سلسلة ملِكةُ الرّياضيّات: حدسيّة ڠولدبَخ
الرياضيات >>>> الرياضيات
ونستطيع بسهولة أن نرى أنّ ذلك صحيحٌ من أجلِ الأعداد الزّوجيّة الأوائلِ بعد العدد 2:
4 = 2 + 2
6 = 3 + 3
8 = 5 + 3
10 = 7 + 3
يبدو ذلك بسيطًا ومباشرًا إلى حدّ قد يدفعك لأنْ تحاول بَرهَنَةَ صحّة الحدسيّة بنفسك، ولكنّ الأمر ليس بتلك البساطة، إذ تظلّ الحدسيّة إلى يومنا الحاضر بلا برهانٍ رغم الجهود الّتي بذلها عديدٌ من ألمع العقول الرّياضيّة منذ أن خطّ غولدبَخ الحدسيّة للمرّة الأولى في رسالةٍ لعملاق الرّياضيّات ليونارد أويلَر Leonhard Euler.
في الواقع، ليست الحدسيّةُ كما نعرفها اليوم الحدسيّةَ ذاتَها المطروحة في المقام الأوّل، ولكنْ برهن أويلر أنّهما متكافئتان. إذْ كتب غولدبَخ في الرّسالة: يمكن التّعبيرُ عن أيّ عددٍ صحيحٍ أكبرَ من العدد 5 على شكل مجموع ثلاثة أعدادٍ أوّليّةٍ.
يمكننا تحليلُ هذه العبارةِ إلى عبارتين منفصلتين:
(1) يمكن التّعبير عن أيّ عددٍ زوجيٍّ أكبرَ من العدد 4 على شكل مجموع ثلاثة أعدادٍ أوّليّةٍ.
(2) يمكن التّعبير عن أيّ عددٍ فرديٍّ أكبرَ من العدد 5 على شكل مجموع ثلاثة أعدادٍ أوّليّةٍ.
لنتأمّلِ العبارة (1)، لكي نجمعَ ثلاثة أعدادٍ ونحصلَ على ناتجٍ زوجيٍّ، ينبغي لهذه الأعداد الثّلاثةِ إمّا أن تكون جميعًا زوجيّةً، أو أن يكون أحدُها زوجيًّا والاثنانِ الباقيانِ فرديّين. ولكنّ العددَ الأوّليّ الزّوجيّ الوحيد هو العددُ 2، وبالتّالي فإنّ العبارة (1) تكافئ قولَنا:
يمكن التّعبير عن أيّ عددٍ زوجيٍّ أكبرَ من العدد 2 على شكل مجموع عددين أوّليّين.
ولنتأمّل أيضًا العبارةَ (2)، فأيًّا كان العددُ الفرديُّ الأكبرُ من العدد 5، يمكننا أن نطرحَ منه العددَ الأوّليّ 3 ونحصلَ بالنّتيجة على عددٍ زوجيٍّ أكبرَ من العدد 2. تقول العبارة (1) إنّ هذا العدد ينبغي أن يكون مجموع عددين أوّليّين، وبالتّالي بإعادة العدد 3 الّذي طرحناه نحصل على ثلاثة أعدادٍ أوّليّةٍ مجموعُها يساوي عددَنا الفرديّ. ما يعني أنّ العبارة (1) تتضمّن العبارة (2) إن صحّ التعبير.
وهكذا يمكننا صياغةُ الحدسيّةِ على شكلها الأبسطِ الذي نعرفه اليوم:
يمكن كتابة أيّ عددٍ زوجيٍّ أكبرَ من العدد 2 كمجموع عددين أوّليّين.
يعرف شكل الحدسيّة هذا بحدسيّة غولدبَخ القويّة، وتعرف العبارة (2) أعلاه بحدسيّة غولدبَخ الضّعيفة. ونلاحظ أنّ برهنةَ صحّة القويّة تكفي لبرهنة صحّة الضّعيفة، ولكنّ العكسَ ليس صحيحًا.
صحيحٌ أنّ الرّياضيّين لم يتوصّلوا إلى برهانٍ للحدسيّة إلى اليوم، ولكنّ ذلك لا يعني أنّهم لم يحقّقوا تقدّمًا في هذا السّياق. ففي عام 1938، برهن نيلس پِپِّنڠ Nils Pipping صحّةَ الحدسيّة القويّة من أجل الأعداد الأصغر من 100،000. وفي عام 1995، برهن راماري Ramaré أنّ أيّ عددٍ زوجيٍّ يمكن التّعبير عنه على شكل مجموع ستّة أعدادٍ أوّليّةٍ أو أقلّ. وفي العام نفسه، برهن كانِتْسْكي Kaniecki أنّ أيّ عددٍ زوجيٍّ صحيحٍ يمكن التّعبير عنه على شكل مجموع خمسةِ أعدادٍ أوّليّةٍ أو أقلَّ، وهذا باعتبار فرضيّةِ ريمان صحيحةً. وتطول قائمة البراهين الّتي تمّ التوصّل إليها في هذا السّياق، ولكنْ من الجدير بالذّكر أنّ الرّياضيّ خارَلْد خيلْفْهوت Harald Helfgott استطاع عامَ 2013 برهنةَ صحّة حدسيّة غولدبَخ الضّعيفة نفسَها دون أن يبرهن الحدسيّة القويّة.
وصحيحٌ أنّ أحدثَ النّتائج الّتي تمّ التّوصّل إليها باستخدام الحاسوب تُظهِر أنّ الحدسيّة القويّة صحيحةٌ من أجل الأعداد الأصغر من ، وهو عددٌ ضخمٌ للغاية، ولكن لن يثلج صدور الرّياضيّين إلّا برهانٌ عامٌّ نأمل أن نراه يومًا.
المصادر:
هنا
هنا
هنا