نشرت دورية Annals of Emergency Medicine عن تهديدٍ جديدٍ يلوحُ في الأفق بسبب إساءة استخدام دواء لا يصنَّف ضمن قائمة العقاقير غير القانونية تمامًا، وما يثير القلق أنَّ المُتعاطي يتعرَّض لخطر تناول العقار دون علمه!

يجب على أطباء الطوارئ أن يتوقعوا زيادةً ملحوظةً في الحالات التي يُشير ظاهرُها  إلى أنَّها مجرد جرعات مُفرِطة (زائدة) من الهيروين، ولكنَّها في الواقع جرعاتٌ مفرطة ترتبط بتناول دواء الأسيتيل فنتانيل؛ وهو عقار أفيونيٌّ opiate يمزجُه تجارُ المخدرات أحيانًا مع عقاقير الشوارع ويُسوقونه على أنَّه مخدَّر الهيروين.

التهديدُ الذي يلوح في الأفق ليس له علاقة بالمخدرات غير المنظَّمة وشبه القانونية، فهي ليست مفصَّلة في سجلات طب الطوارئ وحسب؛ بل ما هو مخيفٌ حقًّا بشأن هذا الدواء المنتشر بازدياد هو أنَّ متناوليه أنفسهم قد لا يكونون على علم بتناوله بصفته مخدرًا!

فالمريض الذي يأتي إلى قسم الطوارئ طلبًا للعلاج يخبرُ الأطباءَ عادةً بأنَّه يتعاطى الهيروين، فإنَّ الأعراض المسجلة لديه تكون مُتسقةً مع أعراض فرط الجرعة من الهيروين، ولكن يجد طبيب الطوارئ أنَّ الجرعة اللازمة من النالوكسون (وهو الترياق المضاد للعقاقير الأفيونية) لا تُجدي نفعًا في هذه الحالة لأن الأسيتيل فنتانيل هو المسؤول؛ لهذا يتحتَّم على الطبيب المعالِج إمَّا تكرار الجرعة وإما زيادتها عن الحدِّ اللازم عادةً لحالات فرط الجرعة بالهيروين، ومن غير الجيد طبعًا أن يُهدَر الوقت الفاصل بين تناول المريض الجرعةَ الزائدة وبين إتمام عملية العلاج (إعطاء ترياق النالوكسون بالكمية الكافية في هذه الحالة).

إذًا؛ ما هو الأسيتيل فنتانيل؟

الأسيتيل فنتانيل هو مسكِّن أفيوني ليست له استخدامات طبية معروفة وتأثيره أقوى من الهيروين من 5 إلى 15 مرة، ويستخدمه المتعاطون عادةً بالحقن الوريدي ويعدُّ بديلًا مباشرًا من الهيروين أو بديلًا من الأدوية الأفيونية التي تُباع في الصيدليات، وعلى الرغم من أن كثيرًا منهم لا يدركون أنَّ ما يتعاطونه في الواقع ليس هيروينًا نقيًّا؛ فالمُتعاطي الذي يحقن الأسيتيل فنتانيل النقي قد يعاني عواقبَ وخيمة بسبب الفاعلية potency العالية جدًّا والاستثنائية لهذا العقار مقارنةً بالهيروين.

لم تُخضع قوانينُ المخدرات الأسيتيلَ فنتانيل تحديدًا لعملية تنظيم بهدف منعه أو التحكم بتداوله. وعلى الرغم من أنَّه يُصنَّف مادةً مماثلةً ومضاهية analogue للفنتانيل الذي يُستخدم عقارًا أفيونيًا لأغراض طبية، وهو يقع في منطقة رمادية غير واضحة أيضًا، فمن جهةٍ أخرى يعدُّ الأسيتيل فنتانيل مادةً ممنوعةً قانونيًّا للاستهلاك البشري، فإذا كُتِبت على العبوة عبارة "ليس مخصَّصًا للاستهلاك البشري"؛ يُصبح عندها منتجًا قانونيًا من الناحية الفنية.

وبذلك تكون الكميات الكبيرة من هذا العقار محميَّةً أو مغطاة من الناحية القانونية ما دام أنها حملت عنوانًا، وخُزِّنت على أنَّها ستُستخدم منتَجًا ذا أغراض صناعية أو لأبحاث غير مرتبطة بالبشر.

إنَّ شبكات توزيع المخدرات ذكية للغاية ومطَّلعة على الأرجح للاستفادة من هذه الثغرات القانونية وللربح عن طريقها؛ وذلك باستبدال أو تخفيض كمية مخدرٍ موجودٍ في لائحة العقاقير الخاضعة للتنظيم ومصنَّف ضمن العقاقير المسموحة باستخدامات محدودة جدًّا (highly regulated: ممنوع أو شبه ممنوع؛ أي مسموح باستثناءات قليلة يُحددها القانون) واستبداله هذا العقار الأقل تنظيمًا؛ وبذلك تعدُّ إحدى السلبيات العديدة للمخدرات غير المشروعة هي أنَّ المُتعاطِي لا يستطيع الوثوق بالتاجر الذي يتعامل معه.

إنَّ الاتجاه إلى مزج المواد المستخدمة في الغش مع المخدرات التي تُباع في الشوارع للمدمنين بغية زيادة فاعلية تلك المخدرات وقوة تأثيرها هو أمرٌ خطير.

فهذه الإمكانيات المهمة والخطيرة للأسيتيل فنتانيل والتي تُسبب جرعات زائدة تستدعي المزيد من البحث الطبي المترافق مع إعادة النظر في الأنظمة والقوانين المعمول بها.

street drugs: مصطلح يُطلَق على العقاقير المنتشرة في الشوارع بين أوساط المدمنين، والتي تُباع بطريقة غير قانونية ولا تُعرَف مكوناتها الحقيقية على وجه الدقة؛ إذ يجري خلط المخدر الأساسي مع غيره من العقاقير والمواد غالبًا بغرض زيادة تأثيره أو جعله مرغوبًا أكثر من قبل المتعاطي، أو بهدف زيادة الكمية والغش وبذلك بيع أقل مادة فعالة بأعلى سعر ممكن.

مُسكِّن أفيوني opiate analgesic: مُسكِّن يُستخلص من نبات الأفيون (طبيعي) أو يدخل الأفيون في تركيبه (نصف طبيعي) أو يُصنَّع كيميائيًّا من مركبات شبيهة بالمركبات الفعالة في نبات الأفيون (صنعي synthetic)، وتستخدم هذه الفئة من المُسكِّنات عادةً لتسكين الآلام الشديدة والحادة كآلام السرطان أو المغص الكلوي، ولا توصف إلا من قبل الطبيب وبجرعات مضبوطة بدقة، وبسبب قابليتها العالية للإدمان ولتجنب حدوث فرط جرعة قد يُفضي إلى الوفاة في بعض الحالات.

كلما زادت فاعلية potency دواء أو مادة ما؛ كان تأثيرها أقوى على الجسم من مادة أخرى ذات فاعلية أقل، وذلك عند تناول الكمية نفسها من كلتا المادتين (في مثالنا هذا: عند تناول كمية معينة من الأسيتيل فنتانيل يحدث تأثير يزيد من 5-15 مرةً عن تأثير الكمية نفسها من الهيروين، وبذلك زيادة خطر المضاعفات المرتبطة بتناول جرعة مفرطة بسبب كون المخدرين ينتميان إلى فئة العقاقير نفسها الأفيونيات).

المصدر:

هنا