ينقسمُ البشرُ إلى نوعين، فمنهم الصبورُ ذو النظرةِ المستقبيلة والمستعدُّ لتأجيلِ الإشباعِ الآنيّ لتحقيق فائدةٍ أكبرَ في المستقبل، ومنهم غيرُ الصبورِ الذي يُفضِل إشباعَ رغبتِه فوراً ولو بمكسبٍ أقلَّ مما قد يحصلُ عليه لاحقاً... هذه السلوكيّات تؤثّر على العديدِ من مناحي الحياة، ولكن هل تؤثر في خيارات طعامنا ونوعيته وبالتالي حالتنا الصحية؟

أظهرَت دراسةٌ جديدةٌ أنّ القدرةَ على تأجيلِ الشبعِ الفوريّ ترتبطُ بتقليلِ كميةِ وتواترِ استهلاكِ الوجباتِ السريعة، وقد حظيَت هذه الدراسةُ بأهميةٍ كبيرةٍ لما لاستهلاكِ الوجباتِ السريعةِ من دورٍ كبيرٍ في حدوثِ البدانة، فغالباً ما تكونُ هذه الوجباتُ السريعةُ غنيةً بالطاقةِ وفقيرةً بالمغذيات، وهو ما يُسمّى بالسعراتِ الحراريّةِ الفارغة (هنا هنا) ممّا يزيدُ من خطرِ الإصابةِ بالسمنة وغيرها من الأمراضِ المزمنة. ويوضّحُ الاقتصادُ السلوكي (وهو تطبيقُ علمِ النفسِ على الاقتصاد) أنّ بعضَ السلوكيّاتِ التي لا تحتاجُ للصبرِ أو الانتظار – مثل مشاهدةِ التلفازِ – تؤثّرُ على اختياراتِنا المعتمِدَةِ على المتعةِ أكثر من النّشاطاتِ التي تحتاجُ صبراً والتي تتطلّبُ نتائجُها فتراتٍ طويلةً للظهور – كالنشاطِ الرياضيّ.

ولمعرفةِ المزيد، قام باحثونَ من الجمعيّةِ الأمريكيّةِ للسرطان American Cancer Society وباحثونَ من جامعتَيّ كاليفورنيا University of California وماساتشوسيتس University of Massachusetts ومركزِ غريتشن سوانسون للتغذية Gretchen Swanson Center for Nutrition بإجراءِ دراسةٍ من أجلِ تحديدِ السلوكيات والعواملِ التي تؤثّرُ على تناولِ الطّعام غير المحضر في المنزل.

قامَ الباحثون بتحليلِ إجابات 5871 شخصٍ بالغٍ في دراسةٍ إحصائيّةٍ سُئِلوا فيها عن سلوكيّاتِهم ونمطِ حياتهم، بما في ذلك تكرارُ تناولِ الوجبات السريعة، والوقت المفضَّل لذلك. كما تمّ سؤالُ المشاركين إنْ كانوا يفضّلون الحصولَ على مبلغٍ محددٍ فوراً أم يُفضّلون الحصولَ على مبلغٍ أكبرَ في وقتٍ لاحق (مثلاً الحصولُ على 10 دولاراتٍ حالاً أو الحصول على 12، أو 15 أو 18 دولارٍ بعد 30 يوماً).

وبحسبِ النتائج، فإنَّ ميزةَ الانتظارِ للحصولِ على مبلغٍ أكبرَ من المال كانت مرتبطةً مع قلّةِ استهلاكؤ الوجبات السريعة، إذ أنَّ الأشخاص الذين اختاروا تأجيلَ الحصول على المبلغِ كانوا أقل استهلاكاً للوجباتِ السريعة بنسبة 26% مقارنةً مع نُظرائهِم من المشاركين في الدراسةِ والذين فضَّلوا الحصولَ على المالِ فوراً.
ولاحظَ الباحثون أنَّ النتائجَ المستخلصةَ من بيانات الدراساتِ العرَضية تَحُدّ من إمكانيةِ الوصولِ إلى قرارٍ نهائيّ حول هذه العلاقةِ السببية. ولذلك، ما زالت هنالك حاجةٌ للمزيدِ من الدراساتِ حول هذا الموضوع.

ويقولُ الدكتور Kerem Shuval، وهو دكتور في الجمعيةِ الأمريكية للسرطان وأحدُ مؤلّفي الدراسة، أن هذه النتائجَ تكشفُ لنا أنَّ تمتّعنا بالصبرِ والاهتمامِ بالتوجّهِ المستقبلي قد يحمينا من تكرارِ تناولِ الوجبات السريعة، كما قد يكون تقييم الأشخاصِ حسب قابليّتِهم لتأجيلِ أو عدمِ تأجيلِ الشبع الفوري لديهم أمراً ممكناً أيضاً، فضلاً عن إمكانيةِ إيجاد استراتيجياتٍ لمنعِ السلوكِ غير الصحيّ، كتوضيبِ وجبةِ الغداء والسناكِ الصحي مساءً من أجل تناولِها في العمل، الأمرُ الذي قد يساهمُ بمنعِ الذهابِ إلى آلاتِ البيع أو شراءِ الوجبات السريعة.

المصدر: هنا