ما الّذي قدمه ستيفن هوكينغ في ميدان الفيزياء والفلك؟
الفيزياء والفلك >>>> ألبومات
هنا
Image: gizmodo.com
جاءَ الأستاذُ هوكينج إلى كامبريدج في عام 1962 كطالبِ دكتوراه وتَرفَّعَ عام 1979 ليصبحَ أستاذًا رياضيًا لوكاسيًا، وهو المنصب الذي كان يشغلُه إسحاق نيوتن.
وفي عام 2009 ، تقاعدَ من هذا المنصبِ ليُصبحَ مديرَ البحوثِ في قسمِ الرياضيات التطبيقيةِ والفيزياءِ النّظريةِ حتى وفاته.
كان هوكنغ أيضا عضواً في مركزِ الجامعةِ لدراسةِ علمِ الكونيات النّظريّ، والذي أُسّسَ عام 2007.
Image: Jupe / Alamy
اقترحَتْ نظريةُ النسبيّةُ العامّةُ للفيزيائيّ ألبرت أينشتاين، والتي نُشرَتْ في عام 1915، وجودَ ما يُسمّى "الثّقوب السوداء".
الثّقوبُ السوداءُ هي أجسامٌ تمتلكُ قوةً جاذبيةً شديدةً جدًا، لدرجةِ أنّه بمجردِ أن يَعبُرَ شيءٌ ما منطقةً فيها تُعرَفُ باسمِ أُفُقِ الحدث Event Horizon، فإنّه يضيعُ للأبد.
حتى الضّوء لا يستطيعُ الهروبَ من براثنِ الثّقبِ الأسود ولهذا ارتبطَ الثّقبُ الأسودُ بهذا الاسمِ، ولهذا السببِ أيضاً لا نستطيعُ رؤيته.
اكتسبتْ نظريةُ الثّقوبِ السّوداء على مرّ السنين تأييدًا واسعًا، ودعمتْ العديدُ من الأبحاثِ وجودَها.
لكن في عام 1974 ، صدمَ هوكينج مجتمعَ الفيزياءِ بنظريّتهِ الّتي تفترضُ أنّه بإمكانِ بعضِ الأشياءِ أن تُفلِتَ من قبضةِ الثّقبِ الأسودِ قبلَ عُبورِ أُفُقِ الحدث. مُوضحًا أنّ الثّقبَ الأسودَ عندما يَبتلعُ أحدَ الجُسيمات في مُزدوجة (مادة –مادة مضادة) مثلًاً، فإنّ الجُسيم الآخرَ يَهرُبُ من الثّقبِ الأسودِ على شَكل إشعاعٍ بَعدَ أن يَسرقَ القَليلَ من طاقةِ الثّقب.
وبتكرارِ هذه العمليّةِ مع الوقتِ يفقدُ الثّقبُ الأسودُ كلَّ طاقتِه ويختفي ولا يبقى من آثاره سِوى بقايا الإشعاعِ الكهرومغناطيسي الذي خرج منه، وهو ما يُسمى إشعاع هوكنغ Hawking radiation.
هنا
.
Image: by John Phillips on Getty Images
عام 2014، نشرَ هوكينج ورقةً بحثيّةً بعنوانِ "الحفاظ على المعلوماتِ والتنبؤ بطقسِ الثّقوبِ السوداء"، إذ فاجَأَ مجتمعَ الفيزياءِ الفلكيةِ مُجددًا من خلالِ اقتراحٍ بأنّ الثّقوبَ السوداءَ ليستْ سوداءَ على الإطلاق. طاعنًا في نظريتِهِ الأولى من عام 1974 والتي اقترحَتْ أنّ لا شيءَ يمكِنُهُ أن يُفلتَ من الثّقبِ الأسودِ بعدَ عبورِ أُفُقِ الحدث.
موضحًا في ورقتِهِ الجديدةِ أنّ الضوءَ أو أيَّ جسمٍ قد يكونُ قادراً على الخروجِ من الثّقبِ الأسود بعدَ المرورِ بنقطةِ اللاعودة، وإن كان بحالةٍ فيزيائيةٍ مشوهةٍ جدًا.
وبالتالي فإنّ المعلوماتِ حولَ طبيعةِ الأجسامِ المُنجذبةِ للثّقبِ الأسودِ لن تَضيعَ، ولكنّها ستكونُ بحالةٍ مُشوهةٍ تمامًا إذ يصبحُ من المستحيلِ استردادُها أو إعادُة بنائِها.
على سبيل المثال، وفقًا لهذه الورقةِ البحثيّة، لو دخلتْ سيّارةُ Tesla Roadster الّتي أطلَقَها إيلون ماسك في الفضاءِ بداخلِ ثقبٍ أسود، لخرجتْ على هيئةٍ لا تَمتُّ للسياراتِ أو أيّ شيءٍ نعرفه بأيّ صلة
هنا
Image: tten/iStock
يُمكنُ تشبيهُ الكونِ بحاسوبٍ خارق، يجبُ على هذا الحاسوبِ أن يُسجِّلَ ما إذا كانت السّيارةُ التي تَدخُلُ الثّقبَ الأسودَ شاحنة خضراء أو بورش حمراء، أو فيما إذا كانت مَصنوعةً من المادةِ أو المادةِ المُضادة، هذه الأشياءُ يمكنُ تحطيمها كُليّاً داخلَ الثّقب الأسود لكن المعلومات عنها يجبُ أن تَعيشَ للأبد. ونَقصدُ بالمعلوماتِ خصائصها الفيزيائيّة الأساسيّة.
هنا تَكمنُ المُفارقة، في الواقع هذه مُشكلةٌ كبيرةٌ لعلماءِ الفيزياءِ الفلكيّة، إذا كانت قوانين ميكانيك الكَم لا تَنطبقُ على الثّقوبِ السّوداءِ فلماذا يجبُ أن تنطبقَ علينا؟
عام 2016 ظنّ هوكنغ أنّه قد وَجَدَ الحلّ أخيراً لهذه المفارقة، ربما يوجدُ هالةً من "الشّعر الناعم" حول الثّقوب السّوداء، وهذا الشَّعر يتمتعُ بقُدرةٍ على تَخزين المَعلومات.
هذا "الشَّعر" ليس الشَّعر الذي نعرفه، بل هو عبارةٌ عن استثاراتٍ كموميّة مُنخفضةِ الطّاقة، تَحمِلُ أنماطاً مُحدَّدةً لكلِّ ما تمَّ ابتلاعُه من قِبَل الثّقب الأسود، وتَحتفظ بهذه الأنماط لفترةٍ طويلةٍ بعدَ تبخُّرِ الثّقب الأسود.
هذه الأنماطُ مثل نقاطِ البِكسل في هواتفنا المَحمولة أو مثل الأخاديدِ الصَّغيرةِ في الإسطواناتِ الموسيقيّةِ القديمة، و في حالةِ الثّقوبِ السّوداء فإنها تَحتفظُ بمعلوماتٍ عن كُلّ ما تجاوزَ الأفقَ الحدث واختفى.
تم تقييمُ هذه الفرضيّة من قِبَل العلماءِ والباحثين بعد أن نَشرِها في مجلة Physical Review Letters. الذين يعتقدون أنها ما زالت بحاجةٍ للكثيرِ من العمل، بالرّغم من أنّها قد تكونُ خطوةً باتجاهِ حلِّ مُعضِلة المعلومات في الثّقوب السّوداء.
هنا
هنا
Image: Perimeter Institute The Birth of Universe
تُعدُّ نظريّةُ الانفجارِ العظيمِ في وقتنا هذا، التّفسيرَ العلميّ المقبولَ لأِصل كوننا، بالنسبة للعديد من العلماء والفلكيين. لكن كان هناك وقتٌ بَدتْ فيه الفكرةُ غيرَ معقولة، حتى أنّ عالِمَ الفلكِ البريطاني فريد هويل، أطلق َ عام 1949 هذا الاسم Big Bang Theory ساخرًا من نظريةِ الفيزيائيّ الفلكيّ جورج لوميتر.
تعتقدُ نظريّةُ الانفجار العظيم أنّ الكونَ نما إلى أبعادٍ مُذهلةٍ خلالَ تريليون جزء من الثانية بعد انفجارٍ هائل.
في عام 1970 ، اقترح هوكينج ، جنبًا إلى جنب مع زميله الفيزيائي روجر بنروز ، أنّ الكونَ بدأ من نقطةٍ مُتفردّهٍ Singularity متناهيةٍ في الصّغر، لدرجةٍ أنّ المكانَ والزمانَ فيها يُصبحان كيانًا واحدًا.
وعلى عكس الثّقبِ الأسود الّذي يتبخّرُ إلى أن يُصبحَ نقطةً متفرّدةً، فإنّ الكونَ بدأ من نقطةٍ مُتفرّدة، ما يُعزّزُ صحّةَ نظريّةِ الانفجارِ العظيم، الّتي تفترضُ أنّ الكونَ بدأ بانفجارٍ هائل.
Image: Mark Garlick/SPL
تواجِهُ الفيزياءُ اليوم مشكلةً غايةً في الصعوبة إذ توجدُ نظريّتان لوصفِ الكونِ من حولنا هُما: النسبيّة العامّة وميكانيكا الكم.
تَعمَلُ كلٌّ مِن هاتَين النَظريتَين بِشكلٍ مثاليّ ضِمنَ حيّزٍ مُعيّن. فالنسبيّةُ العامَةُ تَصِفُ الكونَ وتُفسِّر الظَواهِر الّتي تحدثُ على المستوى الكونيّ الكبير، في حين تَصِفُ نظريّةُ ميكانيكا الكَمّ الظواهِرَ على المُستَوى الذَريّ المُتناهي الصِّغر. أما المُشكلةُ فهيَ أنّنا عِندَما نُحاوِلُ جَمعَ هاتَين النَظريّتين مَعاً لإيجادِ نظريّةٍ واحدةٍ تصِفُ الكونَ على المستويين الصغير والكبير كَكُل، فإنَ الأمورَ تُصبِحُ أكثرَ تعقيدًا.
سعى هوكينغ إلى العثورِ على نظريةٍ موحّدةٍ يمكنُ أن تفسرَ كلّ الجوانبِ الفيزيائيةِ للكون، وتجمع بين نظريةِ النسبيّة العامة ونظريةِ الكم.
ولكن في عام 2010 ، اعترف هوكينج بأنّ العلمَ قد لا يكون قادرًا أبداً على إيجاد "نظرية كل شيء".
هنا
Image: Art by Mitchell Toy
مع أنّ هوكنج أَحدثَ ثورةً في طريقةِ تفكيرِ الفيزيائيين فيما يخصُّ الكون، لكنّه لم يفزْ بجائزةِ نوبل أبداً لأنّ نظرياته لم تثبُتْ.
على سبيل المثال، حتى لو أطلقت الثّقوبُ السوداءُ طاقةً ما، فإنّ درجةَ حرارتِه ستكون منخفضةً جدًا، مما يجعلُ من قياسِها أمرًا صعبًا جدًا في ظلّ الإمكانات الحاليّة.
لكن مع رحيل هذا العالِم الشّهير، من المرجح أن يُناقشَ العُلماءُ نظرياتِه مطوّلًا في المستقبل.
Image: Jemal Countess/Getty Images/AFP
ترأسُ ستيفن هوكنغ مجلسَ إدارةِ مشروعِ "Breakthrough Starshot" إلى جانب مؤسِّسِ الفيس بوك مارك زوكربيرج والملياردير الرّوسيِّ يوري ميلنر ومديرِ وكالةِ ناسا السّابقِ بِيْت وودن.يطمحُ المشروعُ إلى صناعةِ "مركباتٍ نانويّةٍ مُصغّرَةٍ" تسافرُ نحوَ النّجومِ الأخُرى على حُزمٍ من الأشعّةِ اللّيزريّةِ أملًا بتطبيقِ هذه التّقنيّةِ على مركباتٍ كبيرةِ الحجمِ في المستقبل لنقل البشر الى مستعمراتٍ في كواكب أخرى.
فقد كان هوكينغ يعتقدُ أنّ الأرضَ تُستنزَفُ، وقد لا تصمدُ كثيرًا قبلَ أن تصبحَ كرةً مُلتهِبةً من النّار، ولكي نُنقذَ الجنسَ البشريَّ؛ اعتقدُ هوكنغ أنَّ علينا البحثَ عن كوكبٍ بديل.
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا