عصبة الأمم تاريخياً
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> الفلسفة السياسية
هنا
في هذا المقال نقدم لكم لمحة سريعة عن تطور العصبة تاريخياً...
بلغ عدد أعضاء عصبة الأمم حده الأعلى عام 1932حين وصل إلى 60 دولة، وهبط إلى حده الأدنى في عام 1939 إذ وصل إلى 44 دولة فقط. تحدثنا في الجزء الأول عن نشأة عصبة الأمم وأهدافها ومبادئها. ولكن من كانت تضم عصبة الأمم من الدول؟ ومالفرق بين الأعضاء المؤسسين والمنضمين والمدعوين؟ وعلى أي اساس يتم طرد الدولة من العصبة؟ ولماذا انهارت عصبة الأمم وماهي الأسباب التي أدت إلى زوالها؟ هذا ما سنورده في جزءنا الثاني الذي يتناول حياة عصبة الأمم.
ضمت عصبة الأمم عند تأسيسها ثلاث فئات من الأعضاء. وكان التصنيف بطبيعة الحال، وفق خسارة وانتصار الدول في الحرب، وتوقيع معاهدة فرساي. ومعاهدة فرساي والتي كان من نتائجها إنشاء عصبة الأمم، هي المعاهدة التي أسدلت الستار بصورة رسمية على وقائع الحرب العالمية الأولى، وتم التوقيع على المعاهدة بعد مفاوضات استمرت 6 أشهر بعد مؤتمر باريس للسلام عام 1919. وينقسم أعضاء عصبة الامم إلى:
• الأعضاء الأصليون (المؤسسون): وهم ممثلو الدول الحليفة، التي وقعت على معاهدة ڤرساي. وعددهم 33 عضواً.
• الأعضاء المدعوون: وهم الدول المحايدة أيام الحرب العالمية الأولى التي دعتها الدول المؤسسة للانضمام، ومنها إسبانيا وسويسرا والدول الاسكندنافية وبلجيكا وهولندا وعدد من دول أمريكا اللاتينية وعددهم 13 دولة.
• الأعضاء المنضمون (المنتخبون): وهم الذين تقبلهم الجمعية العامة للعصبة بناء على طلب يقدم لها، وتبتُّ بهذ ا الطلب وتدرسه ثم تتم الموافقة عليه بقبوله من أغلبية الثلثين، وقد انضم على هذا الأساس نحو 20 دولة.
وتستطيع أي دولة الانسحاب من عصبة الأمم، حيث تتقدم الدولة الراغبة بالانسحاب بإعلام مجلس العصبة بهذه الرغبة، قبل سنتين من تنفيذها، وبعد إتمامها لكافة التزاماتها المالية تجاه المنظمة، تستطيع بعد ذلك المغادرة ويسمى ذلك بالانسحاب الطوعي نزولاً عند رغبة الدولة المعنية. وقد انسحبت عشرون دولة من العصبة بين عامي 1919 و1939. إلى جانب الانسحاب الطوعي هناك الانسحاب القسري أو الفصل من العضوية. ويتم ذلك عند قيام أي دولة عضو بمخالفة أحكام عهد العصبة ويتخذ قرار الفصل كل من مجلس العصبة وجمعيتها العامة. وقد تم فصل الاتحاد السوفييتي عام 1939، إثر اعتدائه على فنلندا.
حياة عصبة الأمم ومراحلها:
ـ المرحلة الأولى (مرحلة التكامل): وفيها حاولت العصبة تثبيت أقدامها، والبرهنة على قدرتها في التّصدي للمحاولات التي عزمت على بلبلة مكانتها في المجتمع الدّولي. وقد نجحت في هذه المرحلة في حلّ عدد من النزاعات كنزاع السويد ـ فنلندا على جزر آلاند ونزاع ممر كورفو.
ـ المرحلة الثانية (مرحلة الاستقرار): وقد استمرّت بين عامي 1924و1932. سادتْ في بداياتها روح الثقة بالعصبة نتيجة تمكّنها من الوقوف على قدميها في وجه التحديات. وبدأت نشاطات العصبة في المجالات المختلفة. وتأسست المحكمة الدائمة للعدل الدولي. ولعل من أهم ما حلته العصبة في هذه الفترة النزاع اليوناني البلغاري. كما قد ساهمت بتخفيف التوتر الذي ساد العلاقات الفرنسية ـ الألمانية. فبلغت العصبة ذروة مجدها بانضمام ألمانيا إليها بوصفها دولة كبرى لها مكانتها داخل العصبة وخارجها. ولكن بعد ثلاث سنوات بدأت الأعاصير تهب في وجه العصبة، منها الأزمة الاقتصادية العالمية وما تلاها من هزات سياسية، ومنها إحياء مبدأ القوميات على أسس ثورية عدوانية، وأهمها جو الشك المتزايد الذي عصف بعلاقات الدول.
ـ المرحلة الثالثة (مرحلة الانهيار): بحلول خريف عام 1931، بدأ الكل يشعر أن العصبة سائرة إلى انهيار. وحدث الغزو الياباني لمنشوريا، فما استطاعت العصبة التصرف حيال ذلك، وتبعه الغزو الإيطالي للحبشة، كذلك لم تحرك العصبة ساكناً، ثم تجدد الصراع الصيني ـ الياباني، وأخيراً ضرب هتلر ضربته الكبرى وأُعلِنَت الحرب العالمية الثانية فانهارت العصبة عملياً. أما رسمياً فلم يعلن انقضاء العصبة إلا في 18/04/1946، أي بعد ولادة هيئة الأمم المتحدة، والتي ورثت عنها أملاكها ومشاكلها وخبرتها.
ولانهيار عصبة الأمم عدة أسباب وعوامل أدت إلى تلك النتيجة، وهي:
• عدم انضمام جميع الدّول الكبرى إليها. والتي كانت تلعب دوراً أساسياً في رسم السّياسة الدّوليّة كالولايات المتّحدة الأميركية التي لم تنضم اليها إطلاقاً، والاتحاد السوفييتي الذي ما لبث أن انضم حتى تم فصله، فضلاً عن ألمانيا التي انسحبت منها عند قدوم النازية. وسيطرة الطّابع الأوروبي عليها، حيث كانت الغلبة الأساسية للدول الأوروبية عموماً، وبريطانيا وفرنسا خصوصاً.
• ربط ميثاق العصبة بمعاهدات الصلح، والتي كانت تُذكّر دائماً الغالب بانتصاراته والمغلوب بهزيمته، ومن هنا تم القول بعدم عدالة هذه العصبة.
• اعتماد مبدأ الاجماع في اتخاذ القرارات الذي كان يتنافى مع الواقع والمنطق أغلب الأحيان.
• تردّدها في اتّخاذ مواقف حازمة إزاء العديد من الاعتداءات التي طالت دول عديدة.
لقد انتهت العصبة بكل مالها وما عليها، وأصبحت جزءاً من التاريخ السياسي المعاصر، لكن الأفكار التي بلورتها والآمال التي نسجتها والمؤسسات التي ابتكرتها أصبحت جزءاً لا يتجزأ من التفكير السياسي للعالم المتمدن.
المراجع:
1- هنا-
2- هنا- هنا-
3- هنا-
4- محاضرات تاريخ العلاقات الدولية- جامعة دمشق- كلية العلوم السياسية
Image: هنا