الإبداع في التسويق- كيف يبدو اليوم؟
الاقتصاد والعلوم الإدارية >>>> تسويق
للإجابة على هذا السؤال أجرت منظمتا Shift Thinking و The Sage Group عدة مقابلات مع مدراء تسويق تنفيذيين عاملين في العديد من كبرى العلامات التجارية. روى أولئك المدراء التنفيذيون قصص نجاحٍ عبّرت عن إبداعٍ بالتسويق تجاوز الحملات الإعلانيّة التقليديّة ليخلق قيمةً فعليّة ويقدّم عائداً ملموساً للشركة. تلك القصص والاتجاهات الخمسة التي تعكسها توضّح الصور التي يتجلى بها الإبداع التسويقي في عالم الأعمال اليوم.
1- العميل شريك في خلق الابتكار
تتبختر الشركات بكون جهودها التسويقية تتمحور حول العملاء، ولكن عملياً ما يقصدونه هو آلية أفضل لاستهداف العملاء من خلال الحملات التسويقيّة. العملاء اليوم ما عادوا مجرد مستهلكين، العملاء اليوم مبتكرو محتوى وأفكار، كما يعملون معك، جنباً إلى جنب، على مجابهة تحديات السوق. الإبداع في التسويق يتطلب العمل مع العميل منذ البداية ونسج خبراتهم في خططك التسويقيّة لتستطيع الشركة التوسّع وتدخل أسواقاً جديدة.
على سبيل المثال، Brocade، مزود البيانات وحلول الشبكات، أنشأت برنامجاً يُدعى (العميل أولاً -customer first) لتحديد أفضل 200 عميل الذي يمثّلون بمجملهم 80% من مبيعاتها الشركة. عملت الشركة على فهم مصادر رضا أولئك العملاء وتحديد مجالات القوة والضعف الحالية في الخدمات المقدّمة. في الخطوة التالية، تعاونت الشركة مع فريق المبيعات لديها لتقديم حزم "خدمات حسب الطلب" بناءً على نتائج البرنامج. تابعت الشركة التواصل مع العملاء و أبلغتهم عن التقدّم التي أحرزته في تحقيق الأهداف التي وضعتها. وبالنتيجة حققت الشركة ارتفاعاً ملحوظاً في تصنيفها كواحدة من أعلى شركات الBusiness2Business (النشاط التجاري الذي يهدف لتقديم منتجات أو خدمات لشركاتٍ أخرى) وذلك في غضون 18 شهراً.
2- الاستثمار في خلق تجربة متكاملة للعملاء
لن تجد صعوبةً في إقناع أي مدير تسويق بأهمية تجربة العملاء Customer Experience، ولكن قلائل أولئك الذين لا يركزون فقط على إدارة العمليات الواقعة تحت سيطرتهم بشكلٍ مباشر. المبدعون في التسويق قادرون على أخذ نظرة أكثر شمولاً ويولون تجارب العملاء اهتماماً أكبر يبدأ من اللحظة التي يلمح فيها العميل المنتج/الخدمة ولا تنتهي بخدمات ما بعد البيع. وبعبارةٍ أخرى يعمل مدراء التسويق المبدعون على خلق تجربة مميزة للعملاء تشمل المنتج، عمليات الشراء، القدرة على تقديم الدعم (إرشادات استعمال المنتج على سبيل المثال) والعلاقات مع العملاء. سلسلة عملية تجربة العملاء هذه تتطلب وقتاً وموارد عديدة كما تحتاج استحضار التفكير الإبداعي لحل المشاكل غير المألوفة.
لنوضّح هذه النقطة بأخذ Kaiser Permenante اتحاد شركات الرعاية الصحيّة مقرها كاليفورنيا كمثال، مع التحوّل الذي تشهده خدمات الرعاية الصحية في الولايات المتحدة لتصبح أكثر توجهاً نحو المستهلك النهائي. تجربة العميل الرقميّة تشكّل عاملاً حاسماً في قرار اختيار مزود الخدمات الصحيّة. لذا بادر فريق التسويق في Kaiser Permenante بإنشاء برنامج ترحيبي مخصص لتحسين العملاء الذين اشتروا خدمات الرعاية الصحيّة حديثاً. حيث يؤمّن لهم بمجرد تسجيلهم إمكانية الوصول إلى البريد الإلكتروني الخاص بالطبيب وتحديد مواعيد المعاينة وعرض الوصفات الطبية الخاصة بهم والعديد من الخدمات الأخرى. تطلب هذا البرنامج الترحيبي التنسيق بين العديد من مؤسسات وأقسام الاتحاد ( أطباء، صيادلة، مستشفيات). نتيجة لهذا البرنامج المميز، سجّل نحو 60% من العملاء الجدد في البرنامج في غضون ستة أشهر فقط. بفضل هذا البرنامج ارتفعت استمرارية حصول العملاء على الخدمات المقدّمة Kaiser Permanente بعد عامين من تسجيلهم في الاتحاد إلى 2.6 أضعاف.
3- حوّل عملائك إلى مناصرين ومروجين لعلامتك التجاريّة
في عصرٍ تتضارب فيه الآراء المتعددة وتكثر فيه منابر التعبير عن الرأي في فضاءات مواقع التواصل الاجتماعي، تستحيل مهمة التسويق بالوصول إلى الهدف المطلوب كرفع مستوى وعي الجماهير بالعلامة التجارية في حال الارتكاز على وسائل الإعلام المدفوعة والعلاقات العامة فقط. الجماهير تمثّل قناة التواصل الحديثة. تعظيم أثر وانتشار علامتك التجاريّة يكمن في إلهام العملاء وجماهير شركتك ليكونوا أكثر إبداعاً. عاملهم على أنّهم امتداد لفريق التسويق في شركتك.
بعد استبيانٍ أجرته شركة Equinix تبيّن أن ثلث الموظفين غير واثقين من قدرتهم على شرح قصة نشأة الشركة. لذا قدّمت الشركة برنامج "سفراء" داخلي موجّه لأكثر من 6000 من موظفي الشركة. هذا البرنامج يمنح الموظفين في جميع الاختصاصات والمستويات أدوات لتثقيفهم و زيادة وعيهم بالشركة وثقافتها ومنتجاتها وخدماتها وما تقدّمه من حلول لاحتياجات العملاء. أكثر من 20% من الموظفين أخذوا هذا التدريب عبر الانترنت أو في ورشات عمل. والنتيجة كانت، ارتفاع ملحوظ في المبيعات بنسبة 43% وزيادة في نسبة المتقدميّن لوظائف في الشركة عن طريق موظفيها الحاليين.
Old Navy شركة الملبوسات الأمريكية، اعتادت تخصيص ميزانية التسويق لإعلانات تبثها على محطات التلفاز، تحديداً في موسم العودة إلى المدارس. لكن على مدى السنوات القليلة الماضية قامت بالتركيز على المحتوى الرقمي بهدف إشراك الأطفال بتجارب الحياة الإيجابية. ففي 2016 قامت بحملة إعلانيّة تدعى #MySquadContest موجهة إلى 32000 طفل دعتهم لمشاركة قصص "شلة أصدقائهم" للفوز بيوم مع الشخصية المشهورة المفضلة لديهم. حصدت هذه المسابقة 3 ملايين مشاهدة فيديو وزيادة بنسبة 60% في منشورات مواقع التواصل الاجتماعي التي ذكرت العلامة التجاريّة Old Navy كما حصلت الشركة على 600% زيادة في احتمالية توصية المنتجات بين الأصدقاء الذين تفاعلوا مع الحملة الإعلانيّة على مواقع التواصل الاجتماعي (مقابل أولئك الذين شاهدوا إعلاات التلفاز فقط). يُضاف إلى رصيد نجاح الحملة، تبرعات قياسية ذهبت لـ The Boys & Girls Club أحد شركاء Old Navy
4- الإبداع قابل للقياس
قابلية القياس للتفاعل مع المحتوى الرقمي المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي أعادت ترتيب مفاهيم التسويق لما هو مجدي وما هو غير نافع في تعزيز علاقة العلامة التجاريّة مع العميل. مما أعطى مدراء التسويق الفرصة لإدارة العمليات التسويقية بطرق متجددة لم توفر بين أيديهم قبل عقود مضت. سابقاً قِيس نجاح الحملات التسويقيّة بالالتزام بالميزانيات المخصصة وربح جوائز مهرجانات الإبداع. اليوم تتيح القدرة على قياس البيانات وتعديل الاستراتيجيات في الوقت المناسب لمدراء التسويق فرصة إثبات قيمة عملهم وأهميته الحيويّة لاستمرارية الشركة.
Cisco أحدثت لوحة قيادة عبرالإنترنت تعمل بشكلً آني لتمكّن المنظمة من تقييم أداء عمليات التسويق بأكملها، حيث يجري فريق القيادة تقييم أسبوعي للأعمال ليستنتج نشاطات التسويق الفعّالة والنشاطات التي لم تحقق الغرض منها. يمكن إجراء هذا التحليل عبر مختلف المبادات الرقمية والمناطق الجغرافية وقنوات الاتصال والأعمال وحتى على مستوى محتوى تسويقي واحد. مما يتيح القدرة على تكييف العمليات بسرعة وإعادة تخصيص الموارد.
5- فكّر بعقلية رياديّة
في الماضي، توجّب على مدراء التسويق العمل بفعاليّة عالية. من خلال وضع أهداف محددة مسبقاً وميزانيات غير قابلة لإعادة التوزيع. في وقتنا الحالي، ما عاد مدراء التسويق المبدعون مقيدين بأهدافٍ وميزانيات ثابتة لذا تغيّرت عقلية تخطيطهم للعمليات التسويقية لتقترب أكثر من العقلية الرياديّة التي تتسم بمرونتها بالتماشي مع ما يناسب السوق والمنتج/الخدمة الآن وهنا (أي في الوقت الحالي والسوق المستهدف). اتجاهٌ جديد في إدارة المهام التسويقي ظهر مؤخراً في العديد من الشركات الناشئة في وادي السيليكون معقل الابتكارات التقنيّة التي رسمت ملامح حياتنا العصرية. هذا الاتجاه هو إتباع أساليب Agile Development* و **Lean Startup
التغييرات التي تطرأ على سلوك المستهلكين، التقنيات الجديدة، ووسائل الإعلام أعادت تعريف طبيعة الإبداع في التسويق. فمقياس نجاح التسويق ليس المحتوى الذي تنتجه ولا الحملات الإعلانيّة مهما كانت لافتة للأنظار، إنما في قيمة العائد على الاستثمار سواء كان على هيئة إيرادات أو ولاء مستهلكين أو قاعدة جماهيرية للعلامات التجاريّة. في الماضي ضمّ مجال اتسويق الفنانين والمروجين والمدراء. اليوم يجب على مدراء التسويق تحفيز أنفسهم للتفكير بعقلية الرياديين والمبتكرين والعمل على خلق قيمة للعمل من خلال إشراك جميع أجزاء المنظمة في العملية التسويقية. يجب عليهم تتبع تجربة العملاء عن كثب واستخدام البيانات في عملية اتخاذ القرار، ومن ثم قياس فعالية ما قدموه من خلال النتائج النهائيّة للأعمال.
Agile Development* تطوير النمذجة السريعة : أسلوب متبع خصيصاً في الشركات الناشئة المطورة لبرامج تقنيّة يهدف إلى إيجاد بدائل للأساليب التقليدية في إدارة المشاريع التي تشكّل عائقاً في بيئة عديمة الاستقرار نسبياً. تساعد هذه الطريقة الفرَق على مواجهة عدم القدرة على التنبؤ. حيث يعتمد سير تطوير الأعمال على نتائج التجربة وردود الأفعال التجريبيّة وبيانات التغذية الراجعة. تتميز بعدم إنجاز المشروع بإتمام مرحلة تلو الأخرى بالتتابع، بل تعمل عدة فرق على جميع مراحل المشروع بالتوازي.
Lean Startup** الشركة الناشئة الانسيابيّة: منهجية تطوير أعمال ومنتجات تهدف إلى تقصير عمر دورة تطوير المنتجات من خلال الاعتماد على مزيج من الفرضيات والتجارب وتكراريّة تطوير المنتج والتحقق من صحة النتائج المستخلصة عبر الحصول على تغذية راجعة من المستهلكين الأوائل. الهدف الرئيسي هو إطلاق منتجات في السوق بعد أنّ ثبت اهتمام ورغبة شريحة من المستهلكين باقتنائها بخصائصها النهائيّة عوضاً عن المخاطرة بإطلاق منتجات ذات خصائص قد لا تلاقي إقبالاً لدى الشريحة المستهدفة.
المصادر
هنا
هنا
هنا