التدخين و النفس- الجزء الأول: أثر النيكوتين على الدماغ.
علم النفس >>>> المنوعات وعلم النفس الحديث
يعي معظمنا بعض المخاطر الصحية و الجسدية الكامنة خلف التدخين، ناهيك عن الدراسات الحديثة التي تشير إلى أن هذا الخطر يطول السلامة الذهنية والعقلية أيضا.
و مع ذلك للأسف، ما زال الكثير من الناس يلجؤون الى السجائر. و على الرغم من اختلاف الأسباب التي تدفع الناس للتدخين، إلا أن فهمها سيساعد أولئك الذين يسعون للإقلاع عن هذه العادة.
- لم يصعب علينا الإقلاع عن التدخين؟
يعود السبب خلف صعوبة الإقلاع عن التدخين إلى مادة النيكوتين التي تسبب الإدمان. يتمثل هذا الإدمان باستمرار الحاجة الملحة للتدخين حتى مع ظهور المشاكل الصحية. يعي معظم المدخنين الخطر المحدق بهم و قد يبدي بعضهم الرغبة بترك التدخين، فهنالك ما يقارب 35 مليون شخص في الولايات المتحدة وحدها يحاولون الإقلاع سنوياً، لكن الأغلبية يفشلون في الانقطاع لأكثر من أيام معدودة، وأقل من سبعة بالمئة فقط من هؤلاء يواصلون الامتناع عن التدخين لمدة تزيد عن عام واحد.
بالإضافة إلى خصائص النيكوتين التي تؤدي إلى الإدمان؛ هناك عوامل أخرى تقف خلف صعوبة الإقلاع عنه، كسهولة توافره وطرق تسويقه والإعلان عنه من قبل الشركات المصنعة للتبغ، وغياب الرادع القانوني والاجتماعي عن استخدامه.
بالإمكان وصف السجائر بأنها وسيلة متقنة تعمل على إيصال النيكوتين إلى الجسد بفعالية، حيث يصل تأثير النيكوتين إلى الدماغ خلال فترة لا تتعدى 10 ثوان من استنشاق الدخان. ينفث مدخن اعتيادي الدخان عشر مرات في فترة مدتها خمس دقائق (أي سيجارة واحدة)، يعني ذلك أن مدخناً يقوم باستهلاك 30 سيجارة يوميا يحصل على 300 جرعة نيكوتين تصل إلى دماغه يوميا.
- كيف يؤثر النيكوتين على عمل الدماغ و الهرمونات؟
عدا عن تأثير النيكوتين، يحصل لدى المدخن انخفاض ملحوظ في مستويات انزيم المونوأمين أوكسيداز (MAO) المسؤول عن تفكيك الدوبامين، ويعود الخلل في مستويات هذا الإنزيم إلى عناصر أخرى موجودة في الدخان المستنشق من السجائر وليس من النيكوتين بحد ذاته، حيث أن هذا الأخير لا يملك تأثيرا ملحوظا على مستويات إنزيم MAO. على كلٍ، فإن انخفاض مستويات هذا الإنزيم يؤدي إلى ارتفاع مستوى الدوبامين، وبالتالي فإن الرغبة الملحة بالحفاظ على هذا المستوى من الدوبامين يفسر الحاجة المتواصلة إلى التدخين.
يعمل النيكوتين كمنشط ومهدئ في ذات الوقت، فبعد التعرض للنيكوتين مباشرة؛ تفرز الغدد الكظرية الأدرينالين، مما يؤدي إلى تحرير الغلوكوز (سكر الدم) ورفع ضغط الدم ومعدل ضربات القلب والتنفس، كما يقوم بكبح إنتاج الأنسولين من البنكرياس. إضافة إلى ذلك فهو يقوم بشكل غير مباشر بتحرير الدوبامين في مناطق الدماغ المسؤولة عن المتعة و الحماس.
يعمل التعرض المتكرر للنيكوتين على تطور حالتي الاعتماد و الإدمان على السجائر، يحتاج فيها المدخن إلى زيادة جرعة النيكوتين للحصول على الأثر الأولي له. يتم استقلاب النيكوتين بسرعة لا بأس بها ويختفي أثره من الجسد خلال ساعات قليلة، وبالتالي تنخفض عتبة الاعتماد مع حلول الصباح، وغالبا ما يشير المدخن إلى أن التدخين في الصباح هو الأقوى أثرا أو "الأفضل". تترقى عتبة التحمل مع مرور اليوم، وهذا هو السبب وراء أن التدخين يصبح أقل تأثيرا مما يرجو المدخن الحصول عليه في نهاية اليوم.
إن تلقي جرعات منتظمة من النيكوتين يؤدي إلى حدوث تغيرات في الدماغ، وعند حدوث انخفاض في وارد النيكوتين فإن أعراض الانسحاب تبدأ بالظهور. تعمل العودة إلى التدخين على تخفيف هذه العوارض بشكل مؤقت مما يؤدي إلى ترسيخ عادة التدخين بشكل أكثر سوءً للأسف...
- ما الذي يدفع الناس للتدخين؟
تلعب بعض العوامل النفسية والاجتماعية دوراً في اللجوء إلى التدخين، كآراء الوالدين بالنسبة للتدخين، أو وجود أقارب أو أصدقاء مدخنين، بالإضافة إلى حالات سوء استخدام العقاقير والكحول، والحالة المادية السيئة. هذه العوامل تلعب دورا في المعاناة من التوتر النفسي كذلك، ومعظم المدخنين يعولون حاجتهم للتدخين إلى أنه يساعدهم في الاسترخاء والتعامل مع التوتر.
يصل معدل التدخين في المملكة المتحدة إلى الضعف لدى البالغين الذين يعانون من الاكتئاب مقارنة بغيرهم. يعاني المصابون بالاكتئاب من صعوبات استثنائية في الاقلاع عن التدخين وتكون أعراض الانسحاب لديهم أكثر حدة من المعتاد، يعود ذلك إلى انخفاض مستوى الدوبامين في طبيعة الحال لدى هؤلاء، فهم قد يلجؤون إلى التدخين كطريقة مؤقتة لرفع مستواه لديهم. يعمل التدخين عند هؤلاء على إيقاف آلية إنتاج الدوبامين الخاصة بالدماغ والاعتماد على الأثر الذي يحدثه التدخين في الحصول عليه، وبهذا وعلى المدى الطويل يتراجع إنتاجه، مما يدفع هؤلاء إلى المزيد من التدخين.
المصادر:
هنا
مصدر الصورة:
هنا