الرصاص الموجود في أسنانك يكشف عن مكان نشأتك
الطب >>>> طب الأسنان
هذا ما توصلت إليه دراسة جديدة تقول بأنه حين يتشكل ميناء الأسنان فإنه يحتجز ضمنه نوع نظائر الرصاص التي تعرضنا لها في طفولتنا. وبما أن النشاط البشري الذي يسبب تلوث البيئة بالرصاص يختلف من منطقة لأخرى حول العالم، فإن نمط نظائر الرصاص الموجود في بيئة معينة يختلف من بيئة إلى أخرى.
قام كل من George Kamenov من جامعة فلوريدا و Brian L. Gulson من جامعة ماكاري في سيدني – أستراليا بالحديث عن هذا الاكتشاف في مجلة Science of the Total Environmen. إذ قاموا بشرح كيفية استخدامهم للمعلومات المتعلقة بنمط نظائر الرصاص المأخوذة من أسنان أناس قدماء وأسنان أناس معاصرين للكشف عن مكان أصل نشوء كل منهم.
قال Dr. Kamenov، الباحث الجيولوجي، بأنّ هذا الاكتشاف قد يساعد الشرطة في حل القضايا القديمة التي بقيت غير محلولة لفترة طويلة، فمثلاً يمكن لاختبار أسنان جثة متفسخة بشكل كبير أن ترشد المحققين إلى التركيز في تحقيقاتهم على منطقة جغرافية معينة للحصول على معلومات أكبر حول الجريمة. وقد قال "بإمكاننا استخدام هذه الإشارة عن نوع التلوث الموجود في بيئة معينة لمعرفة مكان نشأة هؤلاء الناس".
الرصاص هو عنصر كيميائي يوجد بأربعة أشكال، كل شكل منها يدعى النظير isotope. وتختلف كمية كل نظير باختلاف المنطقة التي وجد الرصاص فيها حول العالم، وإن كان في الصخور أو التربة أو كرصاص خام. ومن ثَمّ ستُظهِر عيّنات الرصاص المأخوذة من أماكن مختلفة من العالم اختلافاتٍ في نسبة كل نظير من نظائر الرصاص فيها، وبالتالي فإن نمط نظائر الرصاص isotope profile (نسبة كل نظير من نظائر الرصاص في العينة) سوف يختلف.
إن نمط نظائر الرصاص الخاص بمنطقة معينة من العالم يعكس أيضا نوع النشاط البشري الذي سبّب تحرر الرصاص إلى البيئة. وسوف يتراكم الرصاص في أجسام الأطفال مع استمرار نموهم وذلك عن طريق استنشاقهم للهواء الملوث بالرصاص أو دخوله إلى أجسامهم عن طريق احتكاكهم مع التربة.
ميناء السن يحتجز الرصاص الذي تعرضنا له أثناء طفولتنا.
بعكس العظام، والتي تتميز بتجدّدها الدائم، يتشكل ميناء الأسنان خلال الأسبوع السادس لتكوّن الجنين ويبقى ثابتاً بعد هذه المرحلة، محتجزاً النمط الخاص من نظائر الرصاص الذي تعرّض له الشخص خلال طفولته. ويشرح الدكتور Kamenov ذلك قائلاً: "عندما تنمو فإنك تسجل دليلاً في ميناء الأسنان عن بيئتك المحلية، وإذا قمت بالانتقال إلى مكان آخر، فإن نمط النظائر الموجود في أسنانك سيكون مختلفاً عن الموجود في المجتمع الذي انتقلت إليه".
وقال الباحثون أيضاً : أن الأسنان تختلف فيما بينها بمواعيد بزوغها في الطفولة، وهي قادرة على إظهار فيما إذا انتقل الطفل للعيش من مكان إلى آخر في طفولته. فعلى سبيل المثال، ميناء الرحى الأولى السفلية (الضرس الأكبر في الفك السفلي) ينتهي تشكّله بحدود عمر 3 سنوات، وبالتالي فهو يظهر أين عاش الشخص منذ ولادته وحتى سنوات عمر بدايته بالمشي تقريباً.
ميناء القواطع والأنياب (الأسنان الأمامية) الدائمة يبدأ بالتشكل بعد الرحى الأولى السفلية الدائمة وينتهي تشكله بعمر 5 سنوات، مما يعطي دليلاً عن مكان معيشة الطفل في عمر طفولته المبكرة. أما ميناء الرحى الثالثة (ضرس العقل) فلا ينتهي تشكله قبل عمر 8 سنوات، مما يعطي دليلاً على مكان معيشة الطفل في مراحل الطفولة المتأخرة.
نمط نظائر الرصاص يفيد أيضاً في تفريق أسنان البشر المعاصرين عن البشر القدماء.
إنّ تحليل نظائر الرصاص في الأسنان يساعدنا أيضا ًفي تحديد الفترة الزمنية التي عاش فيها الشخص، مما يساعدنا على التمييز بين أسنان البشر المعاصرين وأولئك القدماء. وبسبب عمليات التعدين واستخدام الرصاص في المحروقات في الوقت الحالي، فإن هناك فرقاً واضحاً بين نمط الرصاص الموجود في بيئتنا الحالية وبين ذلك الذي كان سائداً في العصور السابقة. ويقترح الباحثون أن هذا الاكتشاف قد يساعد علماء الآثار على تمييز جثث الأوروبيين القدماء في مناطق العالم الجديد. يقول الدكتور Kameno مقترحاً : "نستطيع العودة في الزمن إلى الوراء والبحث في المواقع الأثرية لمحاولة معرفة من أين وإلى أين هاجر الإنسان القديم حول العالم".
ولقد أظهر الدكتور Kamenov وزملاؤه كيف أن أسنان الإنسان الأمريكي المعاصر (الولايات المتحدة الأمريكية) ليس لها شبيه في مكان آخر من العالم، بينما أنماط الرصاص الموجودة في أسنان الأمريكيين الجنوبيين تتشابه مع تلك الموجودة في أوروبا، وذلك لأن صناعة التعدين في الولايات المتحدة الأمريكية قد استخدمت خامات المعادن بطريقة مميزة، أدّت إلى نشوء نمط مختلف ومميز من الرصاص في البيئة. وقد أشاروا إلى أنه "يمكن الاعتماد على نظائر الرصاص لتمييز الأجانب في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك لأن أسنان مواطني الولايات المتحدة الأمريكية القاطنين لأراضيها تختلف عن أسنان المواطنين القاطنين في أي منطقة أخرى في العالم. وبالمقابل فإنه يمكن تمييز الأفراد القادمين من الولايات المتحدة الأمريكية إلى أي مكان آخر في العالم لنفس السبب".
ويقول الدكتور Kamenov هنا "ما يوجد في البيئة المحيطة بك يدخل إلى جسمك".
وفي هذه الأثناء يقوم باحثون في كندا بالعمل على أداة طبية شرعية جديدة قادرة على تمييز عرق وجنس الإنسان من خصلة شعر واحدة. ولقد أثبتت دراسة أن هذه التقنية المتطورة أظهرت دقّةً بمقدار 100% في نتائجها، وسرعةً أكبر من تحليل الحمض النووي DNA المعتمد حالياً.
المصدر:
هنا
مقال ذو صلة نُشر سابقاً على موقع "الباحثون السوريون":
هنا