الكوازارت في قفص الاتّهام، والتهمة إبطاء تشكُّل النجوم.
الفيزياء والفلك >>>> علم الفلك
بداية لنتعرّف على متّهمنا حتى نستطيع إصدار حكمٍ عادلٍ لاحقاً. الكوازارات هي باختصار أجسام فلكيّة شبيهة بالنجوم تشكّل المراكز الساطعة للمجرّات البعيدة العملاقة البعيدة. الكوازارات تُشعّ كمّاً هائلاً من الطاقة، وتستمدّ طاقتها من الثقوب السوداء العملاقة في مراكز هذه المجرّات. الكوازارات أو كما في اللغة الإنكليزية Quasaras هي اختصار للمصطلح quasi-stellar radio source والذي يعني: أجسام فلكيّة شبيهة بالنجوم منتجة للأشعّة الراديوية. اكتُشِفت الكوازارات ﻷوّل مرّةٍ في ستّينيات القرن العشرين، وتَبيّن لاحقًا أنّ معظمها يُطلق أشعّةً فوق بنفسجيةٍ، أشعةً تحت حمراء، أشعةً سينية وأشعة غاما بالإضافة إلى الأشعة الراديوية، إلّا أنّها احتفظت باسمها القديم. العديد من الفلكيّون يؤمنون بأنّ الكوازارات هي أبعد الأجرام السماوية المكتشَفة حتى الآن، وذلك للمعانها الشديد، وعلى الرغم من لمعانها فإننا ﻻ نسطيع رؤيتها بالعين المجرّدة وذلك لبعدها الكبير عن الأرض.
لنعد الآن إلى قضيّتنا. نُشِرَت ورقةٌ بحثيةٌ في Monthly Notices of the Royal Astronomical Society تشير بأصابع الاتهام إلى الكوازارات، إذ وجدت أوّل دليلٍ على أن التغذية الطاقيّة الراجعة الصادرة عن الكوازارات في المجرّات المُشكِّلة للنجوم، قد تكون مسؤولةً عن تباطؤ تشكّل النجوم. التغذية الطاقيّة الراجعة هي إشعاعات شديدة ورياح على مقاييس مجرّيّة تصدرها الكوازارات. تقوم هذه التغذية الطاقية بتسخين سُحب الغبار والغاز الكونيّ، تلك الحرارة تمنع المواد من أن تبرد وبالتالي تمنعها من أن تتكثف مشكلةً نجوماً.
يقول توبياس مارياج Tobias Marriage، بروفسور مساعد في قسم الفيزياء والفلك الخاص في جامعة Johns Hopkins: "أرى أنّ هذا هو أوّل دليلٍ مقنعٍ بحوزتنا على وجود تغذيةٍ طاقيةٍ راجعةٍ حين كان الكون بربع عمره الحالي، أي حين كان تشكّل النجوم في أوج قوّته". ويصرّح أيضاً: "على الرغم من أنّ الاكتشاف الذي نُشِر في الصحافة من قبل جامعة أوكسفورد ليس دليلاً قاطعاً، إﻻ أنه دليل قويٌّ جدّاً... وكأنّك وجدت مسدساً مغطى بالبصمات يتصاعد الدخان من فوهته في مسرح الجريمة، ولكنك لم تجد الرصاصة لتطابقها مع المسدّس".
قام المحققون بالبحث في ما يقارب ال 17،468 مجرة، ووجدوا آثاراً من الطاقة تُعرف باسم أثر Sunyaev-Zel'dovich أو اختصاراً SZ. سُمِّي الأثر باسم فيزيائيَّين روسيَّين قاما بالتنبّؤ به قبل خمسين عاماً. يظهر هذا الأثر عندما تشوّش الكترونات عالية الطاقة (التغذية الطاقية الراجعة) على إشعاع الخلفيّة الميكرويّ الكونيّ (وهو بحر شاسع من الإشعاع الميكرويّ، من بقايا نشأة الكون الساخنة جداً منذ ما يقارب ال 13.7 مليار عام).
قال ديفين كرايتن Devin Crichton أحد خريجيّ جامعة Johns Hopkins والكاتب الرئيسيّ للورقة البحثيّة: "حللنا مستويات الطاقة الحرارية لنتيقّن من كونها تعلو فوق المستويات المتوقّعة اللازمة لإيقاف تشكّل النجوم. قمنا بدراسة عددٍ كبيرٍ من المجرّات ﻹعطاء الدراسة ثقلاً إحصائياً". ثم أضاف: " يجب أن تحدث التغذية الطاقية الراجعة على نطاقٍ واسعٍ كي تكون كافيةً لإيقاف تشكل النجوم".
يحتاج العلماء لقياس درجات الحرارة بدقةٍ متناهيةٍ وذلك لإظهار أثر SZ، وفي سبيل ذلك استخدموا معلوماتٍ جُمِعَت بوساطة مقرابين (تلسكوبين) على سطح الأرض وجهاز استقبالٍ على متن نقطة رصدٍ فضائيّةٍ. استخدام عدّة أدواتٍ ذات نقاط قوةٍ مختلفةٍ من أجل البحث عن أثر SZ، هو أمرٌ جديدٌ نسبيّاً. أو كما شبّهه توبياس مارياج Tobias Marriage: "أنّه نوعٌ شاذٌّ وجميل من موازين الحرارة"
استُعمِلت المعلومات التي جُمِعت في دراسة Sloan Digital Sky Survey الاستقصائيّة، وذلك باستخدام مقراب Apache Point في نيو ميكسيكو لغرض البحث عن الكوازارات. أما الطاقة الحراريّة والدلائلٌ على وجود أثر SZ، فاكتُشِفت باستعمال معلوماتٍ من المقراب الكونيّ Atacama (مقرابٌ يتمّ استعماله لدراسة إشعاع الخلفية الميكرويّ الكونيّ في صحراء Atacama في شمالي تشيلّي). ومن أجل دراسة الغبار الكونيّ، قام المراقبون باستعمال بياناتٍ وفّرها جهاز استقبال SPIRE الموجود على متن نقطة هيرشيل الرصديّة الفضائيّة.
وصلت المجرّات إلى ذروة معدّل تشكّل النجوم منذ أحد عشر مليار عام مضى، ومن ثم أٌبطِئ ذلك المعدّل. قدّر فريقٌ من الفلكيّين منذ أكثر من ثلاث سنواتٍ معدّل تشكّل النجوم الحاليّ، وتوصّلوا إلى أنّ معدّل تشكّل النجوم اليوم يعادل الواحد على الثلاثين (أي يعادل 0.033) من أعلى قيمةٍ له. لطالما كان إبطاء معدل تشكّل النجوم قضيةً محيرةً للعلماء. إلّا أنّ المشتبه به الأساسي كان الكوازارت، ولكن بدون دليل.
قالت ناديا إل. زاكامسكا Nadia L. Zakamska، بروفسور مساعد في قسم الفيزياء والفلك في جامعة Johns Hopkins، وهي إحدى الكتّاب المساعدين في الورقة البحثية: "مؤخّراً ومنذ عدّة سنواتٍ فقط، جُمِعت أدلّة على هذه الظاهرة عن طريق المراقبة المباشرة. وأضافت أنّ أثر SZ هو نهج جديد اتُبِع لأوّل مرّةٍ في هذا المجال، فوضّح لنا أثر الرياح الكونيّة على المجرّة المحيطة بها". استطردت شارحةً: "على خلاف كلّ الطرق الأخرى التي تعتمد على جس كتلٍ صغيرةٍ من الرياح، فإن أثر SZ يجسّ كتلة الرياح بمجملها. حيث أنّ البلازما الحارّة جدّاً التي تُعطي الرياح حجمها لا يمكن الكشف عنها بأيّ طريقةٍ أُخرى".
والآن يا أعزاءنا هيئة المحلفين، وبعد أن ألممتم بكل ملابسات القضيّة، أصدروا حكمكم ولتأخذ العدالة مجراها.
يمكنكم قراءة المزيد عن الكوازارات عبر مقالاتنا عبر الروابط التالية:
هنا
هنا
هنا
مصدر المقال:هنا