هل قلوبنا مُمنَّعة من الإصابة بالسرطان؟!
الطب >>>> السرطان
هل يمكن لقلوبِنا أن تُصابَ بالأورام؟ وإن كان الجواب بنعم، فلماذا هي بتلك النُّدرة؟ للإجابة عن هذه التساؤلات يمكنكم متابعة مقالِنا التالي:
كان السرطانُ ولا يزال واحداً من أهمِّ المواضيعِ التي تشغل اهتمامَ الباحثين، حيث قامت دراساتٌ لا حصر لها بدراسةِ أسبابِه وكيفيةِ نشوئِه وأماكنِ توضُّعِه، والأهمُّ إمكانياتُ علاجِه بشكلٍ فعَّال. وباستعراض هذه الأبحاثِ ستجد أن تلك التي تتناول سرطانَ القلبِ تقتصر على عددٍ متواضعٍ من الدراساتِ المتفرّقة. فلماذا هذا الغموضُ والنُّدرةُ في الحديث عن هذا الموضوع؟ وهل قلوبُنا فعلياً لا تُصاب بالسرطان؟
بدايةً لا بدَّ من الإشارةِ أنّ كلاً من الأورام البِدْئيةِ (التي تنشأ من أنسجة القلبِ نفسِه) والانتقاليةِ يمكن أن تصيبَ القلبَ، وعلى الرّغمِ من ندرة كليهما فإن الغالبيةَ العظمى من الأورام المكتشَفةِ هي من النوع الثاني، أي عبارةٌ عن نقائلَ ورميةٍ يمكن أن تَرِدَ من البُنى التشريحيةِ المجاورةِ للقلب (كالرئةِ مثلا) أو حتى البعيدةِ عنه، حيث تشُقُّ الخلايا الورميةُ طريقَها إلى القلبِ عن طريق انتقالِها في الدم، علماً أن تلك الأورامَ تصيب عادةً الجانبَ الأيمنَ من القلب (الذي يتلقى الدمَ من مختلف أنحاءِ الجسم). وبالانتقال إلى الأورامِ البدئيةِ فيَغلُب أن تكونَ سليمةً، ويُعدُّ أشيعُها عند البالغين الورمُ المخاطيُّMyxoma ، أما عند الأطفالِ فالأشيعُ هو الورمُ العضليُّ المخطَّطُ Rhabdomyoma (يشاهَد بشكل نموذجيٍّ في سياق تناذُرِ التصلّبِ الحَدَبِي¹ tuberous sclerosis). وتشكل الساركوما الوعائيةُ angiosarcoma النوعَ الأشيعَ بين الأورامِ البدئيةِ الخبيثةِ (الساركوما بشكل عام هي الأورامُ التي تنشأ على حساب النُّسُجِ الرخوة). وفي إحدى الدراساتِ التي شملت تشريحَ جثثِ حوالي 12000 شخصٍ، عُزِلَ من 7 منها فقط ورمٌ بدئيٌّ (بنسبة مئويةٍ تُقدر بأقل من 0.1%).
هنالك ثلاثةُ عواملَ تلعب دوراً في جعل قلوبِنا محصَّنةً نسبياً من الإصابة بالسرطان وهي :
1. طبيعةُ خلايا العضلةِ القلبية
2. نُدرةُ النسيجِ الدُّهنيِّ في القلب
3. الحمايةُ التي يوفرها التامورُ المحيطُ بالقلب.
و سوف نتناول كلَّاً من هذه العواملِ بشيءٍ من التفصيل.
أولاً، تعتبر خلايا العضلةِ القلبيةِ متمايزةً بشكلٍ نهائي أي أنها توقفت عن الانقسام الخَلويِّ ويقتصر نموُّها على الزيادة في حجم الخليةِ وليسَ الزيادةَ في عددها، وهذه السِّمةُ تجعل القلبَ غيرَ قادرٍ على إصلاح أيِّ أذيةٍ نسيجيةٍ، ومن جهة أخرى تجعله مقاوِماً لنشوء الأورام، حيث أنّ هذا الضعفَ في النشاط الانقساميِّ يجعل احتمالاتِ حدوثِ خللٍ في حَرَكيّاتِ الدورةِ الخلوية (التي تشاهَد في سياق نشوء الأورامِ المختلفة) منخفضاً جداً. ومن يرغب بالاطّلاع على مزيد من التفاصيل حول كيفيةِ نشوءِ الخلية السرطانية يمكنكم العودةُ إلى مقالِ "الباحثون السوريون" على الرابط التالي :
هنا
و يرى الدكتور ميتشل غاينور Dr. Mitchel Gaynor، الأستاذُ المساعدُ في جامعة ويل كورنيل Weil Cornell Medical College ، أنّ مورّثاتِنا تلعب دوراً مهماً أيضاً في تفسير ندرةِ الأورامِ القلبية. فكما أصبح معروفاً أن التعبيرَ الوراثيَّ أو الجينيَّ قابلٌ للتعديل خلال الحياةِ وهذا بدوره يلعب دوراً في نشوء السرطان. حيث تلعب البيئةُ المحيطةُ بنا بما تحويه من موادَّ مَسرطِنةٍ موجودةٍ في البيئة أو الأطعمةِ التي نتناولها دوراً مهماً في تفعيل المورّثاتِ أو كبحِها. وقد ظهر أنه حيثما توجد وفرةٌ من النسيج الدُّهنيِّ يمكن أن تتواجدَ العديدُ من المواد السامةِ toxins ² (كما هو الحال في الثدي) وعلى الرغم من كوننا مزوّدين بوسائل دفاعيةٍ لمواجهةِ مثلِ تلك العواملِ المؤذيةِ، كوجود أنزيماتِ نزعِ السمّيةِ والمغذّياتِ زهيدةِ المقدار micronutrients ³ التي تعمل على تفعيلِ مورّثاتٍ كابِتةٍ للورم tumor suppressor genes، إلا أنّ بعضَ السمومِ الخطيرةِ في النسيج الدهني تبقى قادرةً على تعديل المورّثاتِ وفي النهاية نشوءِ السرطان. ومن هنا نرى كيف أنّ فقرَ قلوبِنا بالدُّهنِ وفّرَ لها حمايةً إضافية.
و أخيراً يؤمّن التامورُ (وهو الغشاءُ المحيطُ بالعضلة القلبية) حمايةً لهذا العضو النفيسِ "القلب" (علماً أن التامورَ يمكن أن يُصابَ بدورِه بالأورام).
وبذلك نجد أنه وعلى الرغم من حماقاتِ القلبِ عند الوقوع في الحب إلى أنه يتمتع بذكاءٍ يحميه من الإصابةِ بأكثر الأمراضِ خطورةً وخُبثاً!!
الهوامش:
¹ التصلّب الحَدَبِيّ: مرض وراثي نادر يتظاهر بنُوَب اختلاجية، وتأخّرٍ في النماء والتطوّر، و بعض التظاهرات الجلدية، ونموّ أورامٍ سليمةٍ في الدماغ والقلب وغيرها.
² السموم (أو الذيفانات): toxins مجموعة من السموم العضوية من منشأ نباتي أو حيواني يمكن أن تسببّ أذِيّاتٍ مختلفةً في أماكن وجودها.
³ المغذّيات زهيدة المقدار: مجموعة من المواد الغذائية يحتاجها الجسم بمقادير ضئيلة إلا أن ذلك لا يقلل من أهميتها فهي تلعب دوراً في تأمين النمو والتطور السليم.
مصادر الهوامش:
هنا
هنا
مصادر المقال:
هنا
هنا
هنا
حقوق الصورة :
www.shutterstock.com