خفة الكائن التي لا تحتمل
كتاب >>>> روايات ومقالات
هل هي رواية أم عمل فلسفي؟
"كائن لا تحتمل خفته" أو "خفة الكائن التي لا تحتمل" كما يسميها آخرون، رواية فلسفية عميقة فيها لمحات رائعة في فهم النفس الإنسانية، وتساؤلات جميلة عن الحياة التي تصوغها مجموعة من الصدف التي تتجمع بعشوائية غريبة وعصية على الفهم لتكون مسيرة حياتنا بطريقة ليس لنا فيها أي دور وكأن الكائن البشري ريشة في مهب الريح، حيث تنشأ آلام الإنسان بعمقها لا من معاناته الشخصية وإنما من معاناة أحبائه وأولئك المحيطين به، يعرج الكاتب عليها وعلى الكثير غيرها من اللمحات التي تحفز الذهن على التفكير وتضعه على طريق من التساؤلات التي تغير حتى البديهيات لديه.
عديدون قرؤوا هذه الرواية، منهم من أعجب بها حتى كاد بعضهم يصل حد الوله بها، وعديدون آخرون لم يطيقوا حتى إكمالها، وهي في هذا لا تختلف عن غيرها من الروايات.
من الناحية الروائية، الفكرة بسيطة عن شخص يعمل جراحاً، متعدد العلاقات، متحرر، يبحث في جنسانيته لاهثاً لاكتشاف الأشكال المختلفة لتجلي الأنثى في أشد لحظاتها حميمية مع الرجل، بحثاً يكاد يكون هوساً.
يصف الكاتب حب مثل هذا الرجل لسيدة يقرر الزواج منها، ولا يخفت حبه لها رغم هوسه بالجنس. كما يصف حب السيدة "تيريزا" وضعفها الذي يعتبر نقطة قوة لها، ويتعمق أكثر بتوصيف علاقتها بزوجها توماس، علاقة شائكة، يستغلها الكاتب، كما يفعل مع كل تفاصيل الرواية، في طرح أفكار فلسفية عميقة عن النفس البشرية، ومناقشة أخرى أصبح نمطاً.
مستهل الرواية طرح لفكرة "العَوْد الأبدي" التي تحدث عنها نيتشه والتي مفادها حتمية التكرار والتي تتجلى في التاريخ. فكرة تجعل من المعاناة الطويلة للإنسانية من الحروب والمجازر مثلاً، أمراً عبثياً لا معنى له، لكونه جزءاً من حلقة معيبة تكرر نفسها. ثم يكمل الكاتب بتحدي ما نملك من ثوابت فكرية وبديهيات فيتصدى للمعتقد السائد بسلبية الثقل، معللاً ذلك بعبثية الخفة، وبأن الوجود بطبيعيته مرده للثقل الذي يثبّت رواسيه بعكس الخفة التي تترك صاحبها هائماً دون جدوى.
هل يفترض بالحبّ أن يكون خفيفاً؟ صراعاتك مع نفسك، هل هي بالثقل الذي تعتقده؟ ما هو مكمن الخفة في السعادة ؟ وما مكمن الثقل الذي نشعر به عند الكره، والحزن ؟هل الخفة أحياناً أفضل من الثقل؟ أم أن العكس هو الصحيح؟
ينهال الكاتب على عقلك مع أول كلمات الرواية، فيجرك للانغماس في كلماته. توماس وتيريزا وسابينا وفرانز، أبطال الرواية، ولكنك أنت أيضاً أحد أبطالها، فالرواية تمس القارئ في صميم فكره دون أن تفقد متعها كرواية، وصفة صعبة الإنجاز، يصعب خلقها ما لم يكن الكاتب ببراعة كونديرا.
--------------------------------------------------------------------
خفة الكائن التي لا تحتمل ( رواية)
ميلان كونديرا
ترجمة ماري طوق
الطبعة الثانية
المركز الثقافي العربي، 1989