زراعة رأس بشري لأول مرة
الطب >>>> مقالات طبية
سيتم الإعلان عن هذا الإجراء الأول من نوعه في مؤتمرٍ جراحيٍ سيُعقَد في الولايات المتحدة هذا العام وذلك في محاولةٍ لاستقطاب كل الأطراف والاختصاصيين المعنيين بالموضوع للعمل على إتمام هذه الجراحة.
إن أول من اقترح الفكرة هو الجرّاح الإيطالي Sergio Canvero والذي أراد استخدام الجراحة لإطالة أعمار الاشخاص الذين يعانون من مشاكل في أعصابهم أو عضلاتهم أو فقدوا أعضاءهم نتيجةً للسرطان. وصرِّح الدكتور Sergio بأن العقبات الكبرى كآلية وصل النخاع الشوكي ومنع الجسم من تشكيل ردٍّ فعلٍ مناعيٍ تجاه الرأس الجديد قد حُلَّت ومن الممكن القيام بالجراحة عام 2017 على أقرب تقدير.
ينوي الدكتور Canvero طرح المشروع في المؤتمر السنوي للأكاديمية الأمريكية لجراحي الأعصاب والعظام في شهر حزيران القادم. ولكن هل المجتمع مستعدٌ لتقبل فكرة هذا الإجراء الخطير؟
محاولات سابقة......
تمت أول محاولة لزرع رأسٍ لكلب في عام 1945 على يد الجراح السوفيتي Vladimir Demikhov حيث تم نقل الرأس والأقدام الأمامية لجرو ووصلها مع ظهر كلب أكبر. كرر الجراح هذه التجارب عدة مراتٍ لكن أياً من الكلاب لم تعش أكثر من 2-6 أيام.
تمت أول عملية زرع رأس - استبدال رأس بآخر- عام 1970 على يد الجراح Robert White الذي قام بنقل رأس قرد وزرعه على جسم قرد آخر. لم يقم الجراح بوصل النخاع الشوكي وبالتالي كان القرد غير قادرٍ على الحركة ولكنه قادرٌ على التنفس مع وجود أجهزة داعمة. عاش القرد 9 أيام حيث رفض جهازه المناعي الرأس الجديد. وبالرغم من قلة المحاولات التي تمت بعد ذلك لزراعة الرأس إلا أن التقنيات الجراحية تقدمت بشكل كبير. يقول الدكتور Canavero" لقد وصلنا اليوم إلى مرحلةٍ أصبحت فيها كل العناصر التقنية ملائمةً للقيام بهذه العملية."
تقنية العملية.........
نشر Canavero هذا الشهر ملخصاً حول التقنيات الجراحية التي يمكن استخدامها لزرع رأس شخص على جسد شخص آخر وذلك في مجلة Surgical Neurology International ومما ذكره أهمية تبريد رأس المتلقي وجسد المتبرع وذلك لزيادة الوقت الذي تستطيع الخلايا أن تصمد فيه من دون الأوكسجين. حيث سيتم فصل الأنسجة المحيطة بالعنق ويتم وصل الأوعية المهمة بواسطة أنابيب دقيقة قبل فصل النخاع الشوكي. ويعد فصل النخاع الشوكي بعناية مفتاح نجاح العمل.
وبعد ذلك يُنقل رأس المتلقي إلى جسد المتبرع ويتم وصل الحبلين الشوكيين واللذان يشبهان رزمتين من المعكرونة مع بعضهما. ولإنجاز هذه المرحلة ينوي الجراح إغراق المنطقة بمادة كيميائية تدعى Polyethylene glycol والاستمرار بإعطاء حقن من نفس المادة لعدة ساعات. تساعد هذه المادة على اندماج الخلايا مع بعضها تماماً كما تجعل المياه الحارة أعواد المعكرونة تلتصق ببعضها. وبعد ذلك تتم خياطة العضلات والأوعية الدموية ويبقى المريض في حالة غيبوبة لمدة 3-4 أسابيع لمنع أي حركة. كما يتم زرع الكترودات(أقطاب كهربائية) تقوم بتنبيه النخاع بشكلٍ منتظمٍ حيث تقترح الدراسات أن التنبيهات المستمرة تساعد في تقوية الاتصالات العصبية الجديدة.
وحسب توقع الجراحين سيكون المريض عند استيقاظه قادراً على الحركة والإحساس في وجهه وسيتكلم بنفس صوته السابق ومع المعالجة الفيزيائية سيتمكن المريض من السير خلال عام، وقد تبرع العديد من الأشخاص لخوض التجربة والحصول على جسدٍ جديد.
ويبقى الجزء الأصعب في العملية هو دمج النخاع الشوكي، فقد أظهرت مادة البولي ايثلين غلايكول قدرتها على تسريع نمو أعصاب النخاع الشوكي عند الحيوانات وقد اختبر Canavero هذه التقنية على أجساد الميتين دماغياً أيضاً. ولكن باحثين آخرين يشككون بجدوى هذه الطريقة وحدها فيقول الدكتور Richard Borgens " لا يوجد أي دليل على أن وصل الدماغ والنخاع الشوكي سيؤدي إلى وظيفة حسيةٍ وحركيةٍ طبيعيةٍ عند الشخص بعد الزرع".
ومن الحلول البديلة التي يقدمها Canavero في حال فشلت مادة البولي ايثلين غلايكول حقنُ خلايا جذعية أو خلايا الغمد الشمي olfactory ensheating cells ، وهي خلايا قادرةٌ على التجدد الذاتي وتربط بين بطانة الأنف والدماغ، داخل النخاع الشوكي أو زرع جسرٍ لسد الفجوة في النخاع الشوكي باستخدام أغشية المعدة. وبالرغم من عدم إثبات فائدتها يبقى استخدام المواد الكيميائية كالبولي ايثلين غلايكول الوسيلة الأبسط والأقل غزواً.
ولكن ماذا عن احتمالية رفض الجهاز المناعي للنسيج الجديد الغريب؟
يجيب البروفيسور William Mathews بأن الرفض المناعي لن يكون مشكلةً كبرى، حيث يقوم الأطباء باستخدام الأدوية لمواجهة رد الفعل المناعي للجسم عند غرس كمية كبيرة من الأنسجة الغريبة كالساق مثلاً أو القلب والرئتين وبالتالي يمكن حل مشكلة الرفض المناعي للرأس. فآلية مواجهة الرفض المناعي ومبادؤه باتت واضحةً هذه الأيام.
معضلةٌ أخلاقية.......
ومن العقبات التي تواجه هذه العملية إيجاد بلدٍ تسمح قوانينه بهكذا إجراء. يرغب Canavero بإجراء تجربته في الولايات المتحدة ولكنه يعتقد أنه من الأسهل حتماً القيام بذلك في إحدى بلدان أوروبا. وتبقى العقبة الحقيقية هي الأخلاقيات فهل يبنغي القيام بهكذا جراحة؟ من الواضح أن الكثير من الناس سيقفون في وجه هذه العملية.
تقول الدكتورة Patricia Scripko المختصة في علم الأعصاب والقضايا الأخلاقية:
إن العديد من المعضلات الأخلاقية في الجراحة تعتمد على كيفية تعريفنا لحياة الإنسان. تعتقد الدكتورة أن الإنسان ككائن فرد يتمثل بالمناطق القشرية الدماغية العليا فأي تعديل على هذه المناطق يغير من هذا الإنسان ويطرح بالتالي سؤالاً حول أخلاقية هذا الإجراء. وبالنسبة لهذه العملية فهي لا تغير شيئا في القشرة الدماغية. ولكن العديد من الثقافات قد ترفض هذه الجراحة لأنها تؤمن بأن الإنسان هو روح غير مرتبطة بالدماغ.
ومن المخاوف أيضا تحول الإجراء عن هدفه الأساسي فهل سنواجه بالمستقبل أناساً يغيرون أجسامهم لأسباب جمالية!! تقول الدكتورة Scripko غير الواثقة من أن هذه العملية سوف تتم " إذا ما تمت عملية زراعة الرأس فإن إجراءها سيكون نادراً، فلا أتوقع أن يقوم شخص ما بهذه العملية لمجرد أن جسده بدأ يشيخ ومفاصله تؤلمه فلم لا أحصل على جسدٍ بمظهر أفضل وبعمل أفضل."
آراء الجراحين......
لم تلق الفكرة ترحيباً في أوساط الجراحين أنفسهم فقد رفض العديد من الجراحين إبداء رأيهم حول العملية أو صرحوا بأنها لا تبدو عمليةً واقعيةً وقابلةً للتطبيق.
يقول الدكتور Harry Goldsmith وهو بروفيسور في الجراحة العصبية و ممن قاموا بإحدى العمليات القليلية التي أعادت القدرة للمرضى المصابين بأذية في النخاع الشوكي على المشي" لا أعتقد أن هذه العملية ستنجح، يوجد العديد من المشكلات في هذه العملية، إبقاء إنسانٍ حياً في غيبوبة لأربع أسابيع!! لن تحدث هذه العملية...".
أما Nick Rebel المدير التنفيذي للكلية العالمية للجراحيين فقال" بالرغم من أننا منحنا Canavero الفرصة لعرض مشروعه إلا أننا لا نرعى أفكاره، وقد قمنا بالإعداد لمؤتمر ليطلق فيه مشروعه حيث سيجتمع عدد كبير من أهم الجراحين العالميين وسنرى مدى تقبلهم لفكرته."
أما الدكتور Mathews فقد كان أكثر حماساً للمشروع " أنا أتبنى فكرة وصل النخاع وأؤمن بأن هذه العملية سيكون لها الكثير من الاستخدامات في المستقبل ولكنني أختلف مع Canavero حول التوقيت فهو يعتقد بأننا جاهزون أما أنا فأرى أن الوقت ما زال باكراً."
يقول Canavero " لقد تحدثت عن مشروعي قبل سنتين من إجراءه حتى يتحدث الناس عنه فإذا كان المجتمع يرفض هذه العملية فلن أقوم بها، ولكن رفض الناس للفكرة في الولايات المتحدة وأوروبا لا يعني أن الفكرة لا يمكن أن تطبق في مكان ما آخر من العالم. إني أحاول السير بالموضوع في الاتجاه الصحيح ولكن قبل الذهاب للقمر عليك التأكد من أن الناس سيتبعونك إلى هناك".
المصدر:
هنا