أساطير النجوم، الجبّار والشقيقات السبع (نجوم الثريّا)
الفنون البصرية >>>> أساطير الشعوب
وتعد كوكبة الجبار من أكثر التشكيلات النجمية المرئية وضوحا؛ إذ يمكن ملاحظة كثير من نجومها اللامعة بالعين المجردة ولا سيما رجل الجبار Regl ومنكب الجوزاء Betelgeuse اللذان يعتبران من أشدّ الأجرام السماوية سطوعًا.
وقد ربط الإنسان القديم بين هذه الأجرام والأسطورة في محاولة منه لتقديم تفسير يروي ظمأ فضوله عن أصل هذه النجوم وسبب وجودها في سماء ليلهِ البهيم.
ففي الأسطورة الإغريقية ترتبطُ كوكبةُ الجبار بالصياد أوريون الذي تختلف الروايات حول نسبهِ ومولده، ومنها أن أحد الرعاة أكرم الآلهة المتنكرين زيوس وبوسايدون وهرميس بأن ذبح لهم الثورَ الوحيد الذي يمتلكه، فأمروه أن يدفنَ جلد الثور في الأرض، ومن ذلك المكان ولد أوريون قويًا ووسيمًا. وتجعله بعض الرويات ابنًا لبوسايدون إله البحر وأورياله ابنة ملك جزيرة كريت.
وقصة أوريون الجبار معروفة في الميثولوجيا الإغريقية، وترتبط بربّةِ الطرائد والصّيدِ أرتميس وأخيها التوأم أبولو، فكثيرًا ما كانت أرتميس تغادرُ مجلسَ الآلهة في جبل الأولمب وتهبط إلى غابة أركاديا حيثُ تقضي أيامًا تصطادُ وتتجوّلُ بين الأشجار أو تراقبَ الحيوانات الصغيرة التي تعيش هناك.
Image: http://pre02.deviantart.net/aca7/th/pre/i/2013/172/8/a/artemis_by_mboulad-d150mnd.jpg
كانت أرتميس تتنكر بزي الصيادين فلا يستطيع أحد إدراك حقيقتها، وعلى الرغم من ذلك لم يجرؤ بشرٌ على دخولِ الغابة التي كانت تُعرَف بأنها المكان المفضل لأرتميس، فعند اكتمالِ القمر بدرًا كانت الربة العذراء تحضرُ إلى الغابة برفقة حوريّاتها، فتجتمعُ حولَها الحيوانات تلهو وتلعب، كما كان لها كهفٌ تأوي إليه في أحدِ التلال التي تغطّيها الأشجار.
أما أوريون فكان صيادًا بارعًا ذائعَ الصيتِ في اليونان لما عرف عنه من قوةٍ وبراعةٍ في الصيد، وكان يحملُ حبًا كبيرًا لأرتميس لأنها تفوقه قوةً وبراعة، وكثيرًا ما تتبَّعها عن بُعد دونَ أن يجرؤ على الاقترابِ منها.
وفي أحد الأيام بينما كان أوريون قريبًا من أطرافِ الغابة لمح لمعانًا وبريقًا في الظلال بين الأشجار، فتملّكه فضولٌ لمعرفةِ مصدرِ هذا البريق، وصادفَ أنَّ سبعَ حوريّات شقيقات كنّ برفقة أرتميس ضللن الطريق، وكنَّ يرتحن تحتَ ظلالِ الأشجار، فلما شعرنَ باقتراب أوريون وقفن مذعورات ولذن بالفرار، فلحقهنّ أوريون الذي ظنهن طرائدَ، ولما لحقهن إلى بقعة مكشوفة في الغابة أدرك أنهنّ حوريات، فألقى سلاحَه وراح يتبعهنّ مدفوعًا بفضوله حتى كاد يُمسك بهنّ، فصرخت الشقيقات السبع مذعورات ينادين أرتميس التي سمعت النداءَ فحوّلتهن إلى سبع حماماتٍ بيضاءَ قبل أن تتمكّن يدُ أوريون من الإمساكِ بهن وحلّقن عاليًا في السماء، وبأمرٍ من زيوس أصبحن سبعةَ نجومٍ تقعُ في كوكبة الثور وتسمى "بالشقيقات السبع" أو "الثريا".
غفرت أرتميس لأوريون فعلته فيما بعد، وسمحت له أن يرافقها في الصيد، فراحا يتنقلان من غابةٍ إلى أخرى، وهذا ما أغضب أبولو شقيقُ أرتميس الذي رأى أنهُ من غيرِ اللائقِ لربةٍ أن تصاحبَ إنسانًا فانيًا، فوبّخها كثيرًا ولكنها لم تعره انتباهًا، فاشتدَّ غضبُه وقررَ وضعُ حدٍّ لهذه العلاقة.
وفي يومٍ من الأيام كانت أرتميس وأخوها يتنزهان وحدهما قرب الشاطئ في الوقت الذي كان أوريون يسبحُ بعيدًا في البحر فيبدو مثلَ شيءٍ عائمٍ على سطح البحر، استغلَّ أبولو الموقف واستفز شقيقته التي لم تكن مدركًة أن أوريون من يطفو على الماء.
قال أبولو: "أستطيعُ أن أصوّبَ إلى ذلك الشيء في البحر قبل أن تُخرجي سهامَك من الجعبة". قبلت أرتميس التحدي وأطلقت سهمَها سريعًا لينغرزَ في رأسِ أوريون، وعندما أدركت ما فعلت حزنت كثيرًا، ودَعَت زيوس ليكرم أوريون بوضعِ صورته في السماء بين النجوم، وهكذا كانت كوكبة الجبار بالقربِ من نجوم الشقيقات السبع.
Image: http://img4.wikia.nocookie.net/__cb20130409211141/mrplotkinot/images/2/24/Artemis_and_orion_myth.jpg
وفي كل خريفٍ تنهضُ كوكبةُ الجبار فوقَ الأفقِ، وتلتمعُ نجومها لتذكّرَ بمأساةِ الصياد الشابّ مقابِلةً كوكبة الثور بما فيها نجوم الشقيقات السبع التي لم يعد يُرى منها سوى ستة نجوم، فبحسب الأسطورة أن أليكترا أصغر الشقيقات لم تحتملْ رؤيةَ طروادة تحترق على يدِ الإغريق، فغادرت مكانها في السماء حزنًا، لذا لم يبقَ من نجومِ الشقيقات سوى ستة نجومٍ مرئية.
وتختلف القصة في الميثولوجيا الرومانية، فيصبح أوريون صيادًا متعجرفًا مغرورًا يتبجّحُ بألا حيوانٍ في الأرض يستطيعُ أن يفلتَ من قبضته، ما أزعجَ الإلهة جونو زوجةَ جوبيتر، فوضعت في طريقِهِ عقربًا ضخمًا يقتله، ثم تقوم ربة القمر ديانا بوضع صورته وكلبيه إضافة إلى العقرب في السماء على شكلِ أبراج ونجوم ومن هنا جاءت كوكبات العقرب والجبار والكلب الأصغر والكلب الأكبر وفقا للرواية الرومانية.
المصادر:
Lines، Kathleen. The Faber Book Of Greek Legends. London: Faber and Faber، 1983. Print.
هنا
هنا