البيانات الكبيرة تهزم السرطان
المعلوماتية >>>> علم البيانات
وقد أثبتا وجهةَ نظرِهِما بعدَ ثلاثةِ عقود، وذلك عندما تمَّ تشخيصُ «كاثي» بالمرحلة الثالثةِ من سرطان الثدي وذلك في عامها التاسعِ والأربعين. وبما أن «جون» هو المديرُ المسؤولُ عن تكنولوجيا المعلومات في مستشفى بوسطن والمشهورةِ بإبداعها وتقدُّمِها التقني، فقد ساهمَ في حصولِ زوجته على أفضلِ علاجٍ ممكن. ولكن هذا لا يعني حصولَهُ على أحدثِ الأدوية والعملياتِ الجراحية، بل قام بالتخطيط مع الأطباء لعلاجِها بمساعدةِ أدوات البياناتِ الكبيرة، والتي قام «جون» حديثاً بابتكارها بمساعدةِ زملائه في العمل.
استلمت كاثي تشخيصَها في كانون الأول من عام 2011. أدّى النموُّ السريعُ للورم الخبيث إلى إطلاق بعض الخلايا الضارة إلى عقدها اللمفاوية، ولكنَّ السرطانَ لم ينتشر إلى حدٍّ أبعد. كان المعيارُ الأساسيُّ للعنايةِ ليكونَ العلاجَ الوقائيَّ، والذي يتمثّلُ في إزالة أحد الثديين أو كلاهما، ويلي ذلك العلاج الكيميائي.
ولكنَّ جون، كمديرِ تقنيةِ المعلومات في مركز BIDMC وأستاذٍ في كلية الطب في جامعة هارفارد، كان له دورٌ فعّال في ابتكار منصةٍ مفتوحةِ المصدر تُدعى المعلوماتية من أجل دمج علم الأحياء والطب السريري أو i2b2.
بدأت عدةُ مستشفياتٍ في بوسطن ببناء هذه المنصة عامَ 2004 لتمكينِ الباحثين من الاستعلام عبرَ قواعد بياناتٍ واسعةٍ تحوي السجلاتِ الصحيةَ الإلكترونيةَ للمرضى، والسماحِ لهم بدراسة نتائج العلاجات والعثور على مواضيعَ تخص التجارب السريرية. وبعد سنوات قليلة، استخدمت خمسةُ مستشفياتٍ تابعة لجامعة هارفارد منصةَ i2b2 لابتكار أداةِ بحثٍ قويةٍ أُطلق عليها اسمُ الشبكة المشتركة لمعلومات أبحاث الصحة (Shared Health Research Information Network)، والتي ربطت قواعدَ البيانات الموجودة في المستشفيات الخمس.
في عام 2008، كانت هذه الأداةُ محاولةً لإثبات فكرة الأطباء بأهميتها لعلاج المرضى، ولكن بحلول الوقت الذي تم فيه تشخيص مرض «كاثي»، كان بإمكانهم استخدامُ هذه الأداة للتدقيق في سجلات 6.1 مليون مريضٍ للحصول على المعلومة القيّمة.
يشرح «جون» أن أداةَ البحث هذه تسمحُ للأطباء بالبحثُ عن المرضى الذين لديهم ميزات أو خصائص مشتركة، ويتم الحصول على النتائج بشكل لا ينتهك قوانين خصوصية المريض. عندما كان فريق العلاج الخاص بـ«كاثي» يخطط لعملية العلاج، قاموا بالبحث عن حالات سابقةٍ مشابهةٍ لحالتها، "كالبحث عن النساء الآسيوات في عمر الـ50 والذين تمت معالجتهم في المرحلة الثالثة من سرطان الثدي" و"ما هي الأدوية التي تم استخدامها؟ وما كانت النتائج؟".
أدّى استخدام استراتيجية البيانات الكبيرة إلى علاجٍ غيرِ عادي لـ«كاثي» إلى حدّ ما. فقد قررت هي وأطباؤها الامتناعَ عن إجراء جراحة، وبدلاً من ذلك استهدافَ الخلايا السرطانية الحساسة للإستروجين بالأدوية الكيميائية. تقول كاثي: "بحلولِ دورة العلاج الكيميائي الثالثة، لم يعد باستطاعة الأطباء استشعارَ الورم السرطاني من خلال تحسسه باليد" وتضيف: "بحلول الوقت الذي انتهيت فيه من العلاج الكيميائي، ظن الأطباء في قسم الطب الإشعاعي أنه قد تم خداعهم". بكل بساطة لم يرَ المختصون الورم السرطاني على شاشات المسح الخاصة بهم!
خضعت «كاثي» لعملية استئصال الورم في شهر أيار 2012، ولا زالت تتعاطى الأدويةَ التي تمنع إنتاجَ هرمون الإستروجين.
بحسبِ آخرِ إحصاء، تم اعتمادُ منصةِ i2b2 في أكثر من 100 مؤسسةٍ طبية حول العالم. وفي دراسةِ حالة عام 2014، تم وصفُ هذه المنصةِ بالهيكل الأساسي لبيانات الأبحاث السريرية والتي ترتكز على السجلات الصحية الإلكترونية الأكثر استخداماً في العالم.
أثبتت أداةُ البحث SHRINE مفتوحةُ المصدرِ شعبيتَها بين الباحثين في الولايات المتحدة وأوروبا، إذ يتمُّ توظيفُها في مراقبةِ الصحة العامة وذلك في الزمن الحقيقي (أي أن البيانات يتم تحديثها بشكل آني)، وكشفِ الآثار الجانبية الضارة لمختلف أنواع الأدوية، والاستفسارِ والتحقيقِ في مواضيعَ طبيةٍ مختلفة.
كما تقوم حكومة الولايات المتحدة الآن بتمويلِ الأبحاثِ باستخدام SHRINE لإيحادِ متطوعين من أجل التجارب السريرية.
كما لم يقتصر عملُ «جون» وزملائه على التعامل مع مخاوف وقلق المستشفيات حول خصوصية المرضى، ولكن كان عليهم إقناعُ المؤسساتِ الطبية المتنافسة على تبادل قواعد بياناتها الخاصة فيما بينها (والتي تعتبر ملكية فكرية قيّمة).
كما واجهت المستشفيات والمؤسسات تحدياتٍ تقنيةٍ للبحث في قواعدَ بياناتٍ تختلف عن بعضها بالبنية والهيكلية العامة وتُخزِّنُ السجلاتِ الطبيةَ بصيغ مختلفة. كل هذه المشاكل دفعت مطوري SHRINE إلى تفضيلِ استخدامِ معمارية الند للند على جمع المعلومات في سجل مركزي واحد. فباستخدام معمارية الند للند، تقومُ كل مؤسسة بالسيطرة على سجلاتها وتحويل الاستدعاءات الواردة إليها إلى الصيغة المناسبة لقاعدة بياناتها الخاصة.
والآن، وبعد أن أثبتت أدواتُ البحث قيمتَها وأهميتَها، يتوقع «جون» من العديد من المؤسسات أن تعترف بها كالخطوة القادمة الطبيعية في مجال الطب الرقمي. ويقولُ أن هذه السجلات الصحية الإلكترونية التي تجمع بياناتِ المرضى بصيغةٍ إلكترونية أصبحت أدواتٍ لدعم القرار وإدارةِ الصحة.
توضح حالة «كاثي» هذه المرحلةَ الانتقالية للطب. لقد تم إجراءُ التصوير الأولي لها وتشخيص حالتها في مستشفى لا يشكل جزءاً من مشروع SHRINE، وعندما انتقلت إلى مركز رعاية السرطان، اصطحبت معها CD يحوي صورَ الأشعة السينية للثدي والسجلاتِ الأخرى الخاصة بها. لم يتمكن المستشفيان الخاصان بها من تبادل المعلومات عن طريق البريد الإلكتروني، ناهيك عن البحث في قواعد بيانات بعضهما البعض.
ولكن بعد قرابة العام، التقى «جون» و«كاثي» مع مدير «ماساتشوستس» للاحتفال بتدشين وإطلاق (Mass HIway (Health Information way، وهي قاعدةُ بياناتٍ تتيحُ تبادلَ المعلوماتِ الصحيةَ بين المستشفيات والأطباء والمختبرات والصيدليات ومنظمات الرعاية الصحية الأخرى بشكل آمن، وقد قاموا بإرسال بيانات «كاثي» الطبية عبرها كأولِّ شخص تُرسل بياناتُه عبر الشبكة.
يتيحُ إنشاءُ مثلِ هذه الشبكات الوصولَ إلى طبٍّ أكثرَ ذكاء واستجابة. في نظام الطب الجزيئي اليوم، قد يستغرق تطورٌّ ما في علاج رئيسي من 10 إلى 20 عاماً حتى يصبح موجوداً في كل مكان، يقول «جون». ولكن الربطَّ والمقاطعةَ بين سجلات المؤسسات يمكن أن يسرّع من عملية نشر المعرفة.
إذا كانت بإمكانِ أدواتٍ مثل SHRINE أن تنمو وتتوسعَ باستخدام قدراتِ معالجةِ اللغة الطبيعية، بالتالي ستكون قادرةً على استخراج ملاحظات الأطباء غير المنظمة من النصوص والتقارير. كمان أنَّ أدواتِ الاستعلام يجب أن تكونَ جاهزةً من أجل البيانات الكبيرة وذلك لتصبح أكبر.
لقد انخفضت تكلفةُ فحصٍ كامل لجينيوم واحد إلى حوالي 1000 دولار أميركي، مما يعني أن السجلاتِ الطبيةَ ستكون قريباً ممتلئةً بالتسلسل الجيني الرقمي للمرضى. يبقى أن نرى كم ستكونُ البيانات مفيدةً من أجل أغراض البحث العلمي أو الخطط العلاجية المخصصة وذلك بمجرد أن تصبح ضمنَ قواعدِ البيانات. يساعد «جون» كبارَ بائعي السجلات الإلكترونية على إنشاء واجهاتٍ آمنة لشركات البرمجيات الذكية، مما يساعد على بناء تطبيقاتٍ للعمل مع بائعي السجلات الطبية.
ومع مرور المواسم، تستمر فحوصاتُ «كاثي» للحصول على شهادةٍ صحية نظيفة، وسيتمُّ تسجيلُ تفاصيلَ النتائج في سجلاتها الصحية الإلكترونية. هذا يعني أن حالتها ستكون جزءًا من البيانات التي سوف تساعد يوماً ما في علاج امرأة آسيوية تبلغ من العمر 49 عاماً في المرحلة الثالثة من سرطان الثدي.
---------------------------
المصدر:
هنا