مراجعة مسرحية (الإنسان والسلاح): عندما يكون البطل والنصر ليسوا كذلك.
كتاب >>>> روايات ومقالات
هذه المسرحية تجعلنا نضحك ونفكر في آن، كونها تحمل رسائل على درجةٍ عاليةٍ من الأهمية والعمق. كما يُبرهن شو أن الحرب شرٌ وغباء، والزواج جيّدٌ ومرغوبٌ به! وذلك عن طريق تغليف هاتين الفكرتين بالوهم الرومنسي للحرب الذي يؤدي إلى التشاؤم والزواج الفاشل. حيث يسخر شو من رومنسية الحرب التي تعتمد على إظهار حسِّ الوطنية المثالية لدى الرجال، الذين يقاتلون ويتحملون جميع مخاطر النصر والمجد ليصبحوا أبطالاً خارقين.
في بداية المسرحية نرى "رايّنا" -الشخصية الرئيسية في المسرحية- على شرفة غرفة نومها المُطِلة على قمم جبال البلقان المغطاة بالثلوج، ومن خلال لغتها وتصرفاتها أنها شخصية رومنسية مثالية حالمة، لكنها تشك بصحة أفكارها عن الوطنية والبطولة المثالية. تقطع أمها خلوتها لتخبرها عن النصر المُذهل الذي يشبه نصر الأبطال الخارقين في الملاحم القديمة "كهرقل وأخييل..."، والذي تحقق بفضل خطيبها سيرجيوس الذي قاد هجوم الخيالة على سرية المدفعية. فتبتهج رايّنا لأن انتصار سرجيوس في المعركة يُثبت لها أن العالم هو عالمٌ بطوليٌ للمرأة التي تراه هكذا، وللرجال الذين يمكن أن يتصرفوا برومنسية. ثم تذهب إلى سريرها لتنام وهي تهمس تحت الغاء: "يا بطلي! يابطلي!"، قبل أن يقتحم غرفتها ضابط من صفوف العدو باحثاً عن ملجأ يختبئ فيه عن أنظار الجنود البلغار وضباطهم الروس. هذا الضابط هو بلونتشلي جندي سويسري محترف أُجبر إلى الانضمام للجيش الصربي كونه مرّ بسويسرا أولاً.
يكشف بلونتشلي لرايّنا شخصيتها الحقيقية تحت قناعها الرومنسي من خلال صدمها بالأفكار التي تعتنقها، فهي تعتقد أن الجندي شجاع ويمتلك اليدين ليقتل أعدائه، بينما بلونتشلي يخبرها أن الجنود يفضلون الحياة وحمل الشوكولا بدلاً من الذخيرة ولايأخذون الحرب على محمل الجد سوى ليبقوا أحياء لأنهم أجبروا عليها.
- بلونتشلي: حسنٌ! لا أود أن أُقتل إذا استطعت أن أفعل ذلك...
- رايّنا (باحتقار): أعتقد لا! على علمي بعض الجنود يخافون من الموت.
-بلونتشلي: جميعهم أيتها الليدي العزيزة.. جميعهم. صدّقيني! فمن واجبنا أن نعيش أطول مدة ممكنة.
-رايّنا: مسدسك! كان يحدق في وجه ذلك الضابط، طيلة الوقت. لقد نجوت بإعجوبة.
-بلونتشلي:بدا مغتاظاً كونه خائفاً، لسبب تافه (صرخة رايّنا عندما جلست على المسدس) آه! هل هذا كل مافي الأمر؟
-رايّنا: إني أسفة لأني أخفتك. رجاءً خذه لتحمي نفسك مني!
-بلونتشلي: لافائدة! عزيزتي الليدي الصبية! لايوجد شيء بداخله. ليس محشواً.
-رايّنا: على كل حال يجب أن تحشوه بالرصاص.
-بلونتشلي: لا أملك ذخيرة ما فائدة الخرطوش أثناء المعركة؟ بدلاً من ذلك أحمل معي قطع الشوكولا.. وانتهيت من قطعة الحلوى الأخيرة منذ ساعة تقريباً.
من خلال هذا الاقتباس الذي أوردناه يريد برنارد شو أن يثبت أن الشوكولا، وهي رمزٌ لكل أنواع الطعام، ضرورية وهامة لكل جيش كما الذخيرة وربما أكثر.فالمجاعات تقتل أكثر من الرصاص.
وتتتالى الصدمات على رأس رايّنا عندما يخبرها بلونتشلي بسخرية عن حماقة الفارس الأول الذي قاد هجوم الخيالة على سرية المدفعية، والذي أدى إلى انتصار البلغار على الصرب من دون أن يعرف أنه يكون خطيبها. فالذي خسم المعركة لصالح خطيبها هو نفاذ الذخيرة من الطرف الآخر ليس إلا!!
وهنا يرغب برنارد شو من خلال مسرحيته أن يوصل فكرة أن الحرب لا أحد ينتصر بها وجميع الأطراف خاسرون، والفريق الذي ينتصر بمنطق السيطرة، القوة والتفوق يكون انتصاره إمّا بسبب عتاده وعدته الجيدة وذكائه أو بسبب ضعف الفريق الأخر، أخطائه وعتاده السيئ.
عالجت هنا فكرة الحرب إحدى الأفكار الثلاثة في مسرحية "الانسان والسلاح". ويتعرض برنارد شو لفكرتين أيضاً وهما "الزواج والتمايز الطبقي"، وقد أوردهما برنارد شو بإسلوبه السلس الجميل والتهكمي والثوري بنفس الوقت وذلك عبر طرح مواضيع حساسة وخطيرة وجوهرية.
معلومات الكتاب:
العنوان: الرجل والسلاح
العنوان الأصلي: Arms and the man
المؤلف: جورج برناردشو
طباعة: دار العائدي للنشر والدراسات والترجمة
عدد الصفحات: 101 صفحة من القطع الصغير