مراجعة كتاب (متعةُ القراءة): المتعةُ المتناهيةُ
كتاب >>>> الكتب الأدبية والفكرية
العنوانُ جذَّاب، وفيه ما فيه مِن إثارةٍ لمشاعرِ جمهورِ القُرَّاء، وأذكرُ أنني عندما رأيتُ الكتابَ -وعلى غيرِ عادتي- اقتنيتُه مِن دونِ أنْ أتصفَّحَ محتواه، وهذا خطأٌ نادرًا ما أقعُ فيه، وقد خابتْ ظنوني؛ فالكتاب جيِّدٌ، ولكنه أتى دونَ توقُّعاتي الكبيرة.
جاء الكتابُ ضمنَ أربعةِ فصول؛ (ولادةُ الكيمائيّ)، و(يجبُ أنْ تقرأ)، و(التشجيعُ على القراءة)، وأخيرًا (ما الذي سيقرَؤُه الآخرون؟).
دعْكَ عزيزي القارئَ مِن العناوين؛ فهي –برأيي- لمْ تعبِّرْ عن المحتوى، الذي جاء بين المتوسِّطِ إلى الجيِّدِ أغلبَ الأحيان، وكان يتضمَّنُ محاولاتٍ دائمةً لإيصالِ رسائلَ خاصةٍ إلى الكِبار؛ إلى الآباءِ والأمَّهاتِ والمعلِّمينَ في المدارس، مُفادُها أنْ لا تُجبِروا صغارَ السنِّ على القراءةِ بطُرقِكُم التقليديَّة، اتركوا لهم كاملَ الحريةِ في اختيارِ قراءاتِهم؛ «ففعلُ (قرأ) لا يحتملُ صيغةَ الأمر، وهو اشمئزازٌ تشاطرُه إياه عدةُ أفعالٍ أخرى؛ كفعلِ (أَحَبَّ)، وفعلِ (حَلَمَ)». القراءةُ يكونُ تعلُّمُها في المدرسة، أما حُبُّ القراءةِ فأمرٌ لا يتولَّدُ إلا مِن إحساسٍ داخليٍّ يؤمِنُ بأهميةِ هذا الفعل.
يهدفُ المؤلِّفُ أيضًا إلى انتهاجِ البساطةِ والواقعيَّةِ في تناوُلِنا للقراءة؛ فالكاتبُ والقارئُ والكتاب: رموزٌ بسيطةٌ لفعلٍ عظيم (فعلِ القراءة)، ولا ينبغي علينا أنْ نضعَ هذه العناصرَ ضمنَ هالاتٍ مِن القدسيَّةِ تُبعِدُها عنّا.
ويتناولُ المؤلِّفُ الحُجَّةَ الأزليَّةَ التي يتمسَّكُ بها معظمُ الذين لا يقرَؤون، وهيَ: «لا وقتَ لديَّ للقراءة!»، فلهم يقول: «إنَّ وقتَ القراءةِ وقتٌ مختلَسٌ دائمًا، كوقتِ الحُبِّ تمامًا؛ فزمنُ القراءةِ كزمنِ العشق؛ يَزيدُ مِن طولِ زمنِ العيش. لمْ يكن لديَّ الوقتُ للقراءةِ قطّ، لكنْ لمْ يستطعْ شيءٌ أنْ يمنعَني عن إنهاءِ روايةٍ أحببتُها. لا تَخضعُ القراءةُ لتنظيمِ الوقتِ الاجتماعيّ، بل هي كالحُبّ؛ أسلوبُ حياة. ولا يَكْمُنُ السؤالُ في معرفةِ هل لديَّ الوقتُ للقراءةِ أمْ لا، بل في معرفةِ هل سأمنحُ نفسي سعادةَ أنْ أكونَ قارئًا أمْ لا».
باختصارٍ شديد، فإنّ هذا الكتابَ هو قصيدةُ غزلٍ لفعلِ القراءة، وبوحٌ صادقٌ لما يَعْتَمِرُ في نفسِ القارئِ مِن جَماليَّاتٍ يُوقِدُها النصُّ المقروء، ودعوةٌ مِن القلبِ لمشاركةِ المتعةِ مع مَن لا يقرأ.
معلومات الكتاب:
الكتاب: متعة القراءة.
المؤلف: دانيال بِيناك.
الترجمة: يوسف حماده.
دار النشر: الساقي.
عدد الصفحات: 160 قطع متوسط.