بيرني المركزي في النهاية أنك حين تخفض سعرك، فإن سوق ماكس المركزي سيخفض السعر بقدر يضاهي ذلك، ولن تعتقد أن في وسعك الاستمرار في خفض سعرك بأقل من سعر خصمك لفترة طويلة إلا إذا كنت عديم الإدراك، وسوف تبدأ في التساؤل ماذا سيفعله ماكس إذا وضعت السعر (A) والسعر (B) وهلمَّ جرًّا.
وما أن تبدأ بالقلق على طريقة رد فعل الآخرين على أفعالك، حتى تكون قد دخلت عالم نظرية الألعاب.
وهنا يكون للشركتين خياران: إما الدخول بحرب الأسعار، أو اتِّباع استراتيجية مسيطرة، أي اختيار استراتيجية مفضَّلة للشركة بغض النظر عن الاستراتيجية التي قد يتبعها اللاعب الاخر، وعندما يكون لكل اللاعبين استراتيجية مسيطرة نقول أن النتيجة هي توازن مسيطر لأنه ناشىء عن موقف تلعب فيه المؤسستان كلتاهما استراتيجيتها المسيطرة.
وتدرس كل مؤسسة ما إذا كان عليها الإبقاء على السعر العادي، أم رفع أسعارها لتصبح في مستوى السعر الاحتكاري وتكسب أرباحًا احتكارية، ولبيرني استراتيجية مسيطرة، ستعطيه ربحًا أكثر إذا اختار وضع سعر عادي، بغض النظر عما سيفعله ماكس، ومن جهة أخرى، ليس لدى ماكس استراتيجية مسيطرة، لأنه قد يرغب في اللعب بوضع سعر عادي إذا وضع بيرني سعرًا عاديًّا، وقد يرغب في رفع السعر إذا رفعه بيرني، لذلك لابد وأن يتوصل ماكس إلى الإجراء الأفضل بافتراض أن بيرني سوف يتبع استراتيجيته المسيطرة والتي ستقود ماكس فورًا إلى اللعب بوضع سعر عادي، وهذا يوضح القاعدة الأساسية في بناء استراتيجيتك مع افتراض أن خصمك سيعمل حسبما تقتضيه مصلحته وهذا الحل الذي توصَّلنا إليه هو في الحقيقة حل شائع وهو توزان ناش.
المصدر:
"ECONOMICS"، Paul Samuelson and William Nordhaus.