يقومُ العلماء دورياً بتحديد مستويات انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون التي تُبقي تركيزهِ في الجوِّ ضمن الحدودِ المسموحة، معتمدةً بشكلٍ رئيسيٍّ على الكميّاتِ التي تمتصُّهَا الأرضُ والمحيطاتُ، وعلى التّفاعلاتِ بين الكربون والمناخ، حيث يستخدمُ العلماءُ لهذا الأمر نماذجَ رياضيّة تأخذ كلّ العوامل المذكورة في الحسبان.

لطالما كانت النباتاتُ ‘حدَى الحصون الهامة التي تواجه التّغيُّرات المناخيَّة، إلا أنّها تحتاجُ لمغذّياتٍ مختلفةٍ من أجل نموها، أبرزها النتروجين لبناءِ صباغ الكلوروفيل المُمتصِّ للضوء، والفوسفور لبناء البروتينات، حيث أنّها تتغذى على ثاني أوكسيد الكربون لتنمو بشكل أسرع وتمتص كميّة أكبرَ من غازاتِ الدفيئةِ النّاتجة عن الأنشطة البشريّة والمسبِّبَةِ للاحتباسِ الحراري.
وجدت دراسة جديدة أنَّ الكميّاتِ المحدودةَ من المغذّيات قد تعيقُ نموَّ النباتات بالسّرعةِ التي قدّرها العلماء، مسبِّبةً بذلك احتراراً عالمياً بحلول عام 2100 بنسبة أكبرَ من تلك التي توقعتها النماذجُ المبنيّة.

فالنباتات التي يقوم المزارعون بزراعتها يتم تزويدها بالمغذيات عن طريق السّماد، أمّا بالنسبة للنباتاتِ الموجودةَ في الطّبيعة فعليها أن تجد مصادرها الخاصَّة من المغذيات، فعلى الرغم من اعتبار الهواء مصدراً رئيسيَّاً هامّاً للنتروجين الذي يُشكّل 78% من حجمه إلا أن النباتات لا تستطيع امتصاصه بسبب تواجده على شكلِ غاز، لذا فهي تعتمدُ على البكتريا الموجودة في التّربة للقيام بهذه المهمّة، أما الفوسفور فمصادره الرئيسيّة هي الصّخور المتحللة بفعل العوامل الجوية أو الرّمالُ المحمولة مع الرّياح القادمةِ من الصّحاري.
وعلى الرغم من أهمية هذين المغذيين إلا أن النماذج التي قدّرت الانبعاثات المسموحة من غاز ثاني أكسيد الكربون وتنبّأت بالإحترار العالميِّ لم تتناول هذين المغذيين الرّئيسيّين بالشّكلِ اللازم، فمن أصل 11 نموذجاً تضمنهم أحدث تقرير للهيئةِ الحكوميّة الدولية المعنيّة بتغيّر المناخ (IPCC)، تضمن نموذجان فقط تأثير الكمية المحدودة من النتروجين على نموِّ النباتات، وأَهمَلت جميعُ نّماذج تأثيرَ الفوسفور.

نُشرت الدّراسة التي نتحدّث عنها في Nature Geoscience، وقد أجراها عالمُ الكيمياء الجيولوجيّة الحيويّة وليام فايدر (William Wieder) مع زملائه من المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي، حيث دققوا كميّة النباتات الجديدة التي توقّعت النّماذجُ نموَّها آخذينَ بعين الاعتبار متطلّباتها من النتروجين والفوسفور الجديدَين، ثم قدّروا كميّة المغذيات التي توفّرها المصادرُ الطّبيعيّة، وبالمقارنة وجدوا أنَّ كميّة المغذيات التي ستوفّرها الطّبيعة غير كافية لنموِّ كل النّباتات التي توقّعتها تلك النماذج، وهذا يعني مراجعةِ النّماذج وتدقيقِها من جديد مع الأخذ بعين الاعتبار تأثير محدوديَّةِ المغذّيات.

تقولُ نتائج الدّراسة أن المغذيات تؤثر بشكل محدود على امتصاص المحيطات لغاز ثاني أكسيد الكربون لكنَّ تأثيرها كبير بالنسبة لامتصاص الأرض لهذا الغاز، وعندما تم أخذ النيتروجين والفسفور في الحسبان انخفض معدّل المخزون السنوي العالمي من الكربون المُتوقع من قِبل الباحثين بنسبة 25% مقارنة مع أرقام IPCC. من المتوقع أن يؤدي هذا الانخفاض "الدرامي" إلى تحوّل الأرض من ممتصة للكربون إلى مطلقة له بحلول عام 2100. وبالترافق مع تنبؤات زيادة حرارة العالم استنادا إلى معدّلات تنفس ميكروبات التربة المُطلِقة لثاني أكسيد الكربون، يُتوقع أن يصبح كوكب الأرض أكثر حرارة مع بداية توسّع الاحترار الناتج عن الأنشطة البشرية بدلاً من إبطائه.

بالرّغمِ من أن عالم البيئة كريس فيلد (Chris Field) من معهد كارنيجي للعلوم وصفَ هذه الورقة البحثيّة بأنها مثيرة وقويّة، إلى أن الأمور لن تقفَ عند هذا الحدّ، بسبب وجود عواملَ أخرى غير واضحة في الدّراسة يجبُ أخذُها بعين الاعتبار في الدّراساتِ القادمة خاصّةً فيما يتعلّقُ بمصادرِ المغذّيات، فبكتريا التّربةِ مثلاً تزيدُ من وفرةِ المغذيات نتيجَة تفكيكِها للنّباتات الميّتة.
لذلكَ يؤكّدُ عالمُ الكيمياء الجيولوجيّة الحيويّة إريك دافيدسون Eric Davidson من جامعةِ مركز ماريلاند للعلوم البيئية أنّ على الباحثين بذلُ المزيدِ من العملِ الميدانيِّ لتحديد كيفيّةِ تأثير ظروفِ المغذّيات على نموِّ النباتات، فهي الطّريقةُ الوحيدةُ التي تُمكّنُ من تحديد "بارامترات" (عوامل) تلك النماذجِ بدقّة على الرغم من صعوبتها وكلفتها العالية.

مصادر:
هنا
هنا
هنا

للاطلاع على تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ:
هنا