قليلٌ من الضوء الساطع على الجلد، وها هي الأوعية الدموية تنمو!
البيولوجيا والتطوّر >>>> بيولوجي
في دراسةٍ حديثة،استطاع العلماء إيجاد طريقةٍ لتحفيز نمو الأوعية الدموية_وهو أساسي في عملية شفاء الجرح_ عبر توجيه حزمةٍ ضوئيةٍ من الأشعة فوق البنفسجيَة عليها،هذه التقنية كان قد استخدمها العلماء سابقاً في التجارب المخبرية بغية التلاعب بكيمياء الخلايا النامية إلا أنهم لم يتمكنوا من تطبيقها على الكائنات الحية لتنوع الأنماط الخلوية في جسم الكائن الحي وبالتالي العديد من الجزيئات البيولوجية وهذا ما يجعل التحكم بأنشطتها من الأمور الصعبة.
الأمر الذي دفعهم لاستخدام مادة هلامية ذات أساس مائي أو ما يسمى : الهيدروجيل* المشرب بجزيء يدعى ببتيد** الـ RGD،الذي يستخدمه الجسم لدفع الخلايا المتباعدة للالتصاق و تكوين أنسجة جديدة،ولاحقاً قام العلماء بربط جزيء آخر إلى RGD مهمته كبح عمل هذا الببتيد،هذا التأثير يزول بمجرد التعرض للأشعة فوق البنفسجية مما يجعل الببتيد يعاود نشاطه من جديد.
انتقل العلماء لتطبيق ذلك على الحيوانات، فعملوا قطوعات في ظهور الفئران ووضعوا عينات من الهيدروجيل(المشرب بالببتيد السابق) تحت جلدها(لنتفق على أن الببتيد مرفق بما يكبحه ويتنشط بزوال الكابح إثرَ التعريض للأشعة)،عـُرضت بعض الفئران للأشعة فوق البنفسجية مباشرةً بعد الزرع،أما البقية فتمَ تعريضها بعد فترة (بعد 7 أو 14 يوماً): كانت النتيجة نمو الأوعية الدموية في المناطق التي تمَ زرع الهيدروجيل فيها بغض النظر عن تعريضها للأشعة فوق البنفسجية أي بصرف النظر عن تنشيط الببتيد من عدمه؛لاحظ العلماء بأنَ تفعيل الببتيد مباشرةً بعد الزرع أدى إلى تعرف الجهاز المناعي للفأر عليه على أنه جسم غريب وحاصره بنسيج الالتئام. أما عندما تــُرك الببتيد غير منشط لبضعة أيام (التعريض للأشعة بعد 7 أو 14 يوماً) كانت الاستجابة المناعية ضد الببتيد في الجسم أضعف بكثير وأصبح الهيدروجيل الحامل للببتيد متكاملاً بشكل أفضل مع أنسجة الفأر.
لاحقاً،قام العلماء بزراعة عينات من الهيدروجيل المضاف إليها ببتيد الـ RGD إضافةً إلى بروتين آخر يسمى:عامل النمو البطاني الوعائي vascular endothelial growth factor الذي يحفز نمو أوعية دموية جديدة،لاحظ العلماء بأنَ وجود المادة الهلامية(الهيدروجيل)المرتبطة مع الببيتد فقط قد حفَز نمو أوعية دموية جديدة عند زرعها في الفئران، لكنَ وجود العامل المحرَض للنمو إضافةً للبتيد السابق ضمن الهلام المزروع في الفئران وتعريضها بعد فترة من إجراء عملية الزرع إلى الأشعة فوق البنفسجية أدى إلى تشابكه مع الأوعية الدموية، مامكَن الفئران من استخدام الهيدروجيل كوعاء دموي وتدفق الدم عبره.
تعتبر هذه النتيجة مهمةً، إذ أنَ الأنسجة المنمَاة مخبرياَ لا يمكن أن تبقى حيَة عند زرعها في الجسم مالم يتم إيجاد طريقة لايصال المواد المغذية إليها من دم الكائن مباشرةً.
المشكلة التي تعاني منها هذه التقنية،هي في عملية إبعاد المجموعة التي تثبط هذه العملية و تتنشيط الببتيد RGD،وهذا مايتم عبر استخدام الأشعة فوق البنفسجية التي لا يمكن لها أن تصل للطبقات العميقة من الجلد إذ تم امتصاص 90% في المنطقة السطحية من الجلد (بسماكة 0.5 مم الأولى من جلد الفأر).و الـ 10% كانت قادرة على الاختراق و تنشيط كل الببتيد في الفئران، إلا أنَ استخدام هذه التقنية في الإنسان قد يكون محدوداً بسبب سماكة الجلد التي تكون لديهم أثخن مقارنةً مع الفئران.
لذلك يحاول العلماء اليوم تطوير طريقةٍ من شأنها أن تعمل بالأشعة تحت الحمراء والتي يمكن لها أن تخترق الأنسجة البشرية بشكل أفضل بكثير،كما أنها أكثر أماناً في الاستخدام من الأشعة فوق البنفسجية التي تتسبب بتلف الجلد والإصابة بالسرطانات، (هذا ما يبرر أهمية استخدام الواقي الشمسي على الشاطئ ) على الرغم من أن التعرض للأشعة فوق البنفسجية ضمن حدود الـ 10 دقائق لم تؤدي لأي ضرر واضح في جلود الفئران.
لمَ يعدٌ هذا الاكتشاف مثيراً؟
لأنه أول دليل على أن مفهوم السيطرة على خصائص المواد الحيوية زمانياً ومكانياً باستخدام الضوء مخبرياً يمكن اليوم تطبيقه في الجسم الحي، كما أنه مكَن العلماء من تحفيز نمو الأوعية الدموية بغرض التئام الجروح متى أرادوا حيث يمكن بنتيجة هذا البحث تقديم المواد التي تحفز التئام الجروح وبنفس الوقت حمايتها من مهاجمة دفاعات الجسم بتثبيطها ثم إعادة تحفيزها –ضوئياً– ساعة نشاء.
لمَ يشكك البعض في جدوى الاكتشاف؟
لأن الدراسة قدمت دليلاً من حيث المبدأ على أن العلماء ببساطة حفزوا نمو الأوعية الدموية في وقت من اختيارهم لكنها كانت لا تزال قادرة على النمو فيما لو لم يقوموا أصلاً بكبح الببتيد في المقام الأول.
كيف يرد القائمون على التجربة على المشككين بها؟
الخطوة التالية ستكون مخصصةً لإثبات إمكانية التحكم بالوقت الذي يتم فيه تفعيل الجزيء المسؤول عن الالتئام وبشكلٍ يستحيل معه أن تحدث العملية من تلقاء نفسها،أهمية ذلك عملياً تظهر واضحة من خلال صعوبة إصلاح الأضرار الكبيرة التي قد تصيب جسم الإنسان نتيجةً للتشكل السريع للندبة(عند حدوث جرح)،والسؤال هل بالإمكان إيقاف أو تأخير عملية تشكيل الندبة ومنع حدوث التهابات وبذات الوقت إطلاق إشارة تسمح بعملية الشفاء؟
بالرغم من محدودية اختراق الأشعة فوق البنفسجية،إلا أنها ستكون واعدةً في العديد من التطبيقات حيث أن مقدرتها على تحفيز نمو الأوعية الدموية في العضو المزروع و التخفيض من ردة الجسم في حدوث الالتهاب، يمكن أن يساعد في إنتاج مشعرات لسكر الغلوكوز يمكن أن يتم زرعها لدى مرضى السكري و بالتالي ضبط كمية السكر المتدفق عبر الأوعية الدموية و بالتالي الإفادة من هذا التفاعلات التي تتم بين الجسم و العضو المزروع.
ولعل المستقبل قد يعدُ بالمزيد من النتائج باستخدام هذه التقنية في علاجات أخرى!
للتوضيح:
(*) الهيدروجيل: الجيل مادة تتمتع بخواص تتراوح من الطري الضعيف إلى الصلب القاسي، وزنياً معظمه ماء، وفيه شبكة متقاطعة تعطيه قوامه فهو انتشار وتشتت لجزيئات سائل في صلب. الهيدروجيل شبكة من سلاسل البوليمر المحبة للماء، ويكون الماء فيه هو الوسط المتشتت.
(**) الببتيدات: سلسلة من الأحماض الأمينية التي تعتبر لبنات البناء الرئيسية للبروتين، والرابطة الببتيدية: رابطة كيميائية تنشأ بين الأحماض الأمينية لتكوين البروتينات المختلفة وهي من الروابط القوية في البناء البروتيني.
المصدر هنا