المزيدُ منَ المياه.. وسنواتٌ كثيرةٌ منَ الجفاف!
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> علم البيئة
ففي دراسة أجراها فريق من الباحثين في معهد ماساتشوستس للتّكنولوجيا، أبرزوا خلالها الدّور الّذي يلعبه التّغيّر المناخيّ في اختلاف حجم تدفّق مياه نهر النّيل من عامٍ لآخر، توصّل الفريق إلى أنّ هذا التّباين قد يزداد ليبلغ مقدار 50%، وذلك اعتماداً على مجموعة متنوّعة من النّماذج المناخيّة العالميّة، وسجلّات الهطول، ومعدّلات التّدفق على مدى النّصف قرن الأخير.
تكمن أهميّة الدّراسة من ضرورة التنبّؤ بكميّة التّغيّر في تدفّق نهر النّيل، وكذلك في السّنوات الّتي سيقلّ فيها التّدفّق، خصوصاً مع التّوقعات بتضاعف أعداد سكان حوض النّيل في كل من مصر والسّودان وإثيوبيا ليصلوا قرابة المليار نسمة بحلول عام 2050.
في تفاصيل الدّراسة، وجد الباحثون أنّ ارتفاع حرارة المناخ ستسبّب زيادة في شدّة ومدّة دورتي النينو/النينا El Niño/La Niña الظّاهرتين المؤثّرتين على المحيط الهادئ، واللّتان ترتبطان بشكل كبير بالاختلافات السّنويّة للهطول فوق المرتفعات الإثيوبيّة وفي أحواض النّيل الشرقيّة المجاورة.
وطالما أنّ تلك المناطق تمثّل مصدراً أساسيّاً لمياه النّيل، وتساهم بنسبة 80% من التدفّق الإجماليّ لمياه النّهر، فإنّ تحديد ذلك الارتباط سيساهم في إنجاز التّنبّؤات الموسميّة والقصيرة الأمد لتدفّق نهر النّيل، وهو ما يساعد في وضع الخطط اللّازمة لتخزين المياه أو الاستفادة منها من معظم السّدود على النّهر، كما يتوقّع أن يساهم هذا التّحليل الجديد في رسم استراتيجيّات على المدى الطّويل لبناء واستثمار السّدود الجديدة، والقائمة بما فيها سدّ النّهضة الكبير الإثيوبيّ والّذي يعتبر أكبر السّدود الإفريقيّة.
تقلّبٌ شديدٌ متوقع
استخدم الباحثون مجموعة من النّماذج العالميّة في مجال التّغيّر المناخيّ المتداولة في إطار سيناريو "بقاء الأمور على حالها"، والّتي تفترض عدم حدوث تخفيضات كبيرة في انبعاثات غازات الدّفيئة إلى الجوّ، فتوصّلوا إلى أنّ أنماط الهطول المتغيّرة ستسبّب على الأرجح زيادة متوسّط التّدفقّ السّنويّ لنهر النّيل بمقدار 10-15 % ليصل إلى 80-90 كيلومتر مكعّب سنويّاً خلال القرن الحادي والعشرين مقارنة مع متوسّط تدفّقه في القرن العشرين.
لكن ستشهد المنطقة بالمقابل سنوات يقلّ فيها التّدفّق عن القيمة الوسطيّة المقدّرة ليصل إلى 70-100 كيلومتر مكعّب سنوياً، وسنوات أكثر تطرّفاً بتدفّقات تزيد عن 100 كيلومتر مكعّب سنويّاً، وكذلك سنوات أكثر من الجفاف.
يؤكّد الباحثون أنّ هذا النّمط المتوقّع ليس مجرد تصوّر فقط، فقد لُوحظَ بدؤه فعليّاً منذ عام 2015 والّتي تكثّفت فيها ظاهرة "النينو" ليشهد حوض النّيل ظروف جفاف شديدة، ما لبثت أن تحوّلت في عام 2016 إلى فيضانات كبيرة تزامناً مع تكثّف ظاهرة "النينا".
يؤكّد الباحثون أنّ دراسة أثر التّغيّر المناخيّ على المعدّل الوسطيّ لتدفّق نهر النّيل لا يكفي لتوصيف وضع منطقة حوض النّيل الشرقيّ، فالمعدّل الوسطيّ سيزداد وهو ما يعني أنّ المياه ستكون أكثر توافراً، إلا أنّ تحديد التّباين الّذي أعطى قيمة كبيرة يشير إلى ظروف حادّة ستشهدها المنطقة بشكل متكرّر، والّتي ستتقلّب من جفاف شديد إلى فيضانات كبيرة، وهو ما يتطلّب تخطيطاً كبيراً لضمان الأمن المائيّ، سواء من ناحية البنى التحتيّة أو الاستراتيجيّات الإداريّة.
تشير الدّراسة إلى أهميّة التّركيز على الآثار المحتملة للتغيّر المناخيّ، والنّموّ السّكانيّ السّريع باعتبارهما المحرّكين الرّئيسيّين للتّغيّر البيئيّ في حوض النّيل، والّذَين ينبّئان بأهميّة توفّر القدرة التّخزينيّة الكبيرة مستقبلاً، وهي قضيّة أكثر أهميّة من استمرار النّزاع حول بناء سدّ النّهضة في الوقت الرّاهن.
كما تمكّن الدّراسة من إنجاز التنبّؤات بالفيضانات الموسميّة، وذلك اعتماداً على العلاقة بين ظاهرتي "النينو/النينا"، وتدفّق المياه في نهر النّيل، وهو ما يمنح مهندسي الموارد المائيّة وقتاً كافياً لوضع الاستراتيجيّات اللّازمة قصيرة أو طويلة الأمد على حدّ سواء.
المصدر:
هنا