أقوى ليزرٍ في العالم يحوّل الذّرّة إلى ثقبٍ أسود!
الفيزياء والفلك >>>> فيزياء الليزر
وفقاً لدراسةٍ جديدةٍ، تتصرّف الذّرّات كبيرةُ الحجم في بعض الجزيئاتِ بطريقةٍ غريبةٍ عندما يُسلَّطُ عليها إشعاعٌ من أقوى ليزرِ أشعّة سينيّةٍ في العالم، فهي تبدو كثقبٍ أسودَ صغيرٍ يبتلعُ جميع إلكترونات الجزيئات المحيطةِ به.
لا تتيحُ هذه الدّراسة إضافةَ معلوماتٍ قيّمةٍ عن الكون المحيطِ بنا فحسب، وإنّما قد تساعدنا على فهمٍ أفضلَ لما هوَ أقربُ إلينا من ذلك بكثير؛ كتحليلٍ أفضلَ للفيروساتِ والبكتيريا والبُنى الصّغيرة المعقّدة على الأرض.
استخدم العلماءُ من جامعة ولاية كانساس أكثرَ ليزراتِ الأشعّة السّينيّة شدّةً في العالمِ والمُسمّى: مَنبعُ الضّوءِ المُترابطِ ليناك "LCLS"، في مختبر المُسرّع الوطنيّ سلاك "SLAC"، وهو جهازٌ قادرٌ على توليد نبضاتٍ ليزريّةٍ باستطاعةٍ تصلُ إلى مئة كوانتيليون وات محصورةٍ ضمنَ مساحةِ سنتيمترٍ مربّعٍ واحد (كوانتيليون وات = مليار مليار وات)، ما يعادلُ شدّةً تصل إلى مئة مرّةٍ شدّة جميع أشعّة الشّمس الّتي تضربُ سطح الأرض مُركَّزَةً ضمن مساحة سنتيمترٍ مربّع، وفقاً لما يقوله الباحث المساعد سيباستيان بيتيت "Sebastien Boutet".
أطلقَ العلماءُ نبضاتٍ ليزريّةٍ مُتتاليةٍ، مُدّة النّبضةِ الواحدةِ منها تساوي 30 فيمتو ثانية ( فيمتو ثانية = جزء من مليون مليار جزء من الثّانية) على حُزمةٍ ضيّقةٍ من الجُزيئات المتدفّقةٍ عبر أنبوبٍ مُفرّغٍ من الهواء. كلّ نبضةٍ ليزريّةٍ من هذه النّبضاتِ تصطدمُ بجزيءٍ واحدٍ فقط وسطياً، محطّمةً إياه إلى قطعٍ مُتناثرة، ثمّ تُكَرّر العمليّةُ عدّة مئاتٍ من آلافِ المرّات. يقول الباحثون إنّ هذه النّبضاتِ هي الأكبرُ استطاعةً في تاريخ تجاربِ سبرِ الجزيئات.
(الاستطاعة هي الطاقة الصادرة مقسومة على زمن إصدارها)
اختبرَ العلماءُ نوعين من الجزيئاتِ المعروفةِ في العمليّات الحيويّة: يودو الميتان ويودو البِنزن، حيث يتكوّن كلاهما من الكربونِ والهيدروجينِ واليود. ذرّات اليودِ أثقلُ من ذرّات الكربونِ والهيدروجين، وتمتلكُ عدداً أكبرَ بكثيرٍ من الإلكترونات التي تمتلكها ذرات الهيدروجين والكربون معاً. تتواجد عناصرُ ثقيلةٌ كهذه في الجزيئات الحيويّة الّتي يرغب العلماءُ بدراستها؛ فعلى سبيل المثال، يستخدمُ البشرُ اليودَ في تشكيلِ الهرمونات الدّرقيّة، لذا يرغبُ العلماءُ بمعرفةِ المزيد عن ذرّات كهذه.
يُعتبرُ كلٌّ من الكربونِ والهيدروجين شفّافاً للأشعّةِ السّينيّة المُستخدمة؛ بمعنى أنّه لا يمتصّ أيّاً منها، لذا فقد امتصّ اليودُ هذه النّبضاتِ الشّديدةِ. توقّع العلماءُ استناداً لدراساتٍ سابقةٍ، أن تقتلعَ نبضاتُ الليزر إلكتروناتِ الطّبقاتِ العميقةِ لذرّة اليود، بحيثُ لا يتبقّى لذرّةِ اليودِ سوى الإلكتروناتِ شديدةِ التّماسك مع نواتها. تحوّلت ذرّة اليودِ إلى أيونٍ موجبٍ وبدأت بانتزاعِ الإلكتروناتِ السّالبةِ من ذرّات الكربونِ والهيدروجينِ المُحيطةِ بها، إلى أن ابتلعت جميعَ الإلكترونات الّتي استطاعت الحصولَ عليها من الذّرّات المُجاورة، كما يبتلعُ الثّقبُ الأسودُ المادّة من محيطِه، لكن بعكسِ الثّقبِ الأسودِ سمحت ذرّةُ اليودِ للإلكتروناتِ بالخروجِ منها مجدّداً عند امتصاص دفعةً جديدةٍ من النّبضات.
سيساعدُ هذا الكشفُ الجديدُ العلماءَ على التّخطيطِ الجيّد للتّجارب المُرتبطة بمنبع الضّوء المُترابط "LCLS" وتفسيرِها، وكذلك التّجاربُ الّتي تتعلّق بليزراتِ الأشعّةِ السّينيّة كبيرةِ الاستطاعةِ؛ كالليزر الأوروبيّ "XFEL". تُظهرُ نتائج البحثِ أنّه عند تفسيرِ بياناتِ تصويرِ الأشعّةِ السّينيّة؛ وخاصّةً بياناتُ تصويرِ الجُزيئاتِ الحيويّةِ، فيجب الانتباهُ إلى المناطقِ الحاويةِ على ذرّاتٍ ثقيلةٍ، كالعناقيدِ المعدنيّة في البروتينات، إذ أنّ جميعَ المُحاكيات الحاليّةِ لتأثيرِ الإشعاعِ في تخريبِ الخلايا تُعاملُ جميع الذّرّاتِ بطريقةٍ متساويةٍ نسبيّاً.
ستستعرضُ الأبحاثُ المُستقبليّةُ كيفيّة تحرّكِ الإلكتروناتِ في جزيئاتٍ أكثرُ ضخامةٍ، للوصولِ تدريجيّاً إلى جزيئاتٍ كالبروتينات. ستُضيفُ الأبحاثُ تحليلاً عن كيفيّةِ تدفّق الإلكتروناتِ ضمن جزيءٍ مُعرّضٍ لأشعّةٍ سينيّة، في قفزةٍ نحو الأمامِ لتطويرِ ليزراتِ القصفِ السّريع. ففي حين يقصفُ ليزرُ "LCLS" مئةً وعشرين نبضةٍ في الثّانية، فإن الليزر الأوروبيّ "XFEL" سيقصفُ سبعاً وعشرين ألفَ نبضةٍ في الثّانية عندما يبدأ تشغيلُه في تشرينَ الأوّل القادم. القفزةُ الكبيرةُ المُتوقّعة لليزر "LCLS 2" ستكونُ بحلولِ العام 2020 تقريباً، حين يقصفُ مليونَ نبضةٍ في الثّانية.
المصدر: هنا