يلى ومجنونُها، عندما يتحوّل الجنونُ إلى أصلِ الإبداعِ والحب
الفنون البصرية >>>> فن وتراث
كتب كنجوي منظومته امتثالاً لأمر أصدره حاكم شروان " اخستان بن منوجهر"، حيث نظمها فيما لا يزيد علـى أربعـة آلاف وخمسمئة بيت في أقل من أربعة أشهر وكانت متقنة لدرجة أنها أصبحت تقلد من بقية شعراء الفارسية والتركية واشتدت المنافسة بينهم ليكون عملهم الأجمل، إلا أن منظومة كنجوي بقيت الأشهر والأجمل بينهم.
بدأ كنجوي منظومته بمقدمة عن التوحيد مع ذكر الأسباب، ثم كتب توجيهات ونصائح لابنه بأن أفضل عمل ممكن أن يعمل به هو كتابة الشعر.
ثم بدأ قصته عن منطقة جميلة يحكمها ملك عامري، ولكن لم يكن لهذا الملك ابن لكي يحكم بني عامر من بعده. فلجأ الحاكم إلى الله سائلاً إياه أن يرزقه بولد، فاستجاب الله لدعائه ورزقه ابنه " قيس" . نشأ قيس نشأةً مرهفةً، وعندما أصبح في العاشرة من عمره أدخله والده في المدرسة. تعرف قيس على زملاءه وأصبح لديه أصدقاء ومنهم "ليلى"، والتي مع الوقت أخذ يتعلق بها وبدأ يحبها وتطور هذا الحب حتى أصبح أسيراً له وبدأ يؤثر على تصرفاته. لاحظ زملاؤه تصرفاته وبدأوا يلقبونه بالمجنون.
انتشرت قصتهم بين الناس فقد لاحظ الجميع العلاقة بينهما وبدأت تتناقله الألسنة، وعندها قام أهل ليلى بمنعها من مقابلة قيس. زاد هذا الأمر من لوعة واشتياق قيس فبدأ يتنقل بين الوديان ويكتب الشعر، وكان إذا توجه صوب حيّها، قال: "يا شمع أسرار الروح، رفقاً بفراشة روحي حتى لا تحرق بنارك، أنت الدواء لدائي، والمرهم لجرحـي، قـد أصابتنا العين ففرقتنا ".
آلمت حالة قيس أباه فذهب ليخطب له ليلى، لكن أهلها رفضوه لأن علامات الجنون بدأت تظهر عليه. فقرر أبوه أن يزوجه غيرها لكنه رفض وقرر أن ينزوي في الصحراء. ومع ازدياد ولهه وجنونه قرر والده أن يأخذه للحج وعندما وصل قال: " يا رب بعزة ربوبيتك وجلال ألوهيتك اجعلني أبلغ أقصى درجات العشق حتى يبقى ... امنحني النور مـن عين العشق ... فيا رب هبني في كل لحظة ميلاً أعظم إلى ليلى، وخذ ما ما بقي من عمري وزد فـي عمرها."
أما ليلى فكانت حالها كحال محبوبها، تتلوى شوقاً عليه. فكانا يتراسلان شعراً فيخرجان أجمل الأشعار. وفي يوم من الأيام رأى ليلى شاب من قبيلة بني أسد فأعجب بها وتقدم لخطبتها فوافق والدها. وفي هذه الأثناء تقدم شخص من وجهاء العرب يدعى "نوفل" بمساعدة قيس بالمال والحرب. وعندما رفض والد ليلى المال قام نوفل بأسره ولكنه أصر على موقفه وهدد بقتل ابنته ليتخلص من هذا العار. عندها شعر نوفل أنه لا فائدة من محاولة إقناعه بعدول رأيه فأطلق سراحه. وأرغمت ليلى على الزواج من الشاب الذي يريده والدها وعندما حاول أن يقترب منها صدته قائلة: "أقسم بخالقي الذي صورني على هذا الجمال لن تنال مني غرضاً وإلا أرقت دمي بسيفك ".
تأثر والد قيس بلوعة ابنه ونزل به المرض فمات، واستمر حال قيس بالانتقال من مكان لآخر، ومرّ بديار ليلى التي كانت تقيم بها قبل زفافها فوجد ورقة قد خط عليها اسمه مقروناً باسـم محبوبته، فمحا اسم ليلى وأبقى على اسمه. وعندما سأل عن ذلك قال: "لقد اتحدنا فصرنا قلباً واحداً، ومن الأفـضل أن يرمز لنا بشخص واحد".
اعتاد قيس حياة الصحراء مع الوحوش وألفته وأحبته وكان إذا ما سار سارت حوله مشكلة صفين وكأنها تحرسه. في يوم من الأيام زاره خاله فوجده جائعاً وممزق الثياب، حيث كان يحمل إليه طعاماً ولباساً ولكن قيس ألقى بالطعام للوحوش الملتفة حوله وقال لخاله أنه راضي بما تعطيه إياه الطبيعة من الطعام مثله مثل الغزلان. تعجب خاله منه كثيراً وقص عليه قصة تدل على القناعة والزهد في الحياة.
وبعد فترة من الزمن طلبت ليلى من شيخ من شيوخ منطقتها أن يرتب لها لقاءاً مع قيس وذلك في مزرعة نخيل. استجاب قيس للقاء وحضر بحراسة صفين من الوحوش، وعند رؤية بعضهما عند بستان النخيل أمام خيمة ليلى، تأججت مشاعرهم وقال للشيخ: " لن أستطيع التقدم أكثر من هذا، وإلا احترق شمع وجودي على رؤية نورها". وعندما انتهوا من الحديث غلب المجنون الوجد فهام في الصحراء بينما عادت ليلى أدراجها إلى الدار.
Image: https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/0/09/Layla_and_Majnun.jpg/800px-Layla_and_Majnun.jpg
صفحة من صفحات المنظومة تمثل لقاء المحبوبين الأخير، وتُعطي الخيمتان بمنتصف الصورة والسماء الليلية في الخلفية إحساساً بمكان وزمان القصة.
وسمع شـاب ثـري يدعى "سلام " قصة المجنون وكان هو الآخر عاشقاً مثله فتوجه إلى دياره ومكث معـه فتـرة يـسجل أشعاره، وعندما أشار "سلام" على قيس بالابتعاد عما هو فيه قال قيس: " لا تظن أني ثمل، وأني صريع الهوى، بل إنني سيد مملكة العشق، لقد تجردت من أسباب المادة والشهوات... فالعشق الطاهر خلاصـة الوجود. "
وبعد فترة مات زوج ليلى فبقيت هي في منزلها؛ لأن من عادة العرب أن تلتزم من مات زوجها لمدة في منزلها قد تصل إلى عامين، فمرضت وتوفيت، وعندما علم قيس بذلك جاء قبرها وبقي ينتحب حتى مات، فدفن مع ليلى، وهكذا ناما بالحب إلى النهاية، فقد حرما الراحة في الدنيا لذا نالا مرادهما في الآخرة. ويختم كنجوي المنظومة بمدح حاكم شروان الذي قدم لـه هذه الفرصة لرواية هذه القصة.
المصادر:
هنا
هنا
هنا