فاتح المدرّس
التاريخ وعلم الآثار >>>> شخصيات من سورية
مدهشة هالبقعة من الأرض يلي اسمها سوريّا بكل مرّة بفكر أنّي كسوريّة عرفت كلشي عن فنانين بلدي ومفكرينها وباحثيها بكتشف حدا جديد ترك بصمة مؤثرة ومميزة بسوريا وبالعالم.
مين هو الرسّام السوري يلي امتلك الفيلسوف الفرنسي الشهير جان بول سارتر خمسة من لوحاته وسجلها بإرثه بعد وفاته ؟
"كانت أمّي تنظر إليّ مبتسمة مِن تحت اللّحاف وأنا أرسم على ضوء الشمعة ، رسمت مرّة والدي الذي توفي وأنا طفل فمزّقت عمتي الصورة ،رسمت امرأة عارية فجاءت ابنّة عمتي لتشي بي إلى أمّها لتقوم من جديد بتمزيق ما رسمت في تلك اللحظة أدركت ما عليّ فعله في الحياة: الرّسم ."
فاتح المدرّس من أقاصي الريف الشمالي جاء وانطلق إلى العالم
.
من كان يدري أن واحدة من لوحاته الأولى بتقنيتها الغير مُتّبعة في البيئة الفنّية السائدة آنذاك (الرسم بفرشاة عريضة) كانت ستلقى رواجاً ؟! وستنال عاصفة من الإعجاب والتصفيق لتأخذ الجائزة الأولى في إحدى المعارض ويقتنيها المتحف الوطني لاحقاً ليُعرف فاتح المُدرّس كرسّام وهو الشاعر والمفكر والعاشق للموسيقى أيضاً حتى أنّه نودي بلقب "جبران حلب" أسوة بجبران خليل جبران.
تحوّلت علّيته الخشبيّة التي سكنها في بداياته في حي باب النصر بحلب إلى ملتقى جمع أهل الثقافة والأدب ، وكان من اصدقائه آنذاك عمر أبو ريشة وأدونيس وسامي كيّالي و خير الدين الأسدي و مارون عبّود
* * *
سافر فاتح المدرس في بعثة إلى إيطاليا في 1957 لاحقاً أكمل في أكاديمية البوزار في باريس تعليمه خلال دراسته في الخارج التقى مصادفةً المفكر الفرنسي جان بول سارتر فدعاه إلى مرسمه . يصف الأخير أعمال فاتح المدرس بأنها تتراوح بين التجريد والرصانة و وجود الطبيعة كما نراها في الحلم . قام سارتر بترجمة قصائد لفاتح من الإيطالية للفرنسية كذلك اقتنى عدداً من لوحات المُدرّس
سُئل يوماً فاتح المُدرس لماذا لم تشد الرحال إلى أوربّا لتستقر في أحدى البلدان و تصبح أحد مشاهير الفن هناك ، أجابه : "لا أستطيع أن أفارق شجرة التّوت في داري ، ولا صوت نقيق الضفادع في نهر قويق ،ولا رنين طاسات "أبو كنجو" بائع العرقسوس ، كما أنّي عاجز عن اصطحاب كل هذه الأشياء معي "
حين عاد فاتح المدرس من دراسته في الخارج عُيّن معيداً في كلية الفنون في جامعة دمشق ،ومن ثم شغل منصب أستاذ دراسات عليا في الكلّية نفسها .
لو سُئِل طلّاب تلك السنوات عن أستاذهم فاتح المُدرّس لأجابوك بأنّه لم يكن أستاذ فقط بل أب روحي لتلاميذه والحديث عن تقنيات صنع اللوحة لم يشغل إلّا حيزاً صغيراً من محاضراته ، كان شغله الشاغل حديثه عن الفن و دوره في صنع حياة أجمل و أرقى .
يقول فاتح المدرس عن نفسه : "أنا عربي سوري أعيش على جانب من أرض هذا الكوكب، لي تاريخي ولي حسّي الجمالي بهذا التاريخ، كما أنني في أعماق شعوري أدرك واجب احترام هذا التسلسل الجمالي ونموه.. إن واجبي أصعب من واجب الإنسان الأوروبي، فهو لم ينقطع عن التسلسل التاريخي في بنائه المعاصر، بينما التفت أنا إلى الوراء لأرى حلقاته مفقودة من النشاط الفني في تاريخ بلادي
* * *
هذا الفنان السوريّ الذي انُتخب نقيباً للفنانين لمدة احد عشر عاماً ، ترك مجموعتين شعريتين ومجموعة قصصية (عود النعناع)
معارضه تكاد لا تعد ولا تحصى في سوريا والخارج محقّقاً حضوراً مختلفاً في كل المعارض التي أقامها كمعارض ميونخ والبندقية ونيويورك وباريس وضِعت لوحاته في أشهر المتاحف كما اقتنتها شخصيات عديدة كالدكتور فالترشيل رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية و جاك شيراك حين كان رئيساً لوزراء فرنسا .
* * *
في قلب العاصمة دمشق في ساحة النجمة يقع مرسم فاتح المدرس . قبو رطب بفوضى محبّبة لبقايا ألوان ،فراشي ،لوحات ، زجاجات وأكواب فارغة ،تخطيطات لوجوه أليفة : أستاذه جنتلليني ، الروائي ألبرتو مورافيا ، جان بول سارتر . وقصاصات بخط يده كُتب عليها : "الإنسان ليس كلمة ، وكذلك الوطن " " الإنسان أجمل من العقل ".
لقّب فاتح المُدرّس بِ "رسّام الشعراء وشاعر الرسّامين " وهو من مواليد حلب 1922 رحل عنّا في يوم حزيراني من سنة 1999 .
المصادر :
-فرناند روبيون
مجلة تحولات العدد 2 - آب 2005
- سمر حمارنة «كيف يُرى فاتح المدرس» (1999)
- نبيل صالح رواية اسمها سوريّا 2007