الواقعية في العلاقات الدولية
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> الفلسفة السياسية
يرى الواقعيون أن الدول هي الوحدات الأساسية المكونة لعالم العلاقات الدولية. تلك الدول لا تتصرف بطريقة عشوائية وإنما هي كيانات عقلانية تتصرف بشكل واعي لتأمين بقائها وتعظيم مصالحها القومية. عقلانية الدول وإدراكها للفوضى الحاكمة للعلاقات الدولية تعني، أن السبيل الوحيد للبقاء هو زيادة إمكاناتها وتعزيز مصادر قوتها.
ولكن ما مصدر تلك الفوضى التي تسيطر على عالم الدول؟
شكل تفسير تلك الفوضى نقطة تمايز بالنسبة لاتجاهات ثلاثة ضمن المدرسة الواقعية هي: الواقعية الكلاسيكية والواقعية الجديدة وتيار ثالث يحاول الجمع بين التيارين السابقين. ترى الواقعية الكلاسيكية أن الدول بطبيعتها تحمل شيئاً من العدوانية والميل لاستخدام قوتها خاصة في المجال العسكري، مما يؤدي إلى حالة من الفوضى والشك بين الدول. أما بالنسبة للواقعيين الجدد فإن عدم وجود ضمانات تمنع الدول من التوسع والعدوان يفضي بالنهاية إلى ما يسمى بـ "المعضلة الأمنية"، التي هي منبع الفوضى في العلاقات الدولية. فمأزق العلاقات الدولية نابع من طبيعة النظام الدولي ومن حقيقة أن لا سلطة أعلى من سلطة الدولة. أما التيار الثالث، فيرى أن أنانية الدول وغياب القانون الدولي أو سلطة عالمية مركزية يعزز الفوضى ويجعل من الصراع والحرب أموراً لا مفر منها.
عموماً، فإن المنظور الواقعي يربط بين السياسات الخارجية والطبيعة الإنسانية. فالفاعلين في كلا المجالين (الأفراد والدول)، يسعون لتحقيق مصالحهم، وذلك لا يتم إلا عبر زيادة قوتهم. فالدول أنانية بتصرفاتها، كما البشر. قد لا يبدو ذلك الجانب الأناني جلياً في حياتنا اليومية كأفراد، وذلك نابع من قدرتنا على تنظيم العلاقات الاجتماعية عبر مجموعة من الأعراف والقوانين. لكن الأمر مختلف عندما ننتقل لعالم العلاقات الدولية. فالعلافات بين الدول محكومة بالفوضى ولا سبيل لتغيير تلك الحقيقة الموضوعية. ولكن الوصول لحالة من توازن القوى هو الحل الأمثل لردع الدول وللتخفيف من سلبيات غياب قانون أو سلطة عالمية موحدة.
ومن ناحية أخرى، لا يمكن تطبيق الأخلاقيات والقيم المتعارف عليها في حياتنا اليومية على عالم السياسات الدولية. فللعلاقات بين الدول قيمها ومبادئها الخاصة بها، والتي لا يمكن لها أن تتجاوز مبدأي حماية المصلحة القومية وتعظيم قوة الدولة. بهذا المعنى تصبح قيم الخير والشر قيماً نسبية في عالم الدول. فالخير هو ما يحفظ بقاء الدولة حتى لو تطلب ذلك ممارسة ما قد يعتبره الأفراد في حياتهم الاجتماعية اليومية عملاً "لاأخلاقياً". ففي العالم الواقعي، معيار نجاح أو فشل أي سياسة خارجية هو فقط مدى قدرتها على تقوية الدولة وحماية مصالحها القومية.
يعتبر الارتباط الوثيق بين الواقعية والسياسات العملية، من أبرز مميزات هذا المدخل في دراسة العلاقات الدولية. يبدو ذلك جلياّ من خلال قرب منظري الواقعية من الحقل السياسي ودوائر صنع القرار، خاصة في الدول الغربية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. فعلى سبيل المثال، نلاحظ أن هانز مورغنثاو وجورج كينن وهنري كيسنجر- وهم من أعلام المدرسة الواقعية- جميعهم اشتغلوا في السياسة، وكان لآرائهم عظيم الأثر على توجهات الإدارات الأمريكية المتعاقبة ومواقفها من القضايا المتعلقة بالسياسات الخارجية. فاستطاعت الواقعية الانتقال من حيز التنظير الأكاديمي إلى مجال صنع السياسات الخارجية، وهذا حتى صبغت بلونها السياسات الدولية طيلة الحرب الباردة.
أخيراً، وفي حقل الدراسة الأكاديمية، يدّعي الواقعيون أن لديهم نظرية علمية مثبتة يساعد تطبيقها على فهم السياسات الخارجية للدول. فالمعادلة الثابتة هي أن جميع الدول تسعى لزيادة قوتها لتحمي بقاءها ومصالحها القومية، فذلك هو الطريقة الوحيدة لتجاوز المعضلة الأمنية التي يفرضها غياب حكومة عالمية أو قانون دولي ينظم نشاطات الدول وعلاقاتها ببعضها. ففي العلاقات الدولية وطريقة التعامل بين الدول هناك مبدآن ومعياران ثابتان يعتبران نبراس تلك العلاقة، ويشكلان تبريرا وراء نهج الدولة لاسترتيجية أو طريقة ما تجاه دولة أو دول أخرى، وهما القوة والمصلحة. كان هذا عرض سريع للواقعية، والتي أتت الليبرالية وردت عليها وخالفتها بالمبادئ، وهذا ما سنأتي عليه في مقالنا القادم.
المراجع:
1- Donnelly، Jack. Realism and International Relations. Cambridge: Cambridge UP، 2000.
2- Dunne، Timothy، Milja Kurki، and Steve Smith. International Relations Theories: Discipline and Diversity. Oxford: Oxford UP، 2007.
3- A Brief Introduction to Theories on International Relations and Foreign Policy. Available at: هنا