مراجعة رواية (أخويّة اليقظانين): عندما تصبح الفكرة أقوى من كراهية التّاريخ
كتاب >>>> روايات ومقالات
حيث كانت مدن الأندلس منبع الفكرِ الذي كان ينتشرُ في كلِّ مكان حولها لتُنير العصرَ المظلمَ ذاك بمصابيحٍ من ذهب لم تخبو حتى الآن .
وفي غفلةٍ عن أعينِ الرُّقباء، يبدأ هذا الإنسجام بالخبو ويحلُّ بدلاً عنه التّسلط على بقية الأديان، بعدما وصل المرابطون لحكمِ مدن الأندلس والمغرب، فيبدأ عصرٌ جديد على الأندلس، فقدت به القسم الأكبر من علمائها و تنوّعها الثقافي و الديني نتيجةَ هربِ هؤلاء من قسوة حكامها الجُدد وبطشهم، كالفيلسوف اليهودي "ميمونُ بنُ عباد" الذي بدأ رحلة التشرد والضياع إلى طليطلة ومراكش و سبتة مع ولديه علماً أن أحدهما يُعدُّ أحد أهمِّ فلاسفة عصره وهو "موسى بن ميمون" وانتهى بهم الأمرُ بالوصول إلى "فاس" مدينة "محمد ابن رشد"، التي ما زالت مُحافظةً على انسجامها وتآلفها، ليتقاطع فيها دَربُ موسى مع ابن رشد في رحلةٍ للبحث عن حقيقةٍ ضائعة عبر القرون كان الموت نصيب كل مَن يقترب منها حتى الآن، هي حقيقة آمن بها أرسطو منذ مئاتِ السنين وما زال أتباعهُ يؤمنون بها ويحمونها ويذودون عنها، فهي الحقيقة التي أقرّتها النُخبة وعليهم حمايتها من العامّة التي تؤمن بحقيقتها المنفصلة عنها.
تلك الحقيقة التي وضعها "أرسطو" في كتابٍ أطلق عليه إسم الأبديّة المُطلقة، وقد حاول كُثرٌ الحصول عليها ولكن دون جدوى، حيث كان آخِرَهم الفيلسوف ومُستشار الحاكم "ابن طفيل" والذي بدورهِ ألّف كتابهُ الشَّهير "حي بن يقظان" لكي يتقرب من الأخويّة ويحصلَ على الكتاب الذي زرع الموت أينما حل، ولكن الكتاب ما زال يُدافع عن نفسه وعن مكانهِ بانتظار انتصارِ العقل على الهمجيّة، لكي يَخرجَ من مخبئهِ فتكون الحقيقة بين أيدي كلِّ الناس. فيضع "ابن طفيل" بذلك "ابن رشد" أمام مهمّةٍ صعبة بل تكاد تكونُ مستحيلة، فالموت ينتظره في حال فشله والحقيقة المطلقة ستكون بين يديه في حال نجاحه، ليَدخُلَ بذلك هذا الاختبار إلى جانب "ابن ميمون" الذي يُشاطره الحُلم والفِكر والعقيدة العلميّة، فتبدأ رحلتهما في البحث عن إجابة علمية فلسفية للوجود..
تندرجُ رواية "أتلي" ضمن الرواية التاريخية ،حيث تأخذنا في جولةٍ رائعة بين مُدنِ الأندلس المختلفة وتُقدّمُ لنا مدنها وحدائقها وتنوع سكانها واختلافاتهم، و أيضاً تذهب بنا إلى "المغرب" ومدنه ويتفرّد بمدينة فاس التي امتلكت أعظم جامعة في تلك الحِقبة، إضافة إلى احتفاظها بغِناها الثقافي على الرغم من حكم المرابطين لها، ويقدّم "أتلي" العديدَ من الحوارات الفلسفية بين شخصيات روايته عاكساً لنا الحقبة الذهبية من الفكر والإبداع العربي في الأندلس، في وقتٍ كان الظلام يهيمن فيه على بقيّة العالم.
"جاك أتلي" كاتبٌ فرنسيٌّ حائز على الدكتوراه في الاقتصاد وهو عضو في الأكاديمية الثقافية العالمية في باريس وَشغلَ منصب المستشار الخاص للرئيس الفرنسي بين عامي 1981-1991 .
معلومات الكتاب:
الكتاب: أخوية اليقظانين
تأليف: جاك أتلي
ترجمة: محمد عبد الكريم إبراهيم
دار النشر: دار علاء الدين. دمشق
نوعية الكتاب: 335 صفحة قطع متوسط.