النار الإغريقية؛ السلاح الذي حال دون سيطرة المسلمين على القُسطنطينية عدةَ عقود
التاريخ وعلم الآثار >>>> حقائق تاريخية
النار الإغريقية سائلٌ شديدُ الاشتعال ما زالت مكوناته مجهولة حتى يومنا هذا، واستعمله البيزنطيون كسلاحٍ حربي للمرة الأولى عام 678م عبر القذف باستخدام المنجنيقات أو الضخّ تحت الضغط تجاه التحصينات أو السفن المعادية. واستُخدمَ كذلك بنجاحٍ في المواقف الدفاعية حتى غدا السلاحَ الدفاعيّ للإمبراطورية البيزنطية وضمن صمودها لأكثر من سبعة قرون. وبلغت النار الإغريقية من الأهمية ما جعلها إحدى ثلاثة أشياء أعلنها الإمبراطور رومانوس الثاني يُمنع وصولها لأيدٍ أجنبية وهي: شعاراتُ الإمبراطورية الملكية، والأميراتُ البيزنطيات، بالإضافة إلى النار الإغريقية الشهيرة ذات التركيبة السرية. يُنسب اختراعُ النار الإغريقية للاجئ يونانيّ الأصل يُدعى كالينيكوس Kallinikos، والذي فرَّ إلى القسطنطينية بسبب سيطرة المسلمين على سوريا عام 668م. وعلى الرغم من استعمال الرومان واليونانيين للسوائلِ المشتعلةِ من قَبلُ، لكنّ نيرانَهم لم تصل لدرجة التدمير والفعالية التي تميّزت بها النار الإغريقية، وقد بقي كلٌّ من سرِّ مكوناتِها وطريقةِ تصنيعها طيّ الكتمان بسبب فقدانها مع الزمن. ولكنَّ بعضَ الباحثين يعتقدون أنّ النفط المُستَخرجُ من منطقة القرم (شبه جزيرة تقع شمال البحر الأسود) هو أهمُّ مكوِّناتِ النار الشهيرة بالإضافة إلى الجير والكبريت والراتنج ونترات البوتاسيوم وقد يُضاف البارودُ للخليط أحياناً. ميدانياًّ: لم يُعرف التصميمُ الدقيقُ لجهاز الإطلاق ولكنّه ضمّ أنابيب برونزية، ومضخة سحبٍ، وفوهةً مدوّرة، وقد كان الجهاز معقداً ما حالَ دون استعمال البلغاريين له على الرغم من حصولهم عليه إضافة إلى كمية من السائل خلال إحدى المعارك. وفي عام 2006م، أنشأ المؤرّخ جون هالدون نسخةً ناجحةً من الجهاز باستخدام أجزاءٍ مُعادَة التصنيع ونفط من القرم وقد قُذف السائل لمسافةٍ تتراوح بين 10-15 متراً وأحرق كلّ ما اعترض طريقه في غضون ثوانٍ. أهم الانتصارات: احتاج البيزنطيون لهذا السلاح بشدة في النصف الثاني من القرن السابع بعد أن بدأ المسلمون بأخذ مساحاتٍ واسعةٍ من الإمبراطورية البيزنطية على سواحل المتوسط بإسطولِهم الذي بدا أنَّه لا يُقهَر، فقد سيطروا على صقلية، وطرسوس، ومساحاتٍ واسعة من شمال أفريقيا، بالإضافة إلى جزيرة رودس، ثمَّ حاصروا القسطنطينية لأربع سنوات، وقد احتاج البيزنطيون في تلك الفترة معجزةً تساعدهم على البقاء صامدين تمثَّلت بالنار الإغريقية التي أُرسلت لتحرق الأسطول المهاجم، ثم أعادوا الكرّة بعد عدة عقود عام 718م إثرَ حصارٍ بحريٍّ دام عاماً واحداً. وقد سجَّلَتِ النارُ الإغريقية نجاحاً منقطعَ النظير حين استُخدمت في التصدّي للأساطيل الروسيّة عام 941 م، وفي الهجوم البريّ على مدينة بريسلاف لدحرِ الغُزاةِ الروس وتحرير الملك البلغاري عام972م. وفي عامي 988 و 989 م، استخدم الإمبراطور باسيل الثاني النارَ الإغريقية بالتوازي مع قوةٍ من الفايكينغ تحت اسم الحرس الفارانجي لِيسحقَ ثُلّةً من الثوّار الذين حاولوا السيطرة على العرش بقيادة بارداس فوكاس. التطور: بلغت النار الإغريقية مع مرور الوقت قدرتَها الكاملة، وذلك من خلال تكييفها للاستعمال في الحروب البرية وتعديل أساليب قذفها من التحصينات وإليها، ثمَّ حدث تطوُّرٌ آخرُ لها وذلك بسكبِها في كراتٍ فخاريّةٍ ورميها بالمنجنيقات، أو عبر إرسالِ سفنٍ خالية مُحمّلة بالنار نحو الأساطيل المعادية بمساعدة الرياح كما حدث في حصار القسطنطينية عام 1204 م.
وقد زادت قابلية المواد للتبخر من خطورة طريقة التصنيع، واحتاج تقطيرُ البترول كذلك طرقاً وتقنياتٍ معقدةً اقتصرت معرفتُها آنذاك على قلةٍ من الناس، وتناقلَها الأباطرة البيزنطيون بسريَّةٍ تامّةٍ طيلة سبعة قرون.
استُعمِلَت النارُ الإغريقيةُ في البداية في المعارك البحرية وذلك بقذفها تحت الضغط على شكل تيّاراتٍ باتجاه السفن المعادية، ومحمولةً على سفنٍ من طراز درومون وهي سفن سريعة يمكن تحريكها بالمجاديف.
تركت النارُ الإغريقية وطريقة قذفها عظيمَ الأثرِ في نفوس الأعداء، ونشرت الرعب بين صفوفهم إذ كانت تحرق كل ما تصيبُه من أشرعةٍ ورجال وسُفُن.،وزادَهم عجزُ المياه عن التصدي لها خوفاً منها؛ إذ لم تكن تُطفِئُها، وإنَّما خلافاً لذلك تماماً كانت تزدادُ اشتعالاً، ولم تنجحْ محاولاتُ مقاومتهم لها عبر تغطية السفن بجلود مُبلَّلة أو القتال من مسافةٍ آمنة أو الهجوم أثناء العواصف.
ولسببٍ غير معروفٍ تضاءَل استخدامُ البيزنطيين للنارِ الإغريقية عقبَ الحملة الصليبية الرابعة بعد أن كانت أخطر وأقوى الأسلحة المعروفة في الحروب العالمية لقرون طويلةٍ وإحدى العلامات المميزة للجيوش البيزنطيّة.
المصدر: هنا