العنفُ الجنسيّ: أشكالُه وتَبِعاتُه
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> علم الاجتماع
ويمكنُ للإكراهِ أن يشمَلَ طيفًا واسعًا من درجاتِ القوّة؛ فإلى جانبِ تطبيقِ القوّةِ الجسديّة، يمكنُ له أنْ يَطالَ التخويفَ النفسيَّ، والابتزازَ أو التهديدات. على سبيلِ المثال: التهديدُ بإيقاعِ أذًى جسديٍّ؛ بالفصلِ من العمل، أو بالحرمانِ من الحصولِ على عملٍ تسعى الضحيّةُ وراءَه. يمكنُ للإكراهِ أن يقعَ أيضًا حين يكونُ الشخصُ المُعنَّفُ عاجزًا عن إبداءِ موافقتِه على الفعلِ الجنسيّ. على سبيلِ المثال: عندَ الثُّمَالَةِ، والوقوعِ تحتَ تأثيرِ مخدِّر، وعندَ النومِ، أو الإصابةِ بإعاقةٍ عقليّةٍ تمنعُ من فَهْمِ الموقف. يتضمَّنُ العنفُ الجنسيُّ الاغتصابَ، والذي يُعرَّفُ بأنّه الإيلاجُ القَسْرِيُّ في المهبلِ أو الشرَج (سواءً كان القَسْرُ جسديًّا أو غيرَ ذلك) وإنْ كان طفيفًا، سواءً كان باستخدام العضوِ الذكريّ، أو أيِّ عضوٍ أو أداةٍ أخرى. وتسمّى محاولةُ إيقاعِ ذلك بـ(الشروعُ في الاغتصاب - Attempted Rape). كما يُسمى اغتصابُ شخصٍ من قبلِ شخصين اثنين أو أكثرَ بـ(الاغتصابِ الجماعيّ - Gang Rape).
يتضمَّنُ العنفُ الجنسيُّ أيضًا أشكالًا أخرى من الاعتداءاتِ الشاملةِ على عضوٍ جنسيّ، بما في ذلك التَّماسُّ القَسْرِيُّ بين الفمِ والعضوِ الذكريّ، أو المهبلِ أو الشرَج.
الأشكالُ والسياقاتُ المختلفةُ للعنفِ الجنسيّ: يمكنُ لنطاقٍ واسعٍ من الأفعالِ العنيفةِ جنسيًّا أن تَحدُثَ في ظروفٍ وأماكنَ مختلفة. على سبيلِ المثال:
- الاغتصابُ ضمنَ نطاقِ الزواجِ أو العلاقاتِ العاطفيّة.
- الاغتصابُ من قبل الغرباء.
- الاغتصابُ الممنهَجُ خلالَ النزاعاتِ المسلّحة.
- المبادراتُ الجنسيّةُ غيرُ المرغوبةِ، أو التحرّشُ الجنسيّ، بما في ذلك طلبُ الجنسِ بمقابل.
- الاستغلالُ الجنسيُّ للأشخاصِ المصابين بإعاقاتٍ عقليّةٍ أو جسديّة.
- الاستغلالُ الجنسيُّ للأطفال.
- الزواجُ القَسْريّ، بما في ذلك تزويجُ الأطفال.
- الحرمانُ من الحقِّ في استخدامِ وسائلِ منعِ الحملِ المناسبة، أو تطبيقِ الإجراءاتِ للحمايةِ من الْتقاطِ مرضٍ منقولٍ جنسيًّا.
- الإجهاضُ القَسْريّ.
- أفعالٌ عنيفةٌ تتعلّقُ بعفّةِ النساءِ الجنسيّة؛ كتشويهِ الأعضاءِ التناسليّةِ، وتطبيقِ كُشوفاتٍ قَسْريّةٍ للعُذْريّة.
- البِغَاءُ القَسْريّ، والاتِّجارُ بالبشرِ بهدفِ الاستغلالِ الجنسيّ.
تَبِعاتُ العنفِ الجنسيّ:
1- النَّبْذُ الاجتماعيُّ للضحيّة: كثيرًا ما يعاني ضحايا العنفِ الجنسيِّ من النظرةِ السلبيّةِ في المجتمعاتِ التقليديّة. وغالبًا ما تتركَّزُ ردودُ الفعلِ المجتمعيّةُ حِيَالَ حوادثِ العنفِ الجنسيّ -خصوصًا في حالِ كونِ الضحيّةِ أنثى- حولَ موضوعِ الشرفِ الضائع؛ مما يؤدّي إلى الفشلِ في معالجةِ المشكلة، بل ويساهمُ في تفاقُمِها؛ حين تحملُ الضحيّةُ العبءَ وحدَها. وردَ في مراجعةٍ لجميعِ جرائمِ الشرفِ التي وقعتْ في الأردن عامَ 1995 أنه في 60% من الحالات، تُوُفِّيَت الضحيّةُ إثرَ جراحٍ سبّبتْها طلقاتٌ ناريّة، كانت غالبًا على يدِ الأخ. وفي الحالاتِ التي كانت فيها الضحيّةُ أنثى عزباءَ حاملًا، إما بُرِّئَ المعتدي من جريمةِ القتل، أو أُعطيَ حكمًا مخفَّفًا. كما أنه من الشائعِ في كثيرٍ من المجتمعاتِ إجبارُ الضحيّةِ على الزواجِ من المعتدي عليها؛ سِتْرًا للفضيحة، مما يُسقِطُ حقَّها في ملاحقتِه قانونيًّا.
2- الصحةُ العقليّة: رُبط العنفُ الجنسيُّ بعددٍ من المشاكلِ السلوكيةِ والعقليةِ لدى المراهقين والبالغين. تشيرُ دراساتٌ أُجريتْ على نطاقٍ سكانيٍّ إلى أنَّ نسبةَ انتشارِ دَلالاتِ اضطرابٍ نفسيٍّ بين النساءِ البالغاتِ اللاتي سبق وتعرّضْنَ لعنفٍ جنسيٍّ وصلت 33%، وسُجّلت نسبةُ 15% بين النساءِ اللاتي تعرّضْنَ لعنفٍ جنسيٍّ على أيدي شريكٍ حميم، بينما كانت النسبةُ بين أقرانهنَّ اللاتي لم يتعرّضْنَ لأيٍّ من ذلك 6%. ووَجدت دراسةٌ أجريت على المراهقاتِ في فرنسا؛ صلةً بين حوادثِ اغتصابٍ سابقةٍ ووجودِ صعوباتٍ في النوم، وأعراضِ اكتئابٍ، وميولٍ انتحاريةٍ، وشكاوى جسديّةٍ، واستهلاكِ التَّبْغ.
3- الأمراضُ المنقولةُ جنسيًّا: تُعدُّ الإصابةُ بفيروسِ الإيدزِ أو غيرِه من الأمراضِ المنقولةِ جنسيًّا؛ إحدى تَبِعاتِ الاغتصابِ المعروفة. أظهرت أبحاثٌ أُجريت على نساءٍ في الملاجئِ أن النساءَ اللاتي تعرّضن للاستغلالِ الجنسيِّ والجسديِّ معًا من قبلِ الشريكِ الحميمِ هنّ أكثرُ احتماليةً لأنْ يَكُنّ قد أُصبن بأمراضٍ منقولةٍ جنسيًّا. وبالنسبة للنساءِ اللاتي استُغْلِلْن في تجارةِ الجنس، فإنّ نسبَ إصابتهنّ بالأمراضِ المنقولةِ جنسيًّا أعلى بشكلٍ واضح.
4- الحملُ، والإشكالاتُ الصحيّةُ النسائيّة: تختلفُ احتمالاتُ حدوثِ حملٍ جَرّاءَ الاغتصابِ حسبَ الظروف، وحسبَ النوعِ المستخدَمِ من وسائلِ منعِ الحمل. أشارت دراسةٌ أُجريت في إثيوبيا إلى أنّ 17% من المراهقاتِ اللاتي بَلّغْن عن التعرُّضِ للاغتصاب؛ قد أصبحن حواملَ بعدَ الاعتداء. وفي الكثيرِ من البلدان، تُجبَرُ النساءُ اللاتي يَحملْن إثرَ تعرُّضِهنّ للاغتصابِ على إكمالِ الحمل، وإلّا فقد يجدْن أنفسَهنّ معرَّضاتٍ لخطرٍ قد يهدِّدُ حياتَهنّ، إنْ حاولْن اللجوءَ إلى عملياتِ الإجهاضِ التي تُجرى في ظروفٍ سريّةٍ وسيّئة. تتلخّصُ بعضُ المضاعفاتِ الصحيّةِ النسائيّةِ التي قد تنشَأُ عن الجنسِ القَسْريِّ في ما يلي: النزيفُ المهبليّ، أورامٌ ليفيّة، انخفاضٌ في الرغبةِ الجنسيّة، تحسُّسُ الأعضاءِ التناسلية، ألمٌ أثناءَ الاتصالِ الجنسيّ، آلامٌ مزمنةٌ في مِنْطَقةِ الحوض، بالإضافةِ إلى الْتهاباتٍ في المجاري البوليّة.
أخيرًا، فإن تعرُّضَ النساءِ لتجارِبَ جنسيّةٍ قَسْريّةٍ في عمرٍ مبكِّرٍ يُضْعفُ من إمكانيّاتِهنّ في أنْ يَرَيْنَ حياتَهنّ الجنسيّةَ شيئًا بمقدورِهنّ السيطرةُ عليه. لذا فإنّ حالاتِ العنفِ الجنسيِّ لا تُعدّ حوادثَ عابرةً في حياةِ الضحيّة؛ إذْ إنّها تتركُ بصمتَها على جوانبَ مختلفةٍ من حياةِ الضحيّة؛ اجتماعيًّا، ونفسيًّا، وجسديًّا. نرجو، في شهرِ التوعيةِ ضدَّ العنفِ الجنسيّ، أن نكونَ قد ساهمْنا في تسليطِ الضوءِ على بعضٍ من أهمِّ جوانبِ هذه المشكلةِ الاجتماعيّة.
لمعرفةِ المزيدِ عن موضوعِ اغتصابِ الزوجة (Marital Rape)، نرجوا قراءةَ مقالِنا التالي: هنا
المصدر: هنا