قليل من الذكريات مع كثير من التخيلات ... خداع الذاكرة
علم النفس >>>> المنوعات وعلم النفس الحديث
. ما رأيكم بأن هذا النوع من خيانة الذاكرة ضروري في تحقيق أعمالنا الإبداعية؟
وليست الذاكرة مجرد استرجاع لخبرات شخصية سابقة، بل تعد محصلة لاختبار ما حولنا، ولا تقوم الذاكرة بنسخ الواقع وتخزينه فقط، وإنما تعمل على استرجاعه فيما بعد، حيث تقوم بعمل إبداعي مستمر
. ولكن، إن الأمر المثير، هو أن ذاكرتنا تخدعنا في أن ما نسترجعه من أحداث هو حقيقي، كما يتجسد العمل الإبداعي للذاكرة في انتحال تجارب الغير، كما لو كانت تجاربنا الخاصة، وبذلك تكون مصداقية الأحداث المسترجعة عن طريقة الذاكرة عرضة بشكل مستمر للخطأ ولخداع الكثيرين
. وقال الباحث بعلم الأعصاب " أوليفر ساكس، Oliver Sacks " في هذا السياق: " بأنه لمن المثير للعجب في أن كثيراً من ذكرياتنا العزيزة لم تحصل فعلاً، أو قد حصلت مع شخص آخر"، و يشك الباحث " أوليفر، Oliver " في أن كثيراً من المحفزات التي تكون نتيجة للإرادة الشخصية، ما هي إلا حصيلة لاقتراحات الآخرين والتي تم نسيانها إما بطريقة إرادية أو لا إرادية،
وبحسب الباحث "أوليفر، Oliver "، فإن خاصية النسيان تلك واستذكار محصلة تجارب الآخرين كما لو حصلت معنا شخصياً تدعي بالانتحال التلقائي للذاكرة
. كما أشاد " أوليفر، Oliver " بأهمية وضرورة ظاهرة الانتحال التلقائي للذاكرة بالنسبة للكتاب والفنانين، ومن الممكن أن تموت كثيراً من الأفكار والذكريات مع النسيان ليعاد خلقها في سياق جديد أو من منظور جديد، الأمر الذي يكرس الإبداع.
وخلص "أوليفر، Oliver " إلى أننا - نحن البشر- لدينا ذاكرة ضعيفة وغير كاملة ومعرضة للخطأ المستمر، كما تنسب لها الأفعال الإبداعية كالمرونة من جهة أخرى. ولو كانت الذاكرة قادرة على استرجاع مصدر كل المعلومات التي تخزنها لكانت ممتلئة بالعديد من المعلومات التي ليست ذات صلة
اعتقد العلماء و لفترة طويلة بأن الذاكرة هي عبارة عن أداة تسجيل بحيث أن المعلومات و الخبرات التي نسجلها عليها نستطيع استرجاعها من خلال عملية ذهنية معينة. إلا أن هذا الاعتقاد تغير بعد عام 1920. حيث أشارت دراسات بأن استرجاع المعلومات التي تخزنها الذاكرة تتأثر بشكل كبير بخبراتنا و تجاربنا السابقة. أي ان المعلومات المسترجعة تكون شائبة و في كثير من الأحيان غير دقيقة. فهل نقلل من أهمية الذاكرة في اتخاذ القرار؟
الجواب قد يكون نعم. و لكن الذاكرة مصدر مهم للإبداع. فذاكرتنا مبرمجة على أن تفقد كثير من المعلومات و من ثم إعادة أحيائها في قالب و سياق جديد مصبوغ بعواطفنا و تجاربنا الشخصية تجاه ما تذكرناه. أي أنه في كل مرة نتذكر فيه حدثا ما فإننا نخوض تجربة إبداعية.
عزيزي القارئ، في المرة القادمة التي يعاتبك أحد ما على نسيانك قل له:" إن ذلك جزءٌ من طبيعتي المبدعة".
المصدر: هنا