مراجعة كتاب (علمُ النفسِ التطوُّريّ): دراسةُ سلوكياتٍ، وتحليلُ نفسِ الإنسانِ في ضوءِ نظريةِ التطوّر
كتاب >>>> الكتب العلمية
ولكنْ ما علمُ النفسِ التطوُّريّ؟
هو العلمُ الذي ينكبُّ على دراسةِ العقلِ البشريِّ وآليّاتِ عملِه، ويهتمُّ بالمنظورِ الأكثرِ اتّساعًا؛ بالإجابةِ عن أسئلةٍ أساسيةٍ؛ مثلَ: لماذا يعملُ العقلُ بالطريقةِ التي يعملُ بها؟ وما الوظائفُ التي يقومُ بها العقلُ بناءً على آليّةِ عملِه؟ وكيف يتفاعلُ عملُ هذه الآليّةِ معَ مُدْخَلاتِ البيئةِ والمحيط، ووَفْقَ أيِّ سياقاتٍ وشروطٍ ومثيرات؛ كي يَنْتُجَ السلوكُ البشريُّ الملاحَظ؟
إذْ إنّ المتعضِّي (الجسمَ الحيّ) يضمُّ مكوِّناتٍ وظيفيّةً؛ كالقلبِ والرئتين؛ تقومُ بوظائفَ تكيُّفِيَّةٍ تساعدُ على البقاءِ والتكاثر. أما العملياتُ العقليةُ المعرفية، والانفعالاتُ والإدراكُ والسلوكُ والذاكرة؛ فهي وظائفُ تساعدُ على البقاءِ والتكاثر، وتقدّمُ حلولًا تكيُّفِيَّةً للتحدّياتِ التي واجَهها البشرُ الأسلاف. وبما أنّ البيولوجيا هي أساسُ الكائنِ الحيّ، وقائمةٌ بشكلٍ كاملٍ على نظريةِ التطوُّرِ ومبادئِها؛ يَفترِضُ علمُ النفسِ التطوُّرِيُّ أنّ السيكولوجيا ذاتَ المرتكَزِ البيولوجيِّ؛ يتعيّنُ أنْ تُعادَ دراستُها بناءً على المنظورِ التطوُّرِيّ.
يتكونُ هذا الكتابُ من ستةِ أبوابٍ، يؤسِّسُ كلٌّ منها للبابِ الذي يليه. فيأتي البابُ الأولُ بعُنوان (أسسُ علمِ النفسِ التطوُّرِيّ)، وفيه يَعرِضُ الحركاتِ العلميةَ التي قادت إلى نُشوءِ هذا العلم، وتاريخَ الفكرِ التطوُّرِيِّ وتوسُّعاتِه بعد تشارلز داروين، الأبِ المؤسِّسِ لنظريةِ التطوُّر. ثم يستعرضُ المحطّاتِ الكبرى في تاريخِ نُشوءِ الجنسِ البشريِّ وُصولًا إلى الإنسانِ العاقل (Homo Sapiens). ويستعرضُ الفصلُ الآخِر من البابِ الأولِ لُبَّ الطبيعةِ البشريةِ المتمثِّلةِ في الآليّاتِ النفسيةِ المتطوِّرة، كما يعالِجُ طرقَ البحث، ومصادرَ جمعِ الأدلةِ في هذا العلمِ، واختبارَها، وكذلك مصادرَ الأدلةِ على المشكلاتِ التكيُّفِيّة.
ويَعرِضُ لنا البابُ الثاني (مشكلاتُ البقاء) مشاكلَ كيفيةِ الحصولِ على الطعامِ وانتقائِه، والمأوى، والمجالِ الحيويّ، ومحاربةِ المفترِسين، وكيف استطاع الإنسانُ التغلُّبَ على تلك المشاكلِ والتكيُّفَ بحلِّها.
أما البابُ الثالث، وهو المحوريُّ في هذا الكتاب؛ (تحدِّيَاتُ الجنسِ والاقتران)، فيعالِجُ قضايا الجنسِ، واستراتيجيّاتِ الاقترانِ طويلِ المدى وقصيرِ المدى (العلاقاتِ العابرة) لكِلَا الجنسين، وتأثيرَ البيئةِ والظروفِ والتكيُّفاتِ التطوُّريّةِ على هذه المواضيع، وانعكاسَ تفضيلاتِ كلِّ جنسٍ على سلوكِ و(تكتيكاتِ) الجنسِ الآخرِ في اجتذابِ الأقران.
يأتي البابُ الرابعُ مُعالِجًا تحدّياتِ التنشئةِ الأبويّةِ وعلاقاتِ القرابة، وفي مقدِّمتها سؤالُ: لماذا تَستثمِرُ الأمهاتُ أكثرَ من الآباءِ في الذُّرِّيّة؟ مستعرضًا تجارِبَ وأبحاثًا كثيرةً في هذا المجال، على الكثيرِ من الأنواعِ الحيوانيّة. ثم ينتقلُ بعدَ الاستثمارِ إلى تِبْيانِ أوجُهِ الصراعِ بين الوالدين والذريّة، مستعينًا بالأبحاثِ والدلائلِ والتجارِب
يعالجُ البابُ الخامسُ المعنوَنُ بـ(مشكلاتُ نهجِ الحياةِ في الجماعة) قضايا التحالُفاتِ التعاونيّةِ المميِّزةِ للبشر، وتطوُّرَ التعاون، وسيكولوجيا الصداقةِ وتكاليفَها، ثم ينتقلُ إلى قضايا الحربِ والعُدوان، وقضايا الصراعِ بين الجنسين، والعُدوانِ على النساء، وقضيةِ الغَيْرة، وقضايا المكانةِ والوَجاهةِ والسيطرةِ الاجتماعيةِ والخضوع، كلُّ ذلك بطريقةٍ تفصيليةٍ مثيرة، ومزوَّدةٍ أيضًا بكلِّ الدلائلِ التجريبيّة، والأبحاثِ والنظريّاتِ الداعمة، ونقاطِ قوّتِها ونقاطِ ضَعفِها، بطريقةٍ أقلُّ ما يُقال عنها إنها محترمةُ وأنيقةُ جدًّا.
أما البابُ السادسُ والأخير، فهو أكثرُ تخصُّصًا وأكاديميّةً في علمِ النفسِ ومدارسِه وأساليبِه ونظريّاتِه.
وبذلك، نستطيعُ أنْ نرى أنّ هذا الكتابَ وثيقةٌ علميةٌ نفسية، تنظرُ إلى التطوُّرِ على أنه أساسٌ في عمليةِ البناءِ السيكولوجيِّ والسلوكيِّ للإنسانِ كما لغيره. إذْ إنّ إلقاءَ الضوءِ على قضايا بشريةٍ كثيرةٍ معَ تقديمِ تفسيراتٍ علميةٍ موثوقةٍ ورصينة؛ يجعلُ الكتابَ في متناوَلِ الجميع؛ فهو للقارئِ العاديِّ، وكذلك للأكاديميّ.
بقي أنْ نَذكرَ أنّ ترجمةَ الكتابِ للدكتور مصطفى حجازي قد جاءت أمينةً وموثوقة، ومُفْعَمَةً بالخبرةِ والنُّضْجِ التَّرجَميّ.
• معلومات الكتاب:
العنوان: علمُ النفسِ التطوّريّ.
المؤلِّف: ديفيد بوس.
ترجمة: مصطفى حجازي.
طباعة: دار كلمة، والمركز الثقافي العربي.
عدد الصفحات: 903 صفحات، من القطع الكبير.
الترقيم الدولي: 7-372-68-9953-978