القشعريرة الموسيقية
الطب >>>> علوم عصبية وطب نفسي
لُوحِظَ خلال حدوث القشعريرة الموسيقيّة أنّ عضلات الظهر تسترخي، والأشعار على سطح الجلد تنتصب، كما أنّ الرّعشة الحاصلة تصعد إلى الكتفين، وأحياناً إلى الرقبة وذروة الرأس، وكل ذلك يحدث لا إرادياً.
وجد العلماء أنَّ الاستماع للموسيقى يُحرِّض إفراز الدوبامين، وهو ناقلٌ عصبيٌّ مهمٌّ في الدماغ يمنح الشعور بالسعادة التي ترافق العديد من النشاطات كتناول الطعام أو ممارسة الجنس، كما أنّه يلعب دوراً محورياً في تشكيل سلوكياتٍ مهمةٍ حيوياً والمحافظة عليها.
اشتملت الاختبارات الحديثة دمجاً لكلٍّ من تقنيتي الـ PET scan والرنين المغنطيسي الوظيفي fMRI التصويريتين للدماغ، وتمّت ملاحظة أنّ مستويات الدوبامين لدى الاستماع للموسيقى السعيدة أعلى منها لدى الاستماع للموسيقى المعتدلة. كما لوحظ لدى المستمعين تغيرات في حساسية الجلد (ناقليته الكهربائية)، ومعدل ضربات القلب والتنفس، ودرجة الحرارة. ارتبطت تلك التغيرات مع جودة الموسيقى. الرعشة الموسيقية علامةٌ معروفةٌ تُعبِّر عن ذروة التناغم العاطفي "التجاوب العاطفي" مع الموسيقى.
هذه النتائج تُعَدُّ دليلاً كيميائياً عصبياً على أنَّ الاستجابة العاطفية الشديدة للموسيقى تتضمن فعالياتٍ قديمةَ في تطور الدماغ تعرف بـ ((1)Reward Circuitry). وحسب ما هو معروفٌ لدى العلماء فإنَّ هذا هو أول برهانٍ على أنَّ مُحفِّزاتٍ مُجردةً كالموسيقى قادرةٌ على إطلاق الدوبامين. الحوافز المجردة عادةً ما تكون معرفيةً (كوسيلةٍ للتعلم) بطبيعتها، وهذه الدراسة ستُمهّد الطريق أمام دراساتٍ مستقبليةٍ حول المُحفّزات غير الملموسة التي يعتبرها الإنسان ممتعةً لأسبابٍ معقدة.
الموسيقى فريدةٌ من حيث أنّنا نستطيع قياس كلِّ مراحل التحفيز في الوقت الذي تنتقل فيه الموسيقى من الموسيقى البسيطة الأساسية إلى المرحلة الوسطى والتي تُدعى بمرحلة التوقع anticipating إلى ذروة المتعة. إنّه لتحدٍّ كبير أن تتم مراقبة مستويات الدوبامين أثناء طَوْرَيْ الحَدْسِ والاستهلاك التَّابِعْين للمحفز(2). تمَّ تصويرُ كِلَي الطَّوْرَيْن في هذه الدراسة عن طريق الـ PET، وبالتعاون مع الخصائص الزمنية للرنين المغنطيسي الوظيفي حصلنا على تخميناتٍ فريدةٍ عن مساهمة كلِّ منطقةٍ من الدماغ خلال أوقاتٍ مختلفةٍ أثناء الفحص.
كشفتْ هذه الدراسة، وباستخدم طريقةٍ جديدةٍ في التصوير، أنَّ الاستماع للموسيقى الممتعة يحفز إطلاق الدوبامين، المسؤول عن تعزيز سلوكيات ضرورية من أجل الحياة. كما أظهرت هذه الدراسة دارتين كهربائيتين مختلفتين في الدماغ تشاركان في طورَيّ التوقع والاختبار (الحدس و الاستهلاك): الأولى مرتبطةٌ بالجهاز المعرفي والجهاز الحركي وبالتالي التوقع، والأخرى مرتبطةٌ بالجهاز الحوفي(3) وبالتالي الجزء العاطفي من الدماغ. هذان الطوران يضعان خريطة للمفاهيم المتعلقة بالموسيقى كالتوتر وجودة الصوت.
تشير نظريةٌ سابقةٌ في تفسير القشعريرة الموسيقية أنَّ بعض العناصر الموسيقية كالتغير المفاجئ في الصوت أو عزف قطعةٍ موسيقيةٍ مختلفةٍ عن سياق المعزوفة الكاملة يرسل إشاراتٍ خاصةً إلى الدماغ. ونظراً لأنَّ جسدنا يحبُّ التوقع، فأيُّ مفاجأةٍ للجهاز اللاإرادي تُحفِّزُ تنبيهاً، سرعان ما يفسر دماغنا هذه الإشارات ويدرك أنها موسيقى لا أكثر.
الهوامش:
(1) الـ Reward System هو عبارة عن ظاهرةٍ عصبيةٍ تتمثل بمحفزٍ يقابل سلوكاً معيناً، ومع تكرار هذا المحفز يكون احتمال تكرار السلوك الموافق أكبر.
(2) طورا الحدس والاستهلاك التابعان للمحفز هما طوران يمثلان مرحلة ما قبل الحصول على المحفز، وبعد الحصول على المحفز أثناء استهلاكه.
(3) الجهاز الحوفي هو شبكة معقدة من الأعصاب بالقرب من حواف القشرة الدماغية مسؤولةٌ عن الغريزة والوجدان، تتحكم بالمشاعر الأساسية (الخوف، المتعة، الغضب) والسلوكيات الأساسية (الجوع، الجنس، السيطرة، رعاية الأبناء).
المصادر:
هنا
هنا
Sweet Anticipation: Music and the Psychology of Expectation