خرائط المادة المظلمة تكشف عن تاريخ الكون المبكّر
الفيزياء والفلك >>>> علم الفلك
تكمن أهمية دراسة كيف تتوزع المادّة المظلمة وكيفية تغيّر هذا التوزع مع مرور الزمن في كونها أساسيّة لفهم دور الطّاقة المظلمة التي تتحكم بتمدد الكون. هذه النتائج الأولية تُظهر أن علماء الفلك يملكون الآن التقنيات والأدوات اللازمة لفهم الطاقة المظلمة. أما الخطوة التالية فهي توسيع المسح ليغطي ألف درجة مربعة في السماء وبالتالي كشف الغموض المتعلّق بالطّاقة المظلمة وتوسّع الكون.
وأشاد الدكتور Satoshi Miyazaki رئيس مطوري (HSC) بقدرتها، وقال: "نحن نعرف الآن بأننا نملك كل من التقنيات والأدوات اللازمة لفهم الطاقة المظلمة. ونحن جاهزون لاستعمال كاميراHSC لوضع خريطة للمادة المظلمة تغطي 1000 درجة مربّعة والتي ستعكس تاريخ توسّع الكون بتفاصيل دقيقة.
منذ أن اكتشف عالم الفلك Edwin Hubble أن الكون يتوسّع عام 1929، كانت الفكرة السائدة لدى علماء الفلك أن هذا التوسع يتباطأ مع الزمن. وحتى وقت قريب كان الاعتقاد أن قوة الثقالة هي القوة الوحيدة المؤثرة بين المجرات معيقة بذلك توسّع الكون. ولكن في تسعينات القرن الماضي أظهرت النجوم المتفجرة البعيدة (السوبرنوفا) أن الكون يتوسّع بسرعة أكبر من سرعة توسعه في الماضي. هذا الاكتشاف فرض تحولاً مثيراً في فهمنا للفيزياء: فإما أن يكون هناك نوع من الطاقة المظلمة مع قوى تنافر تسبب تباعد المجرات بعضها عن بعض، أو أن قوانين فيزياء الثقالة بحاجة لبعض التعديلات الجوهرية.
ولكشف غموض تسارع توسع الكون، فإنه من المفيد البحث عن العلاقة التي تربط بين معدل توسّع الكون ومعدل تشكّل الأجرام الفلكية. فعلى سبيل المثال، في حال أن الكون يتوسّع بمعدل متزايد فإن المادة ستأخذ وقتاً أطول لكي تتكتل وتكوّن المجرات. وبالعكس، فيما لو أن الكون يتوسع ببطء فسيكون من السّهل للمجرات أن تتشكل. وفي الواقع، هناك رابط مباشر بين تاريخ تشكّل البنى في الكون وتاريخ توسّع الكون. ويكمن التّحدي في تأكيد وجود المادّة المظلمة وتأثيرها على توسع الكون في أن معظم المادّة الموجودة في الكون هي مادة مظلمة ولا تصدر إشعاعاً؛ وبالتّالي لا يمكن كشفها مباشرةً عبر التّلسكوبات.
من التقنيات التي بإمكانها التغلب على هذا التّحدّي هي كشف وتحليل تأثير العدسات الثقالية الضعيف أو weak lensing ،تقوم هذه التقنية على فكرة أنه كلما كانت كثافة المادة أكبر سوف تحني الضوء بشكل أكبر، حيث يلعب تركيز المادة المظلمة دور عدسة تحني الضوء القادم حتى من أجسام بعيدة. وبتحليل الكيفية التي ينحني بها الضّوء وكيف أن المادة المظلمة التي تلعب دور العدسة تقوم بتشويه أشكال الأجسام التي تقع خلفها، فانه من الممكن حينها تحديد كيفيّة توزع المادة المظلمة الموجودة في المنطقة مابين المراقب ومصدر الضوء.
هذا التحليل للمادة المظلمة وتأثيراتها سيجعل علماء الفلك قادرين على تحديد الآلية التي تجمعت بها عبر الزمن. قد يكون تاريخ تجمّع المادة المظلمة مرتبطا بتاريخ توسع الكون ،وبالتالي من المفترض حينها أن يكشف عن بعض الخواص الفيزيائية للطاقة المظلمة كشدتها وكيفية تغيرها مع الزمن.
وللحصول على كمية كافية من البيانات فإن علماء الفلك بحاجة لمراقبة مجرّات تقع على بعد يتجاوز المليار سنة ضوئية، عبر منطقة اتساعها أكبر من ألف درجة مربعة (حوالي 1/40 من كامل السماء). وبدمجنا لعمل التلسكوب (سوبارو) البالغ قطره 8٫2 متر مع كاميرا (HSC) حصلنا على واحدة من أنجح أدوات البحث عن الأجسام البعيدة الباهتة عبر مساحة واسعة من السماء.
ولكن حتى بهذه الحالة، فإن مسح 1000 درجة مربعة من السماء على العمق المناسب ليس ممكناً في الواقع، لذلك يوضح الدكتور Satoshi Miyazaki: بأن هذا السبب قادهم لتطوير كاميرا الـ HSC التي استغرقت عشر سنوات، وهي كاميرا لها نفس جودة صورة الـ Suprime-Cam ولكن مجال رؤيتها أكبر بسبع مرات.
تم تركيب كاميرا الـ HSC في تلسكوب (سوبارو) عام 2012، وبعد فحص عملها أصبحت متاحة للاستخدام من قبل علماء الفضاء في آذار 2014. وتم وضع استراتيجية لعمليات الرصد تتضمن أكثر من 300 ليلة رصد على مدى خمس سنوات وهي مستمرة حتى الآن.
تبلغ دقة الكاميرا 870 مليون بكسل وتستطيع صورها أن تغطي منطقة من السماء تتسع لـ 9 أقمار مكتملة وذلك للصورة الواحدة. مع تشوه قليل للغاية، ودقة عالية.
كما قام باحثون من NAOJ ،جامعة طوكيو، وشركاءهم بتحليل بيانات فحص تم إجراؤه على الكاميرا (HSC) للتأكد من جودة عملها فيما يخص رسمها لخرائط المادة المظلمة وذلك باستعمال تقنية تأثير العدسات الثقالية الضعيف. أعطت البيانات (التي حصلوا عليها أثناء تصويرهم لمنطقة تغطي 2.3 درجة مربعة لمدة ساعتين) صوراّ واضحة لمجرات متعددة. وبقياس أشكالها كلاً على حدى استطاع الفريق وضع خريطة للمادة المظلمة التي تقع المجرات السابقة خلفها. وكانت النتيجة اكتشاف 9 كتل للمادة المظلمة تبلغ كتلة كل منها بمقدار كتلة عنقود من المجرات. موثوقية التحليل باستخدام تقنية العدسة الضعيفة وما نجم عنها من رسم خرائط المادة المظلمة تم تأكيده بالاستعانة بعمليات رصد تم إجراؤها من قبل تلسكوبات أخرى أظهرت عناقيد مجرية فعلية تتوافق مع تكتلات المادة المظلمة التي اكتشفت بوساطة الكاميرا (HSC).
وقد تجاوز عدد العناقيد المجرية التي عثر عليها بوساطة الكاميرا HSC توقعات النماذج الحالية التي تدرس التاريخ المبكر للكون، ومع توسيع فريق البحث لخريطة المادة المظلمة التي يعملون عليها للوصول إلى هدفهم المُرتجى في التوسع إلى 1000 درجة مربعة، فإن البيانات يجب أن تكشف فيما إذا كان هذا الفائض في عدد المجرات حقيقي أم أنه ناتج عن سبب إحصائي. وفي حال كان الفائض حقيقياً فسيقود ذلك إلى نتيجة مفادها أنه لم يكن هناك ذلك القدر الذي توقعناه من الطاقة المظلمة في الماضي،مما سمح للكون بالتوسع بهدوء وللمجرات والنجوم أن تتشكل بصورة سريعة.
ويُعد استخدام تأثير العدسات الثقالية الضعيف في رسم خرائط لتوزع المادة المظلمة وسيلة لاكتشاف الأجسام الفلكية عن طريق كتلتها، ونكتشف وجود شيء ما مع معرفة كتلته في ذات الوقت، حيث تعطي التقنية السابقة قياسات مباشرة للكتلة غير متاحة عند استخدامنا لطرق اكتشاف أخرى. وبذلك تكون خرائط كتل المادة المظلمة أداة أساسية لفهم تاريخ توسع الكون بدقة كبيرة.
*كما تقابل الزاوية قوساً من دائرة ويمكن قياسها بالدرجات كذلك تقابل "الزاوية المجسّمة" جزءاً من سطح كرة ويمكن قياسها بالدرجة المربعة.
المصدر: هنا