القدم السكرية Diabetic Foot
الطب >>>> موسوعة الأمراض الشائعة
في الواقع، القدم السكرية ليست مرضاً بحد ذاته، ولكنها من اختلاطات الداء السكري، أي ما يرافق الداء السكري من اعتلال في وظائف الجسم المختلفة.
يعرف معظمنا -إن لم يكن جميعنا- أن الداء السكري هو ببساطة ارتفاع سكر الدم ويقسم إلى نمطين هما النمط الأول (أو ما يُعرف بالسكري الشبابي) والنمط الثاني (ويُعرف بالسكري الكهلي) ورغم افتقار هذا التعريف إلى الدقة العلمية، لكنه سيكون كافياً لموضوع هذا المقال وسنترك التحدث عن السكري وأنواعه إلى مقالاتٍ أخرى، سنبدأ الآن بصلب الموضوع.
القدم السكرية:
إن ارتفاع سكر الدم يؤدي إلى عددٍ كبيرٍ من التغييرات الجهازية أي التي تصيب أجهزةً متنوعةً في الجسم كالجهازين العصبي والعضلي وتتمثل هذه التغييرات باضطراباتٍ تطال الجهاز الوعائي الدموي، فعندما يرتفع سكر الدم يؤدي ذلك إلى تخربٍ في الأوعية الدموية وخاصةً في الأطراف السفلية، مما يؤدي إلى اضطراب الدوران الدموي فيها، وهذا بدوره سيؤهب للإصابة بالغانغرينا Gangrene (والغانغرينا هي تموت خلوي في بعض أنسجة الجسم نتيجة نقص وارد الدم إليها) وهذه الاضطرابات الدموية ستؤدي بدورها إلى مشاكل في عملية التخثر (أي التئام الجروح).
إن الاختلاطات المرافقة للقدم السكرية لا تشمل هذه الناحية فقط، بل تطال الجلد أيضاً، فالمشاكل التي يعاني منها جهاز الدوران ستؤدي إلى مشاكل في التروية الدموية للجلد مما يؤدي إلى تموتٍ وتقرنٍ في خلايا الجلد وجفافه إضافةً إلى تساقط الشعر في المنطقة المصابة، ونجد ذلك جلياً في أماكن معينة من الجسم مثل الجلد بين أصابع القدم والتي تُعرف بـ "قدم الرياضي athlete’s foot " وهي من العوامل المؤهبة للإصابة بقرحة القدم، ونقصد بالعوامل المؤهبة تلك التي تزيد احتمال الإصابة بحالة معينة، وبالنسبة لقرحة القدم فسنتكلم عنها في هذا المقال لاحقاً.
ارتفاع سكر الدم سيؤدي أيضاً إلى جعل الدم وسطاً أكثر ملاءمةً لنمو الجراثيم، وسيؤدي هذا إضافةً إلى نقص التروية الدموية إلى اضطراباتٍ في عمل الأعصاب المحيطية*، وبالتالي نحصل على أحد أشيع أعراض القدم السكرية وهو فقدان الحس في القدم، ولنوضح أكثر، فإن الأعصاب الحسية المسؤولة عن نقل حسي الألم والضغط ، واللذين يعتبران من الإحساسات المسؤولة عن حماية الجسم، هذه الأعصاب التي تنقل تلك الإحساسات من المحيط (القدم) إلى المركز (الجهاز العصبي المركزي وبالتحديد الدماغ) ستتضرر وبالتالي ستختل وظيفتها مما يخفض إحساس المصاب في هذه الحالة بالألم والضغط، وللأسف، فالنتائج ستكون وخيمةً بالتأكيد، فبغياب حس الألم لن يشعر المريض عندها بإصابة قدمه بالتقرحات ولا بالعوامل المؤذية التي ستؤثر عليها، وعندها فإن المريض لن يحس بالحذاء الضيق الذي يرتديه وفي حال دخلت حصاة إلى الحذاء ستتضرر قدمه دون أن يدري، وعلى الأغلب لن يشعر بالألم إلا عندما تتحول الإصابة من قرحة إلى إنتان جرثومي في القدم، وعندها تصبح المعالجة صعبةً وسير الشفاء طويلاً وبطيئاً.
وحقيقةً، فإن ما يخص الأعصاب الحسية في حالة القدم السكرية، يخص كذلك الأعصاب الحركية، وإجمالاً، فإن إصابة الأعصاب الحسية والحركية ستترافق مع إصاباتٍ في الجهاز الدعامي الحركي (أي العضلات والعظام) في الأطراف السفلية مما سيؤدي إلى أمراضٍ وإصاباتٍ في القدم كـ "تسطح قوس القدم"، وإن كان المصطلح الأخير يبدو غير مفهوم فسنحاول تبسيط الأمر:
عندما يقف الإنسان على قدميه، لا تلتصق القدم بكاملها بالأرض بل إننا عندما ننظر إليها من جهةٍ جانبية أنسية نجد جزءاً منها في المنتصف مرتفعاً عن الأرض وهو ما يسمى بـ "قوس القدم" وفي حالة القدم السكرية، يغيب هذا التقوس وتصبح القدم مستويةً أو "بطحاء" كما في الصورة التالية:
Image: free
Image: free
في الأعلى صورة لقدم طبيعية ويمكن بوضوح رؤية "قوس القدم" أما في الصورة الثانية فنجد أن القدم "بطحاء" أو مسطحة وهذا يؤثر على الحركة وعلى الجهاز الدعامي في القدم
والآن، نأتي إلى أهم المشاكل التي تترافق مع القدم السكرية، وهي القرحات Ulcers والتي يمكن أن تكون سطحية أي لا تؤثر سوى على الجلد، وقد تكون عميقة تصل إلى الأنسجة تحت الجلد مثل العضلات والعظام وتُعتبر هنا حالةً متقدمة، وانطلاقاً من ذلك يمكننا أن نقسم القرحات إلى درجاتٍ بحسب الأنسجة التي طالتها القرحة:
1-قرحة سطحية تشمل الجلد فقط.
2-قرحة وصلت إلى الأنسجة تحت الجلد مثل العضلات والأربطة لكنها لم تصل إلى العظام.
3-قرحة طالت للعظم وقد تسبب خراجات.
4-قرحة تتميز بغانغرينا Gangrene موضعية (في مكان محدود من القدم).
5-قرحة تسبب غانغرينا Gangrene تشمل القدم كلها.
وفي الحالة الأخيرة قد يضطر الأطباء للأسف لبتر الطرف لعلاج المريض.
Image: free
قرحة من الدرجة الأولى، وقد آثرت ألا أضع صور للقرحات من الدرجات الأعلى لأنها قد تكون مؤذية لنظر بعض القراء ولمن أراد أن يشاهدها فبإمكانه مراجعة up to date المذكور في قائمة المصادر
الوقاية:
تتمثل الوقاية بتجنب كل ما يساهم في تفاقم اختلاطات القدم السكرية، لذلك يجب على المريض أن يتحسس قدميه يومياً للتأكد من سلامة الإحساس بهما، ويجب أن يتجنب ارتداء الأحذية الضيقة، وأن يرتدي الجوارب القطنية مع ضرورة تبديلها كل يوم، والمحافظة على الجلد رطباً بشكلٍ كافٍ لا فائض، وتجنب تعريض القدم للحرارة العالية كالاستحمام بالماء الساخن مباشرةً دون تحسس حرارته وقص وتقليم أظافر القدم بشكل جيد، وعندما تتشكل القرحة فيجب تجنب الضغط عليها ومنه نستنتج أن الوزن الكبير سيساهم في زيادة الضغط على القرحة ولذلك فتخفيف الوزن يقلل من هذه المشاكل ومن مشاكل أخرى تتعلق بإصابات الجهاز الدعامي في القدم، فزيادة الوزن ستؤثر سلباً على القدم المصابة والعكس صحيح.
وبما أن هذه الاختلاطات ناجمةٌ عن ارتفاع سكر الدم، فإن المحافظة عليه -أي على مستوى سكر الدم- ضمن الحدود الطبيعية له الأثر الكبير في الوقاية من كل هذه المشاكل الصحية.
العلاج:
يتوقف العلاج على شدة الحالة ودرجتها، فالقرحة السطحية يمكن علاجها بإزالة الجلد المتضرر، وفي حالة تجرثم القرحة، يصف الأطباء للمرضى الصادات الحيوية، وإذا وصلت القرحة إلى النسج تحت الجلد فإن هذا سيستدعي إقامة المرضى في المشفى لتلقي العلاج، أما الغانغرينا فقد تستوجب البتر وللأسف فإن 5-10% من المصابين بالداء السكري في الولايات المتحدة الأمريكية، يتعرضون لبتر إصبع القدم أو حتى القدم كلها (وذلك حسب حجم القرحة).
ومن الواضح بالنسبة لنا بدراسة النتائج المترتبة على القدم السكرية ومقارنة العلاج بالوقاية، فإنه يتبين لنا على الفور أن العواقب وخيمة، لكن الوقاية منها بسيطةٌ مما يؤكد لنا صحة المقولة الشهيرة "درهم وقاية خير من قنطار علاج".
الحاشية:
*الأعصاب المحيطية: يُقسم الجهاز العصبي إلى قسم مركزي يتألف من الدماغ والنخاع الشوكي، وقسم محيطي يتألف بشكل رئيس من الأعصاب ولذلك نسميها الأعصاب المحيطية، وهي نوعان: حسية تنقل الإحساسات كالألم والضغط والحرور من مختلف أنحاء الجسم إلى الجهاز العصبي المركزي، وأعصاب حركية تنقل تعليمات الجهاز العصبي المركزي إلى مختلف أنحاء الجسم.
المصادر:
1- Evaluation of the diabetic foot، up to date 2013
2- Foot care in diabetes mellitus، up to date 2013
3- Clinical manifestations، diagnosis، and management of diabetic infections of the lower extremities، up to date 2013
4- هنا
5- هنا
6- هنا
7- هنا