أرادوا أن يحافظوا على صحتهم.. فنشروا الأمراض!
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> علم البيئة
لكنّ هذا ما لم تجده الدراسة الجديدة التي قام بها بيرس ميتشل اختصاصي في الباليوباثولوجيا أو (علم الأمراض القديمة) في جامعة كامبردج في المملكة المتحدة، من خلال الدراسات السابقة في أكثر من 50 موقعاً أثريّاً في جميع أنحاء منطقة البحر الأبيض المتوسط، لمعرفة أيِّ طفيليّاتٍ عاشت على البشر قبل وبعد سيطرة الرومان على تلك المناطق. اعتمدت معظم هذه الدراسات على المجاهر والاختبارات الكيميائية أو الحمض النووي للكشف عن الطفيليّات وبيضها في التربة من المواقع الخطرة والمراحيض العامة. حيث أُجريت التحاليل في هذه المواقع لاحتوائها على عيّنات البراز المتحجِّرة المعروفة بـــ الروث المتحجِّر coprolites، الّتي يمكن أن تحتفظَ ببيض الطفيليّات والحمض النوويّ لآلاف السنين، وباستخدام هذا الدليل، استُعرِض النطاق الجغرافيُّ لطفيليّاتٍ عديدة.
على الرغم من تقنيّات الصرف الصحي لدى الرومان إلّا أنّ الطفيليات المعويّة مثل الدودة السوطيّة (المسلكة شعرية الذيل)، والدودة المستديرة (الصفر الخراطيني أو ثعابين البطن)، والمُتحوِّلة الحالّة للنُسُج (العامل المسبِّب للزحار) ازدادت في المناطق بعد ظهور الرومان فيها، وبالرغم من النتيجة المفاجئة إلّا أنّ لهذه الزيادات فعلاً تفسيراتٍ منطقيّة.
كان الرومان في الطليعة في مجال تكنولوجيا الصرف الصحي، إلّا أنّهم لم يكونوا قد فهموا بعد النظريّة الجرثوميّة* ولم يعرفوا الكثير عن الطفيليّات، وتُظهِر السجلّات التاريخيّة أنّ المزارعين كانوا يستعملون برازَ الإنسان الذي تمّ جمعُه من المدن لتسميد محاصيلهم. ولأنّ بيوض الطفيليّات قادرة على البقاءَ حيّةً في الفضلات لمدّة طويلة، لذلك يمكن لهذه لممارسات أن تساهم في انتشار الديدان المستديرة. من الصعب أن نعرف تماماً حجم انتشارِ استخدام براز الإنسان كسماد في عهد الإمبراطورية الرومانيّة، لكن يمكننا من خلال بعض نصوص الزراعة القديمة معرفةُ أنّهم كانوا يبنون المراحيضَ على مساحةٍ بحيث يمكن جمعُ البراز ونشرُه على مدى المحاصيل، لكنّ هذا كان فقط في المزارع المعزولةِ هنا وهناك. العديدُ من الرومان الذين لم تتوفّر لهم أنظمة الصرف الصحي، استعملوا مراحيضَ ذاتَ حفرِ تصريفٍ منزليّة غالباً تكون موجودة قرب المطبخ، وإذا كانت الفضلات تُستعمَل كسمادٍ فإنّه من الواضح كيف يمكن أن ينتهي المطاف بالطفيليّات في الطعام.
صمّم الرومان الحمّامات لتعزيز النظافة، إلّا أنّ العديد من المرافق لم تتمّ المحافظة عليها وسمحوا للمياه بالتلوّث ممّا أدّى لتشكّل طبقاتٍ من الفضلات البشرية من الممكن أن تكون قد وفّرت بيئةً رطبة ودافئة مثاليّة لتكاثر الطفيليّات.
تُظهِرُ تحليلات ميتشل الّتي نُشرت على شبكة الانترنت في مجلة Parasitology (علم الطفيليات) أنّ الإمبراطوريّة الرومانيّة ساهمت في نشر ديدان السمك الشريطية، وهي ديدانٌ طولُها حوالي 20-25 قدم، تلتفُّ داخل أمعاء الإنسان، تأتي من تناول الأسماك النيّئة أو غير المطهيّة جيداً، حيث كان الرومان يفضّلون صلصةً تُدعى garum، والتي تُصنَع عن طريق تخمير قطعةٍ من السمك والتوابلِ المختلفة تحت أشعّة الشمس. وبما أنّ الصلصة لا تُسخَّن أبداً، يفترض ميتشل أنّها قد تكون الناقل المثاليّ لانتشار بيوض دودة السمك الشريطية في أنحاء الإمبراطورية. ومع توسُّع الإمبراطورية، امتدّت معها ثقافتها المطبخيّة والطفيليّات أيضاً.
ويُظهر التحليل الجديد أيضاً أنّ قمل الرأس والعانة كان شائعاً في جميع أنحاء الإمبراطورية، فضلاً عن البراغيث والبق.
وبالرغم من هذا كلّه، سيكون من الخطأ تصنيف الرومان كمجتمعٍ قذرٍ أو مثيرٍ للاشمئزاز. فالعديد من أفكارهم، كالأسمِدة والحمّامات، كانت سليمة من حيث المبدأ، ولكنّهم أخفقوا في التنفيذ ببساطة بسبب عدم فهمهم آليّة انتشار الجراثيم والطفيليّات، ولا يمكن لومهم على شيءٍ لم يعرفوه.
هامش:
النظريّة الجرثوميّة: نظريّة تنصُّ على أنّ العديد من الأمراض يكون سببها وجود كائناتٍ حيّةٍ دقيقة محدّدة داخل الجسم.
المصدر:
هنا