الفصولُ الأربعة.. لوحةٌ موسيقية
الموسيقا >>>> موسيقا
على الرغم من اعتقاد البعض بأن هذا النمط الموسيقى قد يكون رديئاً وخالياً من الحرفيّة، إلا أنّ فيفالدي أخذَ على عاتقه هذا التحدّي ليثبت بأن الموسيقى الوصفية معقدّة وعلى درجة من الحرفيّة لترسم لوناً جديداً في عالم الموسيقى الأوركسترالية. فهل نجح في ذلك؟ نعم ولا !! نعم، لأنها أشعلت شعلةً دامت لقرونٍ وألهمت العديد من المؤلفين كبيتهوفن، و أستور بيازولا بسحرها وتأثيرها ولكنّها لم تلقَ ترحيباً كبيراً من قبل المعابد في ذلك الوقت وهو ما اعتبره البعض فشلاً لها. تتألف هذه المقطوعة من 12 حركة كونشيرتو للكمان، يعبّر كلٌّ منها عن مزاجٍ فصليٍّ معيّنٍ (3 حركات لكل فصل) وتصف مشاهدَ محسوسةٍ فيها كنباح الكلاب، سَكَر الراقصين، وأزيز الحشرات.
كتبت حوالي عام 1720 وتعتبر من أهمّ الأعمال التي كتبت حتّى خلدت كل هذه المدة فعرفها العالم، ولا بدَّ أنك تعرفها في موسيقى خلفيات الأفلام كـ Tin Cup، Spy Game، A View to Kill، What Lies Beneath، White Chicks، Saved!، Pacific Heights، The Other Sister ولا بدَّ أنك سمعتها في عرسٍ ما أو في حفلٍ راقٍ، أغلق عينك و أصغ جيداً، فلا بد أن تسمعها و هي تعزف في مكان ما!! ومنذ أوّل مرّة عُزفت فيها "الفصول الأربعة"، تغيّر مفهوم موسيقا الباروك إلى حدٍ كبير لتصبح أصعب ولكن أقرب إلى الوضوح والحقيقة أيضاً، حتّى أُطلق عليها لقب "صراع الانسجام والابتكار" ليبارك الملك لويس الخامس عشر مقطوعة الربيع ويختارها لتعزف في أكثر اللحظات الاستثنائية.
ومن خلال سماعك للمقطوعة، في الحركة الأخيرة للشتاء، يصفُ لنا فيفالدي رجلاً يتزلّج على الثلج من خلال عازفي الكمان الثاني والفيولا الذَين يعزفان العلامات الموسيقية التي تهبط لعدة أوكتافات، كما أن العازف المنفرد مع الآلات الوترية ذات اللحن المنخفض يستحضرون لنا الدّفء المنزليّ الذي يحاول فيفالدي أن يصوّره لنا بينما تعزف الكمنجات صوت المطر المنهمر. وفي الربيع، يعزف الكمان المنفرد لحن راعي الماعز والكلب الذي ينبح.
كتبَ فيفالدي سونيتات (السونيتا هي قصيدة قصيرة) تتماشى مع كل حركة من حركات الفصول الأربعة واستلهم من لوحات الرسام ماركو ريتشي عن الفصول الأربعة أحاسيسَه فكان كل مقطع من السونيتا يرسم موسيقى الحركة الموافقة له بالكلمات، فتراوحت الموسيقى بين السرعة والبطء لتعبر عن الثلوج والعواصف والأزهار المتفتحة معاً، في قطعة موسيقية واحدة!
ولأنها لوحة فأغمض عينيك وأنصت جيداً، لنرسم أمامك اللوحة كما رآها فيفالدي قبل 300 سنة، ودون أي مبالغة فقد نُحتت تفاصيل اللوحة بتراتبية مذهلة في أجزاء المقطوعة. وفي القادم سنروي لكَ حكاية كلَّ فصل مع التسجيلات الأصليّة لعصر الباروك والتي تختلف قليلاً عن التسجيلات الحديثة.
الربيع، يُعزف هذا الفصل من خلال كونشيرتو على سلم مي ماجور في ثلاث حركات
Allegro
لقد حلَّ علينا الربيع
تحتفلُ الطيورُ بعودته بأغنية بهيجة
تداعبُ النسماتُ الجداولَ المتمَلمِلة بنعومة
العواصفُ الرعديّة، صوتُ الهدير، وتلك المقدّمات لحلول الربيع، ترمي عباءتها المظلمة على الجنان
ثمَّ يغيبون معاً في هدوء الصمت.. لتعود الطيور مغنيّة أغنيتها الساحرة مرّةً أخرى
Largo
تزهرُ المروج، وتورقُ الأغصان مصدرةً حفيفَ الأشجار في الأفق، ويغفو ها هناك راعي الماعز ويجلس بقربه كلبه الوفيّ.
Allegro
بذلك الصوت البهيج للقرابة الرعويّة يبدأ، ترقصُ الفتيات والرعاة بسعادةٍ في ظلّ بهجة الربيع العارمة. استمع:4kTei0XrCs-هنا=
الصيف – كونشيرتو وفق سلّم صول مينور
Allegro non molto
تحتَ حرارة الشّمس اللاذعة
يلتهبُ الناسُ والقطعان
الصنوبرُ الملذوع، وصوت طير الوقواق
وجمالُ تلك السلحفاة الجميلة والحسّون المغرّد
النسماتُ العليلة تداعب الهواء ولكنَّ رياحَ الشمال المتوعّدة تهبُ فجأةً في خجل
ويرتجفُ الرّاعي خائفاً من العاصفة العنيفة التي قد تعصف.
Adagioepiano - Prestoeforte
تعزف يداهُ الآن بإدراكٍ لخوفهم من ضوء البرق وضجيج الرعد بينما يثور حولهم البعوض والذباب في غضب.
Presto
واحسرتاه، لقد تحققت مخاوفهم، حيثُ يهزم الهديرُ والبَرَد حبّات الذُرة التي كانت منتصبةً هنا باعتزاز... استمع: هنا
الخريف – كونشيرتو على سلم فا ماجور
Allegro
يحتفلُ المزارعون بقدوم موسم الحصاد الذي حلّ عليهم بأمانه
ترتفع كأس باخوس بحرّيّة، والآن بإمكانهم أن ينعموا بالراحة عندما يخلدون إلى النوم
Adagiomolto
ستغيب الأغنيات والرقصات الآن
وتهبُّ النسمات الباردة مع الهواء العليل
تدعو الجميع ليناموا.. بلا أيِّ اهتمام..
Allegro
يخرجُ الصيّادون مع بزوغ الفجر، جاهزون للملاحقة
معهم القرون والكلاب والصرخات المتعالية
وطريدتهم تهربُ بينما يلاحقونها، خائفةً، مجروحةً
الفريسة تقاوم، ولكنها معذّبةً تموت
استمع:
الشتاء – كونشيرتو على سلم فا مينور
Allegro non molto
إنه نهارٌ مرتجف، متجمّد والثلج المصقع ينهمر مع الرياح القارسة الواخزة
وعندما يركض الناس، يتركون طبعات أقدامهم على الثلج
وتصطك الأسنان من القشعريرة اللاذعة
Largo
لنغفُ بقناعة حول الموقد، فالآخرون في الخارج ينقعون تحت المطر المنهمر Allegro
لطالما مررنا على الدرب المثلج ببطء، خوفاً من التعثر والوقوع.
وفجأةً ننزلق، نصطدم بالأرضِ، ثمَّ ننهض على عجلٍ خشية أن ينكسر الجليد من تحتنا.
نشعر برياح الشمال اللاذعة الخشنة، تطرقُ على أبوابنا المقفلة الموصدة
هذا هو الشتاء، ومع كلِّ ذلك فهو يأتي بمسرّاته الخاصة
استمع:
عُزفت من قبل الفرقة الفيلهارمونية في نيويورك عام 1947 مع العازف المنفرد لويس كاوفمان، وما زالت حتى يومنا هذا معزوفة حاضرةً على المسارح العالمية.
استمع :
المصادر: هنا
هنا
هنا
هنا