إمحوتب: الطبيب الأول في عهد الملك زوسر وإله الطب عند المصريين القدماء
الطب >>>> مقالات طبية
ظهر إمحوتب سنة 2800 قبل الميلاد في التاريخ الفرعوني القديم على أنه الرجل النابغة ضمن عائلة لم يعرف عنها الكثير من التفاصيل، سوى أنّ والده (كانوفر) كان مهندساً معمارياً مشهوراً في البلاد، ووالدته (خريدونخ)، ليكوّنا أسرة ميسورة الحال ومُحبة للعلم والتعليم؛ مما جعل إمحوتب أول مهندس معماري وأول طبيب معروف الاسم في التاريخ المدوّن إضافةً للعديد من المجالات. حتى أن البعض اعتبره صانع الأعاجيب.
تمتّع إمحوتب بالقدرة على الكتابة باللغة الهيروغليفية التي اقتصرت على 1% من عموم الشعب في تلك الفترة، كما عمل في القصر الملكي كمهندس للملك "زوسر"، فصمّم هرم زوسر المدرّج في سقّارة، والذي بُني حوالي 2630 ق.م. - 2611 ق.م. في الأسرة الثالثة. كما حصل إمحوتب في القصر الملكي، إضافةً لكونه مهندساً معمارياً، على العديد من الوظائف والامتيازات التي يحلم بها الكثيرون، والتي تقتصر على الأسرة الحاكمة فقط. فقد كان مسؤولاً عن الأمور الدينية والعلاجية والعدالة (كما نظام المحاكم) وخزينة المملكة والحروب والزراعة والمشرف العام على أمور المملكة.
إنجازاته:
كان لظهور إمحوتب أثرٌ كبيرٌ في تطور العمارة الفرعونية، فظهر الهرم المدرّج بسبب براعته في فن العمارة في هضبة سقّارة، بدلاً من مباني العصور القديمة المكونة من الحجر والخشب، وهو من أقدم النُّصُب الموجودة من حجارة منحوتة في العالم. يتكون الهرم من ست خطوات ويبلغ ارتفاعه 200 قدمٍ (61 متراً).
لم يكن إمحوتب بانياً للأهرامات والمعابد فحسب، وهذا ما أدركه الكهنة الذين أذهلتهم عبقرية إمحوتب في العديد من المجالات، فكان يملك الكثير من المعرفة في الطب؛ حيث كان على علم في فن التحنيط وعلم التشريح إضافة لمعرفته الكبيرة في علم النجوم. قام إمحوتب باختراع الكثير من العقاقير الطبية، كما أسّس مدرسة لتعليم الطب في مدينة ممفيس المصرية التي أصبحت بعد موته مقرّاً لعبادته. كذلك قام بتوحيد الآلهة المصرية بإله واحد هو عبادة روح الشمس.
كان أيضاً شاعراً وفيلسوفاً، احتوت مقولاته وأمثاله فلسفة للحياة، وإحدى هذه الاقتباسات التي عثر عليها الباحثون تقول: "تناول الطعام والشراب وافرح، فغداً سوف نموت".
لم يكن إمحوتب معروفاً كشخصية سياسية في المملكة، إلا أن اسمه ما لبث أن ذاع في كل مكان بعد أن تمكن من إنهاء المجاعة التي استمرت لسبع سنين خلال حكم الملك زوسر، نظراً لخبرته الكبيرة في مجال الطب والتغذية والزراعة.
إمحوتب الطبيب:
يقول السير ويليام أوسلر إن إمحوتب هو من كان أبا الطب بلا منازع، وأنه الشخصيةُ الأولى الطبيةُ في العصور القديمة، وإنجازاته تشهد له بما قال أوسلر. فقد شخّص إمحوتب وعالج أكثر من 200 مرض؛ 15 مرضاً من أمراض البطن، و11 من أمراض المثانة، و10 من المستقيم، 29 من العيون، و18 من الجلد والشعر والأظافر واللسان.
عالج إمحوتب السل وحصى المرارة والتهاب الزائدة الدودية والنقرُس والتهاب المفاصل، كما أجرى العديد من الجراحات ومارس طب الأسنان بشكل مبسّط.
كذلك استخرج الأدوية من النباتات، وعرّف وظائف أعضاء الجسم وأجهزته، وكانت لديه معرفة بالدورة الدموية.
إرثه:
أصبح إمحوتب فيما بعد إلهاً للشفاء أو إلهاً للطب تقريباً في عهد الفتح الفارسي لمصر عام 525 ق.م، ليحلّ محلّ "نفرتم" في ثالوث ممفيس العظيم، و تشارَك في عائلته الأسطورية مع "بتاح" خالق الكون و"سخمت" إلهة الحرب والأوبئة، وله معبدٌ في سقارة باسم معبد امحوتب. وصار هذا المعبد كالمستشفى يزوره المرضى من جميع أنحاء المنطقة، حيث انتشرت عنه أخبار كثيرة تعلن نجاحه في شفاء الكثير من الأمراض، هذا إلى جانب العقاقير الناجحة التي اخترعها. وقد ظلّت شهرته منتشرة حيث كُرِّست له عدة أبنية في كثير من المعابد بمنطقة طيبة في معابد الكرنك والدير البحري ودير المدينة وجزيرة فيلة، كما بنى له بطليموس الخامس معبداً.
ألقابه:
حصل إمحوتب على الكثير من الألقاب من ضمنها رئيس المهندسين وسيد النحاتين ورئيس الوزراء. ولُقِّب باسم ابن بتاح، وقد نال شهرة عظيمة وواسعة عند الإغريق أيضاً، الذين سموه "أسكلبيوس" وعبدوه كإله في طيبة.
وفي العصر الروماني، عُبد إمحوتب على أنه الرب الإغريقي "أسكلابيوس" إضافةً إلى كونه رب الطب. نجد إمحوتب مصوراً في النقوش المصرية القديمة كرجل من دون رموز ملكية أو إلهية، ولكن برأس حليق كرأس كاهن، أو نجده في الكثير من التماثيل وهو جالسٌ على ركبتيه ممسكاً بأوراق البَرْدي بينما يلبس على رأسه قلنسوة "بتاح" إله مدينة ممفيس.
مصير علومه:
أخذ اليونانيون هذا الطب المصري برمته بعد أن قاموا بتصفيته من كل مظاهر السحر والطقوس، وبعد ذلك انتشر من قبل الهيلينية الى كل أرجاء المنطقة. ورث علماء العرب هذا الطب وطوّروه وأثْرَوه بعلومهم وانتقل بعدها الى أوروبا من خلال الأندلس. أخذ الأوروبيون هذا الكنز الطبي وحولوه الى ما نسميه اليوم بالطب الحديث بعد جهود مئات من العلماء والباحثين الأوروبيين . آلاف الأعوام كانت رحلة ما أنتجه إمحوتب في الطب حتى وصل الى ما نراه اليوم.
وفاته:
تاريخ إمحوتب غامض من حيث ظهوره واختفائه، فعلى الرغم من الإبداع الفني الذي أحدثه في العمارة واكتشافاته الطبية العديدة، نجده يختفي بشكل غريب وغامض جداً من التاريخ الفرعوني بحيث لم يعد يُذكر أيُّ شيءٍ عنه وكأنه لم يكن موجوداً من قبل!!
ومما يثير الاستغراب أكثر هو اختفاء قبره والكتب التي ألّفها مما يجعل اختفاءه بهذا الشكل الغامض لغزاً بحد ذاته! وقد عجز علماء الآثار عن إيجاد قبره أو حتى العثور على بعض مؤلفاته. ويرى الكثير من الباحثين أنه لو لم تحرق مكتبة الاسكندرية لحفظت كتب إمحوتب في الطب والهندسة والفلسفة، وكان قد ذُكر الى جانب أبُقراط كأحد أهم المؤسسين لعلم الطب. كما نجد أن معنى اسم (إمحوتب) يثير الغموض أيضاً ويصبح لغزاً يضاف لهذه الشخصية، فمعنى اسمه في اللغة الفرعونية (الذي جاء في سلام)!!! فكأنه جاء وأحدث كل هذا التطور العمراني والطبي وذهب بسلام وهدوء تام.
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
مصدر الصورة:
هنا