سوريون على عرش روما
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> أعلام ومفكرون
جوليا دومنا
ولدت زوجة إمبراطور روما، والإمبراطورية السورية لها وأم الأباطرة السوريين لروما جوليا دومنا عام 170 في "إميسا" في حمص الحالية من نسب عربي وهي الابنة الصغرى لجايوس يوليوس باسيانوس كاهن إله الشمس "إلا هاغابال". ونتيجة لذلك كانت دومنا من العائلات الأرسطوقراطية في البلدة مما جذب انتباه القائد الروماني سبتموس سفروس لها وتزوجها في الغالب عام 187 م. جوليا دومنا التي يجمع المؤرخون أنها كانت الأعظم بين نساء روما والتي ستحكم بشكل غير مباشر إمبراطورية تمتد من سكوتلاندا وحتى العراق، أنجبت لسيبتموس امبراطورين، الأول لوسيوس باسيانوس والذي سيعرف لاحقاً بـ أوريليوس أنتونيوس، ولاحقاً بكاراكلا في الرابع من نيسان عام 188، ليتبعه بعدها بعام ابن دومنا الثاني، والإمبراطور الثاني بوبليوس غيتا.
حاز لوسيوس سيبتموس سيفروس على عرش الإمبراطورية الرومانية عام 193 متحدياً منافسيه الإثنين بيسينيوس نيغر في الشرق وكلوديوس ألبينوس في الغرب. ورافقت جوليا دومنا زوجها في حملته ضد بيسينيوس لأول مرة في روما حيث اعتيد أن تبقى النساء في المدينة، فمنحها لقب "mater castrorum" أو أم المعسكرات. وتبع هذه الحملة اللي نجحت في تحقيق أهدفها حملة أخرى في العام التالي ضد البارثيين. وطيلة هذه الفترة حظيت بالتكريم السياسي والاقتصادي وطبعت صورتها وألقابها على النقود.
عارضت جوليا دومنا والد زوجة ابنها كاركلا المحافظ الروماني بلوتيانوس وكانت السبب في سقوطه والعار الذي لحق به وبابنته حيث اتهمت بالزنا، إلا أن الإمبراطور كاركلا دعا إلى تجاهل هذه التهم. بعيداً عن الحروب والسياسة،
رافقت من جديد دومنا زوجها وأولادها الإثنين في حملتهم على البريطانيين عام 208 حيث قتل سبتموس سيفروس هناك في مدينة يورك عام 211، فعادت إلى روما مع ولديها، وحصلت على لقب أم المعسكرات ومجلس الشيوخ والدولة والقياصرة. وأقنعت دومنا ولديها بالمشاركة في الحكم كليهما تبعاً لوصية أبيهما، ولكن نظراً للخلافات الكبيرة بين الأخوين لم يكتب لهذه الوصية أن تتحقق. حيث قام كراكلا بتدبير قتل أخيه غيتا من قبل بعض أتباعه وهو في حضن أمه مغطى بالدماء مانعاً إياها من الحزن عليه.
وبعدها، بقي لها بعض الواجبات العامة ولكنها عملت على الانشغال بنفسها والتفتت مجدداً إلى الفلسفة، إلا أنها رافقت كاراكلا في حملته إلى الشرق ضد البارثيين عام 217، وعندما علمت باغتياله في أنطاكية، آثرت الانتحار امتناعاً عن الطعام وكما يميل مؤرخون آخرون للاعتقاد بوفاتها بسرطان الثدي وآخرون إلى أنها قتلت بأمر من الإمبراطور ماكسيموس . ومن ثم وضعت رفاتها في ضريح هادريان بعد إصرار أختها جوليا ميزا.
جوليا دومنا، كانت تعرف في أنحاء الإمبراطورية بالنجمة لوليا دومنا، والعديد من الألقاب المحلية، إضافة إلى أنها عُبدت في أنحاء عديدة مع ألقابها المختلفة كـ "الآلهة السماوية" في قرطاجة و"فينوس السماء" في بوتيولي.
كان لجوليا دومنا اهتمامات واسعة بالأدب والفلسفة وجمعت طيلة حياتها الأدباء والفلاسفة والرياضيين في نوع من الصالونات الثقافية وكانت الدافع لكثير من الفلاسفة في تلك الفترة لكتابة مؤلفاتهم. ويعود الفضل لجوليا دومنا التي لولاها لما وصلت إلينا سيرة حياة أبولونيوس، فهي التي حثت فيلوستراتوس على كتابتها، والتي يعتقد أنها توفيت قبل أن يكمل مجلداتها الثمانية. لعلنا حين نتحدث عن الرياضيين في تلك الفترة فإننا نتحدث عن علماء فلك، فنجد بذلك أن دومنا لم تفقد الصلة بالحكمة السورية المرتبطة أشد الارتباط بهذه المواضيع.
ولعل هذا الطالع الفلكي هو الذي كان الخطوة الأولى نحو روما، حيث تروي الكتب التاريخية أن سيبتموس سفروس قد سمع عن سورية من حمص يقول طالعها أنها زوجها سيصبح ملكاً فجاء إليها وحدث ما حدث.
جوليا دومنا لم تؤلف أي كتاب في الفلسفة، ولكنها باستخدامها سلطتها الإمبراطورية حمت الفلاسفة والمفكرين وشجعتهم على التأليف، بعد أن عانوا كثيراً في روما خلال العقود السابقة من الزمن.
كارثة الأباطرة الرومان – كاركلا
ماركوس اوريليوس سيفروس أنتونيوس أوغستوس، أو كاراكلا الإمبراطور الثاني والعشرين لروما، ولد في Lugdunum الواقعة اليوم في مدينة ليون بفرنسا، لأب قرطاجي هو الإمبراطور الروماني سيبتموس سيفروس وأم سورية وهي الإمبراطورة جوليا دومنا. واسم "كاراكلا" يشير للثوب المثلوم الذي كان يرتديه ونشره عبر العالم.
حكم كاراكلا إلى جانب أبيه خلال سنوات حياته الثلاثة الأخيرة، ليحكم لفترة قصيرة مشاركة مع أخيه غيتا حسب وصية أبيه، قبل أن يقوم الإمبراطور كاراكلا بالتخلص من شريكه الذي لطالمت دبت بينهما الخلافات. ولعل هذا الاغتيال جعل منه من الأباطرة سيئي السمعة في تاريخ روما حيث يتهم بأنه أذن بحدوث الكثير من المجازر على امتداد الإمبراطورية.
لم يتمكن كاراكلا من الانتصار على بعض القبائل الألمانية التي جاءته من الشمال، بل عقد معها معاهدة سلام، فأطلق عليه من قبل مجلس الشيوخ لقب "الألماني الأكبر" أو "الألماني"، ومذ حينها غادر إلى سورية ومصر وتابع حكمه لروما منها.
ولكن لم يكن حكمه سيئاً تماماً كما يقال، فهو الذي أصدر المرسوم الأنطوني أو ما يعرف بتشريع كاراكلا مانحاً الجنسية الرومانية الكاملة لكل الرجال والنساء الأحرار على امتداد الإمبراطورية، وهو الأمر الذي يحيله بعض المؤرخون إلى سعيه لرفع الضرائب. فقبل عام 212 لم يكن يمنح هذه الجنسية سوى أبناء روما فيها أو في الإمارات الأخرى.
ولا يمكن لأحد أن ينكر دور كاراكلا في شكل روما، فما تزال حمامات كاراكلا إحدى المعالم الأساسية في العاصمة الإيطالية اليوم. الحمامات التي امتد بناؤها لست سنين، وتطلب منهم الأمر أن يقومو بنقل ألفي طن من المواد يومياً لإنهائها في هذا الوقت.
العودة إلى سورية، واستعادة روما – جوليا ميزا
كأختها الصغرى دومنا، تعد جوليا ميزا إحدى أكثر النساء الرومانيات خلف عرش روما قوة، ويعود الفضل لها بإنقاذ السلالة من الموت بعد اعتلاء العرش من قبل ماكسيموس المتهم باغتيال كاراكلا.
كانت جوليا ميزا متزوجة لنبيل سوري يوليوس أفيتوس أليكسيانوس ولها منه بنتان ستصبح فيما بعد كل منهما أماً لإمبراطور، جوليا سومياس باسيانا، وجوليا أفيتا ماميا. بعد تلك الأحداث التي أعقبت اغتيال كاراكلا وموت جوليا دومنا أجبرت جوليا ميزا على العودة إلى سورية وسمح لها ماكسيموس بالاحتفاظ بأموالها.
ها هي من جديد ميزا في سورية، ومع ثروة وافرة دفعتها للمشاركة في مؤامرة للإطاحة بماكسيموس وتتويج أحد حفيديها إلاغابالوس ابن جوليا سومياس مكانه. ولإضفاء الشرعية على هذا العمل ادعت الجدة والأم أن الإمبراطور القادم البالغ من العمر أربعة عشر عاماً كان الابن غير الشرعي لكاراكلا. ونجحت الجولياتان في ذلك.
يذكر أن زوج جوليا سومياس هو السوري سيكستوس فاريوس ماركلوس الذي توفي فيما بعد خلال حكمه لإحدى المقاطعات الرومانية.
بعد ذلك منحها ابنها المتوج حديثاً لقب "أوغستا أم أغستس"، إلا أن إمبراطورنا المراهق أثبت أنه كارثة بمجموعة من الفضائح الدينية والجنسية، فوجدت جوليا ميزا أن عليها أن تنقل الحكم إلى الحفيد الآخر أليكساندر سيفيروس. فأجبرت إلاغابالوس على تسميته كوصي العرش. وفيما بعد قام الحرس الإمبراطوري باغتيال إلاغابالوس وجدته ورموا في النهر.
ويذكر أن جوليا ماميا على خلاف أمها وأختها عرفت بالالتزام فلم تشارك في أي فضيحة من الفضائح. والتزم ابنها بذلك أيضاً.
يرحل السوريون، والفوضى على أعتاب روما
أليكساندر سيفروس، هو الإمبراطور الأخير من هذه العائلة السورية الأصل، وخلف ابن عمه بعد اغتياله عام 222م والذي سيتم اغتياله فيما بعد. ويذكر أنه سوري الأب والأم، فأمه جوليا ماميا، وأبوه ماركوس يوليوس جيسيوس ماركيانوس.
على خلاف سابقيه، فإن فترة حكمه كانت مزدهرة حتى ظهر الساسانيون في الشرق. ويختلف بعد ذلك المؤرخون فمنهم من يتحدث عن انتصارات متتالية للجيش الروماني ومنهم من يتحدث عن الهزائم. انتقل أليكساندر إلى أنطاكية وجعلها قاعدة له. وقاد جيشه بنفسه إلى المدائن عاصمة الساسانيين إلا أن الهزيمة قد حلت به وأجبر الرومان على التراجع عن حدود أرمينيا.
تبع هذه الهزيمة تمرد من الفيلق السوري وأعلنوا تسميتهم لتورينوس إمبراطوراً. إلا أن أليكساندر تمكن من قمع هذه الانتفاضة وغرق تورينوس أثناء محاولته الفرار في نهر الفرات. وعاد إمبراطورنا محتفلاً إلى روما.
إلا أن الأحوال لم تهدأ له، فقد كان عليه في العام التالي أن يواجه الغزاة الألمان في بلاد الغال (فرنسا)، الغزاة الذين انتهكوا حدود نهر الراين في أماكن عدة دمروا الحصون وأفرطوا في معاركهم في الأرياف. عبر أليكساندر على رأس قواته لقتال الأعداء وحاول تبعاً لنصيحة أمه أن يفاوضهم على السلام لشراء بعض الوقت.
وبغض النظر عن الحكمة في هذه السياسة، إلا أنها دفعت أفراد الفيلق الروماني للخجل من قائدهم برغبته السلام وإنهاء الحرب مفضلاً حياة سهلة، مما دفع الجيش للبحث عن قائد جديد فاختاروا ماكسيمينوس وهو جندي من تراقيا وبايعوه إمبراطورا بعد أن اغتيل أليكسندر وأمه. وباغتيال بدأ ما يسميه المؤرخون "فوضى القرن الثالث" التي قاربت فيها الإمبراطورية على الانهيار.
عمل الإمبراطور السوري الأخير وفقاً لتوصيات والدته على تحسين القيم الأخلاقية وظروف الناس والحفاظ على كرامة الدولة، قام بخفض نقاوة الدنانير الفضية بنسبة 3% وشجع العلم والثقافة والأدب وافتتح مكاتباً لمنح القروض للشعب.
المصادر:
Beatrice H. Zeller, "Julia Domna". A History of Women Philosophers vol 1. ed. Mary Ellen Waithe. p.123.
Julia Domna: Syrian Empress (Women of the Ancient World)
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
مصدر الصورة:
هنا