كيف يمكن لهواية الطفولة تلك مساعدة الكبار في تفريغ التوتر؟
الطب >>>> مقالات طبية
لطالما كان التلوين حكراً على الأطفال وعلى بعض الكبار الحاضنين لهم، ولكنَّ هذا النشاط بدأ مؤخراً باستقطاب فئة جديدة من الهواة. فما بدأ كهواية صغيرة أصبح الآن اتَّجاهاً عالميَّاً، إذ أنَّ دفاتر تلوين الكبار بدأت تحتلُّ مكاناً على قائمة أفضل المبيعات في العالم. وبأيَّة حال، رغم أنَّ هذه الميول قد تبدو وسيلةً ممتعةً لتمضية الوقت، إلّا أنَّ خصائصها العلاجيَّة هي ما يقف وراء الإقبال المتزايد على شرائها.
فيديو توضيحي: هنا
- الخصائص العلاجيّة للفن:
قد يكون الفنُّ عاجزاً عن شفاء الأمراض، ولكنَّه يجعل التعامل معها أفضل. لقد تعرّف الباحثون على الخصائص العلاجيَّة للفن منذ زمن، ويستخدم العلاج بالفنِّ اليوم لمساعدة النَّاس في التعبير عن أنفسهم حينما يواجهون صعوبةً في التعبير بالكلمات، كما في المرضى الذين يواجهون حقيقة إصابتهم بالسَّرطان.
ويُشير الباحثون إلى أنَّ لهذا النَّوع من العلاج نتائجه الملموسة، فقد وجدت دراسة عام 2006 أنَّ العلاج الذهني لامرأة تعاني من السَّرطان ساهم في تخفيض أعراض الحزن الجسدي والنفسي أثناء العلاج. وقد استنتجت دراسةٌ أخرى في العام نفسه أنّ مرضى السرطان من الأعمار كافة وبعد ساعةٍ واحدة من العلاج بالفن قد أظهروا بأغلبيَّة ساحقة ارتياحهم لهذا العلاج ورغبتهم بالاستمرار به.
يقول "جوك براد" المعالج بالموسيقي في جامعة دروكسل بفيلادلفيا لرويتر: "كثيراً ما يشعر مرضى السرطان أنَّ السرطان قد استولى على جسمهم و يشعرون بالقهر، إلا أنَّ تمكنَّهم من المشاركة في عمليَّة خلَّاقة يبدو مغايراً تماماً للتسليم السَّلبي بمعالجة السرطان".
وليس مرضى السَّرطان وحدهم القادرين على الاستفادة من الفنون المرئيَّة، بل إنَّ العلاج بالفنِّ يساعد الكثير من الأشخاص المصابين بأمراض عدة، كالاكتئاب، العته، القلق أو اضطراب ما بعد الصدمة.
إنَّ العلاج بالفنِّ يتضمَّن استخدام وسطٍ فنّيّ كأداة تساعد في تحديد مشكلة معيَّنة لدى المريض، ولكنَّ بعض الأشخاص يمتلكون موهبةً فنَّيّة أكثر من غيرهم. وإنّ هؤلاء الذين يحكمون على أنفسهم بأنهم فنانون سيِّئون قد لا يستفيدون من العلاج المعتمد على الفن. وبالتالي فإنَّ التلوين للكبار يقدِّم لهم مغامرة فنِّية تساعهم في تخطي ذلك الفشل الفنِّي. على المرء أن يلوِّن ضمن الخطوط ليحصل على الأثر المرجوّ. وبأيَّة حال، يقترح بعض الخبراء أنَّ عدم وجود مُدخلاتٍ فنَّيّة هو ما يمنع اعتبار التلوين نوعاً أساسيَّاً من العلاج بالفن.
"إنَّ الفرق بينهما كالفرق بين الاستماع إلى الموسيقا وبين تعلُّم العزف على آلة، إنَّ الاستماع إلى الموسيقا أمرٌ يستطيع الجميع فعله، ولكنَّ العزف على آلة يتطلَّب مجموعةً كاملةً من المهارات" هذا ماقالته دونّا بيتس رئيسة الجمعية الامريكية للعلاج بالفن للغارديان.
- ما الذي يحدث عندما نلوّن؟
إنَّ عدم اعتبار التلوين وحده بالنسبة للكبار كعلاجٍ لا يعني أنَّه لا يفيد. إذ تقول إحدى طالبات العلاج بالفن في جامعة ليسلي أنّ عدد النَّاس الذين يستخدمون دفاتر التلوين في ازدياد، سواء في الصفوف أو من أجل العلاج، فهي تساعدهم على التركيز.
"إنَّ العديد من زملائي يُحضرون دفاتر التلوين إلى الصفوف كوسيلة لزيادة التركيز في المحاضرة، وأثناء تدريبي، أجد العملاء المتململين الذين لا يستطيعون الجلوس بهدوء يطلبون دفاتر تلوينٍ ليتمكّنوا من التركيز على نقاش المجموعة. لدينا العديد من دفاتر التلوين الكبار في موقعي لنعرضها للعملاء".
وباعتبار عدم القدرة على التركيز أحد أعراض القلق أو التوتّر عادةً، فمن المنطقي أن تساعد دفاتر تلوين الكبار في علاج تلك الحالات أيضاً. إنَّ التلوين بحسب أحد خبراء الأعصاب يؤدي إلى استرخاء الجملة العصبية، بنفس الأثر الذي قد تفعله بعض الأدوية. فهو يساعد على صد الأفكار الأخرى في دماغنا وتنحيتها ويساعدنا على التركيز على ما يجري الآن. إنَّ المهام التي يمكن التنبؤ بنتائجها كالتلوين والحياكة تمتلك أثراً مُهدّئاً أحياناً. وقد تمكّن الخبراء من رؤية آثارٍ جسديّة باستخدام التقنيّات المتطورة. "لقد بدأنا برؤية تغيّرات في معدل ضربات القلب وفي موجات الدّماغ". إنَّ هذه الاستجابة العصبيَّة عند الملوِّنين تنجم عن التكرار والتركيز على الخطوط والتفاصيل التي تصاحب التلوين.
وقد قدم الدكتور جويل بيرسون، عالم الدماغ في جامعة نيو ساوث ويلز في أستراليا، تفسيراً مختلفاً للتأثير العلاجي: إنَّ التركيز على تلوين صورة قد يسهِّل استبدال الأفكار والصور السلبية بأخرى إيجابيّة. "عليك أن تنظر إلى الشكل والحجم، عليك أن تنظر إلى الحواف، وعليك اختيار اللون. عليك أن تُشغِلَ الأماكن التي يثيرها القلق في الدِّماغ لتوقف أيَّ شيءٍ متعلِّقٍ به، وكلُّ ما يشدُّ انتباهك يمكنه أن يساعد".
خلاصة: إنَّ استخدام الكبار لدفاتر التلوين قد يساعدهم على التخلُّص من القلق وبعض الأمراض الأخرى، خاصَّة وأنَّ التلوين لا يحتاج إلى الموهبة التي يتطلبها العلاج بالفنّ عادة.
المصدر:
هنا