مفهوم القوة في السياسة الدولية
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> الفلسفة السياسية
و للقوة أهمية كبيرة من وجهة نظر المدرسة الواقعية. وخاصة في ظل نظام عالمي تغيب عنه السلطة المركزية، تكون الدول القوية هي المتحكمة والقائدة لهذا النظام. فعملت الدول لتكون أكثر قوة لمواجهة الأخطار والتحديات التي قد تتعرض لها من قبل الدول الأخرى.
وفي ظل ثبات معيارين هما المصلحة والقوة في علم السياسة. أتت أهمية دراسة هذا المفهوم وعناصره ومحدداته ووسائله وأساليبه. و كان لنظرية القوة أهمية كبيرة جدا فصدرت كتابات كثيرة حول ذلك. و من المهم جدا تناول هذه النظرية لخطورتها وأهميتها لوجود الدولة نفسها وضمان استمرارها وبقائها.
بداية سنتناول محددات مفهوم القوة والتي تحكم القوة في إطارها المفاهيمي والسلوكي:
• محددات مفهوم القوة:
إن القوة ليست شيئا، ولكنها جزء من علاقة تقوم بين الأفراد والجماعات، ولا بد لوجود القوة من افتراض شخصين أو جماعتين، تقوم بينهما علاقة معينة، ولا بد أيضا أن يكون لإحدى هاتين الجماعتين القدرة على إجبار الجماعة الأخرى على انتهاج السلوك الذي تريده الجماعة الأولى، إذا اختلفت الجماعتان في الرأي. فالقوة ليست فعلا ساكنا، إنما هي علاقة بين طرفين يتم التفاعل في إطارها بوسائل وأساليب التأثير على الإرادات والسلوكيات، عبر فترة من الزمن تشكل في النهاية، إما حواراً أو صداماً، وبناء عليها تتحدد ملامح نمط العلاقة القائمة بين الطرفين.
وقد تتخذ هذه العلاقة شكل الإيصال الصريح الذي تستخدم فيه أدوات وأساليب القوة بوضوح، أو قد تتخذ أشكالا إيحائية تتحرك عبرها رسائل مختلفة. إلا إنه ينبغي التنبه إلى أن التأثير لا يسير دائما في اتجاه واحد طوال الوقت، فقد تكون دولة ما هي الطرف الفاعل، وقد تكون الدولة الأخرى هي الهدف أو العكس. فمهما بلغت قوة أحد الطرفين، فانه معرض لردود أفعال، ومهما بلغ ضعف الطرف الآخر، تكون لديه القدرة على القيام ببعض الأفعال المؤثرة.
كما أن علاقات القوة قد لا تكون ثنائية في كثير من الحالات، فمعظم أنماط التفاعلات الدولية في العصر الحديث متعددة الأطراف، على نحو يفرز أنماط تأثير شديدة التعقيد، وحتى في إطار بعض أشكال علاقات القوة التي يكون من الواضح أنها ثنائية، ربما يكون ثمة طرف ثالث يتدخل بشكل مؤثر.
إن أي أساس لتعريف القوة يستند إلى العلاقة السلوكية، التي تجبر طرفا الانصياع لرغبة الطرف الآخر، في الاتجاهات والخيارات، التي تحقق رغباته أو تتوافق معها، و ذلك في فترة محددة أو ممتدة في مجال معين أو عدة مجالات. ويقول أصحاب المدرسة الواقعية، إن ممارسة النفوذ والسلطة هو الطريقة التي تميز علاقات الدول ببعضها البعض، لأنه لا توجد حكومة عالمية. ففي غياب المصدر العالمي للسلطة المشروعة ومصدر عالمي للسيطرة الفعالة، لا تبقى إلا علاقات النفوذ .
ينطلق فكر سياسة القوة من منطلق، أن الإنسان هو في أصله مخلوق خطير غير جدير بالثقة. وبما أن النظام الدولي، أو مجموعة الدول، لا يملك سلطة مركزية فإن من حق أي عضو أن يحصل على ما يستطيع لنفسه وأن تعتمد على أنفسها من أجل الحماية ضد الأخطار الخارجية. وهذا يجعل الدول تسعى نحو القوة، لأن بالقوة وحدها يمكنهم أن يحموا أنفسهم ويحققوا تحسناً في عيش مواطنهم. فالقوة هي وسيلة ولكنها غاية لأنها بها وحدها ستحتل مكانا مرموقا يخولها تحقيق أهدافها.
وقال مودلسكي أن" السياسة الخارجية الناجحة هي السياسة التي تستطيع أن تزيد بشكل أساسي مصادر قوة الدولة". وتقول المدرسة الواقعية بأن القوة العسكرية في السياسة الدولية هي المصدر الأهم من مصادر القوة. في حين يؤكد كتاب مثل: كنور وبراون على الأهمية الكبيرة لأنماط أخرى من القوة كالقوة الاقتصادية. أي إن أساس تعريف القوة يستند إلى العلاقة السلوكية، التي تجبر طرفا الانصياع لرغبة الطرف الآخر، في الاتجاهات والخيارات، التي تحقق رغباته أو تتوافق معها، و ذلك في فترة محددة أو ممتدة في مجال معين أو عدة مجالات.
ليست القوة قيمة مطلقة بل تعتبر نسبية، فمن غير الممكن وصف طرف ما بأنه قوي أو ضعيف، إلا في إطار مقارنته بطرف أو بأطراف أخرى. فتلك المقارنة هي التي تحدد موقعه في هيكل القوة على المستوى الإقليمي أو الدولي. فالفكرة العامة هي أن الدولة تكون قوية بمدى قدرتها على التأثير في سلوك الآخرين بأكثر مما يؤثر الآخرون في سلوكها، إلا إن الأمر لا يبدو بهذه البساطة، فنسبية القوة لها تعقيداتها هي الأخرى بفعل التطورات العلمية والتكنولوجية المتسارعة.
تعتبر القوة بشكل عام، وسيلة لتحقيق غاية معينة بذاتها. وبذلك من الصعب التصور أن دولة ما تنفق الأموال والطاقات لامتلاك القوة لمجرد امتلاكها أو لاستعراض قوتها في مواجهة الآخرين. ألا إن المشكلة تكمن في أن القوة قد تكون هدفا في حد ذاتها، كما اتجهت المدرسة الواقعية مثل كتابات توماس هوبز وهانز مورغانثو، التي أكدت أن القوة في حد ذاتها قد تمثل قيمة مرغوب بها .
وبما أن القوة مفهوم معقد،التي قد تبدو سهلة في تعريفها،لكن ليس ذلك في أسسها وأدواتها وموازينها، ويصعب قياسها. فليس من السهل قياس القوة الدولية، إذ هذا الأمر ينطوي على تعقيدات كثيرة، ولا تعتبر نتائج الحرب اختبارا كافيا للقوة. لأن الدول لا تخوض معاركها وحدها،وليست القوة في الحرب هي وحدها ذات الجدوى.
إن القوة مفهوم معقد ومتعدد الجوانب، والقوة هي "نعت"، أي إنها شيء يمتلكه الشعب أو الجماعات أو الدول، لبسطه في العالم. والقوة هي "علاقة"، هي القدرة التي يمتلكها الشعب أو الجماعات أو الدول لممارسة النفوذ على الآخرين، لتحقيق مآربهم في العالم. و هذان البعدان لا يمكن فصلهما عن بعضهما. والقوة نعت للدول مفهوم مألوف جدا في الأوصاف التقليدية للعلاقات الدولية. فامتلاك سمات معينة تؤهله لأن يعتبر قوة كبيرة أو قوة متوسطة أو قوة عظمى. وقد تتضمن هذه النعوت حجم ونوعية قواتها المسلحة وقاعدة مواردها من حيث الموارد الأولية وموقعها ونطاقها الجغرافي وقاعدتها الإنتاجية وبنيتها التحتية وعدد سكانها ومهاراتهم وفاعلية مؤسساتها الحكومية ونوعية زعاماتها، و بعض هذه العوامل ثابت لا يتغير (الموقع الجغرافي )، وثمة عوامل تتغير ببطء (النمو الاقتصادي-عدد السكان)، والبعض يتغير بسرعة (حجم القوات المسلحة). و هذه النقاط تمكننا من التمييز بين القوة الفعلية والمتأصلة والكامنة .
يجب فهم مدى قوة الدول الأخرى ومدى قوة الدولة هي نفسها. وأن يقيم التكهنات قبل اختبار هذه القوة فعليا، ويجب ألا تخطأ الدولة في تخمينها وتقدير قوتها النسبية. فخلال عام 1930 كانت إيطاليا أيام موسوليني تعتبر من الدول الكبرى، وكانت الدول تراعي رغباتها في تلك الأيام، وكان يسود الشعور بأنها تملك قوة عسكرية لا يحسن التعرض لها. ولكن الحرب العالمية الثانية أثبتت أن قوة ايطاليا قد بولغ في تقديرها.
المصادر:
أ.ف.ك.اورجانسكي، السياسة العالمية (القاهرة: مطابع شركة الإعلانات الشرقية).
سعيد مسلم، قضايا عالمية معاصرة (دمشق: منشورات جامعة دمشق - كلية العلوم السياسية 2011).
كريس براون، ترجمة مركز الخليج للأبحاث، فهم العلاقات الدولية (دبي: مركز الخليج للأبحاث 2004).
تريفور تيلر، كتاب العلاقات الدولية نظريات و مداخل، ترجمة عبد العزير (دمشق: منشورات وزارة الثقافة 1985 ).
سعيد مسلم ،قضايا عالمية معاصرة،(دمشق:منشورات جامعة دمشق/كلية العلوم السياسية،2009).
مصدر الصورة:
هنا