المؤشر: درجتان تفصلنا عن الكارثة
العمارة والتشييد >>>> التصميم المعماري
(Carl Sagan، The Demon Haunted World)
إن تغير المناخ والمخاطر المتعلقة به، هي حقيقة لا جدال فيها بالنسبة للمجتمع العلمي، ما يتم مناقشته هو الفروق حول الوقت والشِدّة، وليس الأساسيات. فكيف يمكن للعمارة المساعدة في الحد من تغير المناخ. لنتابع الإجابة في هذا المقال.
إعصار ساندي أوضح بشكل مؤلم الآثار المميتة الناجمة عن تغير المناخ. في الواقع، كان الإعصار تذكيراً قوياً جداً بما يعني تغير المناخ بحيث أنه لعب دوراً حاسماً في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية.
في الولايات المتحدة تحدد هذه القضية الانقسامات السياسية. ويظهر استطلاع مركز بيو للأبحاث (Pew Research Center) في عام 2012 أن 85٪ من الديمقراطيين يعتقدون أن تغير المناخ هو حقيقة علمية، في حين أن 48٪ فقط من الجمهوريين يعتقدون ذلك. ويظهر استطلاع آخر للرأي أن 68٪ من الأمريكيين يعتقدون أن تغير المناخ هو مشكلة خطيرة و38٪ تعتقد أنها مشكلة خطيرة جداً.
تأثير ساندي قد لعب دوراً في تعزيز هذه الأرقام ولكن لا يوجد حتى الآن حسم في المشكلة خاصةًعندما يعتقد ما يقرب من 30٪ من السكان أن تغير المناخ ليس حقيقية. لأولئك الذين يقطنون خارج الولايات المتحدة هذه هي الإشارة الخاصة للبدء بالتنهد والقول يا للأمريكيين الأغبياء.
. رأي الاتحاد الأوروبي يروي قصة أخرى. ففي مقالٍ نشرته صحيفة الجارديان نقلاً عن استطلاع يوروباروميتر الجديد، " أن الأوروبيين يخشون تغير المناخ أكثر من الاضطراب المالي". يظهر هذا الاستطلاع ان 68٪ يعتبرون تغير المناخ واحداً من أكثر المشاكل الخطيرة التي تواجه العالم. حيث يعتبرون تغير المناخ في المرتبة الثانية بعد الفقر.
في حين أن عامة السكان أحرار في مناقشة ما إذا كان تغير المناخ حقيقياً، فإن المجتمع العلمي، وبالنظر إلى الأدلة، يتعامل مع حقيقة لا جدال فيها أن النشاط البشري يغير المناخ. ما يتم مناقشته هو الفروق حول الوقت والشِدّة، وليس الأساسيات. وما تظهره الأساسيات هو أننا يمكن أن نتوقع أن تصبح الظواهر الجوية المتطرفة مثل ساندي أكثر شيوعاً، إن لم تكن بالفعل قد أصبحت.
ما نتحدث عنه عند ذكر تغير المناخ هي الآثار المترتبة على زيادة في درجة الحرارة العالمية بمجرد درجتين. هذا هو كل ما يلزم لإخراج " سفينة الفضاء" الأرض تماما عن التوازن البيئي. بعض العلماء يعتقدون أنها نقطة اللاعودة. وفقاً لناسا فقد زدنا بالفعل درجة الحرارة بما يقرب من 1.5 درجة ونقترب بسرعة من نقطة الدرجتين الحاسمة. وفقا لبحث أجراه معهد جودارد لدراسات الفضاء (Goddard Institute for Space Studies) التابع لناسا:
"متوسط درجة حرارة سطح الأرض العالمي قد ارتفع بالفعل 0.8 درجة مئوية منذ عام 1880، ويزداد سخونة الآن بمعدل أكثر من 0.1 درجة مئوية كل عشر سنوات. الدافع الأكبر وراء هذا الارتفاع هو زيادة الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، خاصة ثاني أكسيد الكربون، المنبعث من حرق الوقود الأحفوري في محطات توليد الطاقة وفي السيارات والصناعة. مع ثبات المعدل الحالي لحرق الوقود الأحفوري، فإن تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي سيكون قد تضاعف عمّا كان عليه في العصور ما قبل الصناعية بحلول منتصف هذا القرن. ومن شأن مضاعفة ثاني أكسيد الكربون التسبب في ارتفاع درجات الحرارة في نهاية المطاف عدة درجات ".
على ما يبدو أن الأرض أكثر حساسية مما كنا نتصور سابقاً. تغييرات طفيفة يمكن أن تخرجها عن توازنها. استناداً إلى سجل المناخ القديم، أو تاريخ تغير المناخ من خلال العصور المختلفة، فقد حُدِّدَ أن زيادة الدرجتين ستكون "وصفة لكارثة". وخلال العصور السابقة التي تميزت بتغير المناخ، ظل تذبذب درجات الحرارة داخل درجة واحدة. وفقا لاستنتاجاتهم، زيادة الدرجتين في درجة الحرارة يمكن أن "تحرك الأرض أقرب إلى ظروف العصر البليوسيني (The Pliocene Epoch)، عندما كان مستوى سطح البحر في حدود 25 مترا أعلى مما هو عليه اليوم". وعلاوة على ذلك، أنهم لاحظوا كيف أن ارتفاع درجة واحدة سينتج 20 متر من ارتفاع مستوى سطح البحر. وكانت أمواج ساندي بارتفاع 3-4 متر.
الشيء الآخر المثير للاهتمام حول هاتين الدرجتين السحريتين هو أنهما يدفعان القدرة على التنبؤ بالمناخ إلى منطقة غير مستقرة. استنادا إلى سجل مناخ الأرض فإن زيادة الدرجتين لم تحدث أبدا من قبل لذا لا نملك سوى القليل من الأدلة للتنبؤ بالتغييرات وإلى أي شدة ستكون. خلاصة القول، أنهم لا يعرفون ماذا سيحدث، لكنهم يعتقدون أنها يمكن أن تكون سيئة، ليست نهاية العالم سيئة، ولكن مع ذلك سيئة. ستكون الحياة غير مريحة بشكل كبير على كوكبنا. وسيعي أبنائنا وأحفادنا بالتأكيد حقيقة تغير المناخ.
فلماذا لم نستمع إلى آل غور في المرة الاولى ونتخذ المزيد من الخطوات الفورية لمنع هذا؟ في الواقع، لماذا لم نستمع ونثق بالعلماء الذين قرعوا أجراس المناخ منذ القرن التاسع عشر؟
حسناً، أين يقع دور العمارة في كل هذا؟ كما يشير موقع العمارة 2030 (architecture2030.org)، فإن قطاع البناء هو المشكلة وقطاع البناء هو الحل. في الولايات المتحدة، تستهلك المباني 75.7٪ من إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة هناك لتشغيلها وبنائها (تأتي 44.9٪ من هذه الطاقة عن طريق حرق الفحم). كما أنها تستهلك 48.7٪ من إجمالي الطاقة المنتجة. وهي أكبر مساهم في تغير المناخ، ينبعث منها 46.7٪ من انبعاثات CO2.
دعونا نكرر ذلك: المباني هي أكبر مساهم في تغير المناخ. ألا يجعلك هذا تشعر بالرضا عن عملك كمعماري أو مهندس مدني؟
بينما يمكنك أن تشعر بالرضا عن منظمات مثل 2030، و المجلس الأمريكي للأبنية الخضراء (USGBC)، بما لديها من تصنيفات الريادة في تصميمات الطاقة والبيئة (LEED) للمباني الخضراء، والمتطورة أكثر من أي وقت مضى، والكودات الخضراء من خلال مجلس الكود الدولي (International Code Council). فإن علم تغير المناخ يطالب بتحركات أكثر جذرية وعمقاً بعيداً عن العمل كالمعتاد. قد لا يكون عندنا من الوقت حتى عام 2030. ووفقا لمنظمة السلام الأخضر، لمنع الضرر المحتمل الذي لا رجعة فيه، ينبغي أن تبلغ انبعاثات CO2 ذروتها عام 2015 ثم تنخفض بشكل مطرد. بعض علماء المناخ يعتبرون عام 2020 عتبة حرجة.
مهما كانت التواريخ، تحتاج العمارة للعمل بشكل أسرع مما كانت عليه. للقيام بذلك لا بد من أن تصطف العمارة مع الحكومات وأن تكون مخولة بموجب القوانين وكودات البناء لجعل التعديل في المباني والمباني الجديدة هي مباني خضراء. هذا صحيح.
هل هناك حقا أي سبب يمنع العمارة من أن تصمم المباني الخضراء فقط ، بغض النظر عن الجماليات؟ ألا ينبغي أن تكون جميع المباني التي تراها خضراء؟ لا أن يكون لديهم بعض "المباني الخضراء" التي نحبها كلنا.
في ضوء الحاجة الملحة المحيطة بتغير المناخ، ينبغي أن تكون الاستجابة المنطقية الوحيدة للهندسة المعمارية هي عدم تصميم أية مبان غير المباني الخضراء. نقطة انتهى. ما هو البديل؟ بالطبع ليس البناء السام والملوث والمستهلك للطاقة بشكل كبير! لماذا لا نزال نشيد المباني قديمة الطراز مع المواد والتكنولوجيات البائدة؟ أليس هذا كما لو فامت ديترويت بإعادة انتاج نموذج T مرة أخرى وكان القول، هذا ما فعلناه دائماً وهذه هي الطريقة التي نعمل بها، هذا ما وجدنا عليه آباءنا وأجدادنا؟
نعم، يمكننا أن نلوم المطورين العقاريين والعملاء. حسنا لكن ماذا ينبغي لنا أن نفعل؟ أنظمة التصنيف الاختيارية لا تعمل بسرعة كافية حيث يمكن للمطورين العقاريين والعملاء الانسحاب. لزيادة التصاميم الخضراء والمباني الخضراء يجب تعديل السياسات على المستويات الاتحادية والولايات وعلى المستويات المحلية بالتنسيق مع الهيئات الهندسية ومنظمات الكودات. بشكل أساسي، ينبغي أن يكون من غير القانوني بناء أي شيء غير المباني الخضراء.
يجب على الحكومة أن تلعب دورا محوريا في مساعدة تحفيز عملية الانتقال من خلال تخفيض أسعار الفائدة وإعطاء حوافز ضريبية. يفعلون هذا بالفعل قليلا من خلال برامج مثل ستار للطاقة (Energy Star)، ولكن عليهم مواصلة الدفع والاستثمار أكثر. أمن أحد يتذكر حلم الاقتصاد الأخضر من عام 2008؟ إن تكاليف تغير المناخ قد تكون أكبر بكثير مما هو مطلوب لتحفيز ثورة المباني الخضراء الحقيقية لتكون الوضع الطبيعي الجديد.
صدمة قطاع البناء يمكن أن تُخَفًّف بواسطة جرعة صحية من، وهل أجرؤ على القول، الاشتراكية أو حكومة تقدمية. نعم، نحن نذهب مرة أخرى إلى أن فكرة الاقتصاد الأخضر، أو صفقة خضراء جديدة، ولكن حالة الطوارئ في تغير المناخ التي نواجهها قد تكون مجرد شيء لتحفيز هذا الانتقال. قد يكون هذا أيضا شيء لتحفيز العمارة في طريقها للخروج من الركود العالمي.
صمم المبنى الأكثر استدامة في كل مرة. صمم أصح بناء في كل مرة. صمم للحد الأقصى في كل مرة. ينبغي أن يكون من المستحيل أن تفعل أي شيء أقل من ذلك. ساندي يطالب بذلك الآن.
كيف يمكنك أن تتصور استجابة أكثر عدوانية للعمارة مع تغير المناخ؟ هل يمكن للمهندسين المعماريين والمدنيين أن يكون لديهم تأثير كبير؟
المصدر:
هنا